السبت 20 ابريل 2024

مقياس الروضة

مقالات19-4-2023 | 14:03

الروضة أقدم جزيرة بين مدينتي الفسطاط والجيزة •• ولتميز موقعها وضع مقياس النيل في جنوبها (ثاني أقدم أثر إسلامي بعد جامع عمرو بن العاص)•• إليه سعيت•• لم أقاوم بهجة 54 درجة حجرية تهبط 10م لقاع مقياس النيل بالروضة لأعايش 1200 سنة تاريخ•• من (247 هـ ).

أصل أرضيته  التي لم تقف عليها قدم جافة 1150 سنة (أقل منسوب فى  تشغيله 3 أذرع – متر ونصف) حتى أغلقت فتحاته ببناء السد العالي 1970 فجف قاعه وحلت محله مقاييس النيل  ببحيرة ناصر.

أهبط 9 درجات من حديقة (قصر المانسترلي) أجتاز بابه الخشبي الصغير وأدور مع مشاية شرفته العلوية•• بسورها الخشبى الأرابيسك ترى عمقه، تلف لباب صغير•• تنزل  21 درجة•• ثم بسطة و4 درجات أصغر••ومشاية عرضية لليمين،  يليها 8 درجات وبسطة، و5 درجات ومشاية دائرية أخيرة•• ونهايتها 7 درجات جرانيتية سوداء لأقرب للأرض.

بعرض قدميك فقط، التصق بالجدار الحجري أتشبث بأحتكاك كفي اليسرى، وترقب يمناي للجلوس الفوري•• إذا اختل توازنى ويميني فراغ عمق 3 أدوار•• كانوا دائمى الملأ والعمال  حفاة ••سباحون مهرة•• وليس لي بانزلاق حذائى الجلدى إلا الطيران مرزوعا تتحطم عظامى على الارض الصلدة•• أتلمس قاعدة المقياس الدائرية ••من خشب الجميز المقاوم للمياه والهزات والزلازل،والعمود الرخامي "19 ذراع ارتفاعا - كل منها مقسم 24 إصبعا"،  أعلاه  تاج روماني ••ووزنه 20 طنًّا ••ليقاوم اندفاع المياه •• قمته مثبتة ••بكمرة خشبية عليها بالخط الكوفي آية الكرسي ••وأية (أنزلناه من السماء بقدر) وأعلى  جانبيه الشمالي والشرقي.

من تجديدات إبن طولون  259 هـ  (الله الذى خلق السموات وأنزل من السماء ماء تخرج منه الثمرات ) ••(وهو الذى سخر لكم الفلك)•• خطوط قياسه محفورة ••مثل جدران المعابدالفرعونية على النيل من أسوان حتى منف•• والمقاييس المصرية القديمة من المتحرك بثقل في طرف حبل يرمى للقاع•• أوعمود خشبي•• أو بئر يقاس منسوبه بعدد درجاته المغطاة بالمياه.

قياسه يحدد موسم الزراعة المقبل•• وخراج (ضرائب )الدولة، ومنسوب 16 ذراعًا•• أفضل عائد زراعي زيادته ذراعا تروي الأراضي العالية، وتزيد الخراج 100 ألف دينار، ومنسوب 13 رقم نحس ••فيه الفقر (أخذه الرومان عن الفراعنه ونشروا شؤم الرقم 13 فى ثقافة العالم ) و18 ذراعًا ••كوارث ••تختفى تحته أراضٍ زراعية وتكثر البرك بأوبئة تهلك الناس فيقل الخراج 100 ألف.

خراج مصر فى دخول الإسلام 12 مليون دينار، وفى توزيعها المثالي ربع للأمراء والجنود ورجال الدولة والقضاة والعلماء•• والثاني لإصلاح الجسور وتطهير الترع، والثالث للطوارئ وربع للخليفة•• في المدينة المنورة _ثم بغداد _ ثم استانبول، أو في مصر مع أبن العاص فى ولايته الثانية، وأبن طولون والإخشيدي والفاطميين والأيوبيين والمماليك، وأهمها سفن القمح السنوية للحرمين الشريفين مكة والمدينة.

موقع المقياس فرعوني•• في المجري الضيِّق للنيل حيث تقل شدة التيار فلا يتسرب الطمي لبئره، قبيل بداية فروع النيل الخمسة التي بقى منها فرعا رشيد ودمياط، وأمام حصن بابليون الرومانى•• والفسطاط (21هـ) أول  عاصمة  أسلامية لمصر  حتى نهاية حكم الأمويين ثم  (العسكر) للعباسيين(135 هـ).

جدد  المقياس عدة مرات سنة  95 هـ بعد 75 سنة من الفتح بمعرفة•• متولى الخراج (أسامة بن زيد التنوخي) والتجديد التاريخي الأهم 247 هـ، بإسم الخليفة العباسي المتوكل •على يد المهندس أحمد الفرغاني تم في 6 أشهر انخفاض الفيضان، استعد  لذلك طويلا بدراساته وتصميماته وأدواته وصنايعية مهرة (إيديهم تتلف فى حرير)••عملوا ليل نهار.

قبله استخدم أبن العاص مقاييس ••أسوان ودندرة (قنا) ••وأخميم (سوهاج) ••وأنصنا (المنيا) 41 هـ وأستخدم والي مصر الأموي (عبد العزيز بن مروان) مقياس حلوان 80هـ، وأستخدم أبن طولون مقياسي قوص (قنا) والمقس(باب الحديد)، كلها  مقاييس فرعونية ثم بيزنطية ثم رومانية ومعها مقاييس في جزيرة فيلة وإدفو وكوم أمبو وإخناتون بملوي (المنيا)، وقصر الشمع (الكنيسة المعلقة) بحصن بابليون، ومقياس سيدنا يوسف في منف (الجيزة).

تحرك على الدرجات وسبح في الفسقية صاحب المقياس أبو الرداد عبد الله بن عبد السلام بن عبد الله بن أبى الرداد المؤذن من البصرة•• بأجر7 دنانيرشهريا•• ومائة قنطار جير سنويا  لعمارته - توفى 266 هـ وتوارثه ذريته (عرفوا ببنى الصواف)•• وهو أول مسلم يشرف على المسجد  الملحق بالمقياس  بعد 225 سنة من الفتح   يتولاه الرهبان   و لم ير الصحابة ولا الولاة فيها شيئا حتى عينه الخليفة المتوكل•• يقيس المنسوب عصر كل يوم ••ويقارن بمثيله في العام السابق  يدوِّنه في سجل ••يرفع سراً لولي الأمر ••فإذا انخفض منسوب الماء لم يتزاحم الناس فى الاسواق  وترتفع الأسعار وتختفى السلع والبضائع وعندما تستقر بشائره ينادى للناس ضحى يوم وفاء النيل ••أول أبيب - 8 يوليو(أول السنه القبطية ) يقال يوم الزينة لفرعون والسحرة وموسى عليه السلام.

من ليلة أمس أوقدت الشموع والبخور فى المقياس ••وبات المقرئون والمنشدون•• يعوم صاحب المقياس لتخليقه (دهنه بالمسك والزعفران)  يتناوله من أيادي الولاة والخلفاء والسلاطين ويبلغهم بمنسوب 16 ذراعًا يصلون ركعتين شكرا لله، وقد حضروا بالحاشية والجنود، و40 نافخ بوق  30 منها فضة ••وعشرة ذهب فى الطرق المزدانة•• يعبرون بالزوارق وينعمون عليه وعائلته بملابس فاخرة وصرة مال ويوزعون الطعام والصدقات ويعودون وحولهم ألف قارب بالأعلام (كراؤه لعشرة أنفس مائة درهم فضة)، ومراكب رجال الدولة لاحتفالات فتح الخليج.

(إذا دخل أبيب كان الماء دبيب) بصوت أندفاع الفيضان، فى بداياته •• تخضر مياهه وشربها ضار حتى يصل الماء الجديد•• أحمر بطين السيول يروق•• فيصبح لؤلؤة بيضاء (أبيب – مسره - توت) ثم تنحسرالمياه وتظهر الأرض الخصبة سبيكة سوداء (بابة - هاتور - كيهك) وتنضج الزراعات ••زمردة خضراء ( طوبة وأمشير وبرمهات) وتصبح سبيكة ذهب حمراء ••والحصاد (برمودة وبشنس وبؤونة).

على شاطئ الجزيرة كانت شموع المصريين _مسلمين وأقباط _ تحتفل بليلة الغطاس (11 طوبة 21 يناير) أجمل الليالي سرورا مع الأكل والشرب والموسيقى ويغطسون في النيل ليحميهم من الأمراض، (أوقف  هذه الاحتفالات  السلطان برقوق 784 هـ).

عرض النيل حول الجزيرة آنذاك (كيلو متر وربع -600 للفسطاط - باقى 100 م حاليا -  و600 للجيزة) يقول  المسعودي المتوفى  346 هـ: (لم يسم  بالبحر ••غير نيل مصر ••لكبره واستبحاره•• فعندما يفيض تصبح أرضها بحرًا).

لأهمية المقياس في الجزية ••أهتم الولاة والخلفاء والسلاطين بصيانته بدايتهم محمد الإخشيد 320هـ والوزير الفاطمي بدر الجمالي 450 هـ والسلطان نجم الدين أيوب 550 هـ والظاهر بيبرس 630هـ وقايتباي (901 هـ) وسليم الأول 900 هـ،  وسليمان القانوني 930هـ، وسليم الثاني (26- 982 هـ)، والحملة الفرنسية (1214هـ )، وأسرة محمد على (1305هـ)، ولجنة حفظ الآثار العربية (1925م)، وآخر ترميم  1937 باسم الملك فاروق.

على سلالم الصعود أتوقف 3 مرات•• أمام فتحات المياه المغلقة ••بعقودها المدببة وتيجانها مرتكزة على أعمدة مدمجة في الجدران •• كانت مفتوحة على نفق (مأخذ ) •• له 3 فتحات دائرية شمال وجنوب وشرق لتدخل البئر هادئة.

فى الخارج ••شرق المقياس أهبط 15 درجة أشاهده من أسياخ ••بابه الحديدي لدخول المياه•• المغلق)•• من  الممشى العلوى أتابع  قلب القبة المخروطية (قمع مقلوب)، إطار قاعدتها شرفات أرابيسك للإضاءة بزجاج ملون يضفى لونا بنيا فاتحا ••مزينة بنقوش إسلامية.

ومن الخارج أعلاها•• هلال عثماني، فهناك قبة عثمانية تنتصب على قاعدة حجرية مربعة تشبه قبة مسجد (أبو يزيد البسطامى) بخراسان إيران ( صوفي مات 260 هـ )، وله مقام في زاوية تجاور المقياس ••أقامه أحد ذريته 670هـ، بعد 400 سنة من وفاته، ••تحول لجامع 770 هـ ثم عاد زاوية.

أمام المقياس ومن تصميم الفنان الأوزباكي (راف شان )تمثال أرتفاع  4 م و50 سم بزي إسلامي•• بيمينه برجل هندسي ويساره أوراق (المهندس محمد بن كثير الفرغان من فرغانة ببلاد ما وراء النهر- أوزباكستان - توفى بعد 247هـ)  عالِم رياضيات وفلكي ••ترجمت مؤلفاته فى العالم وبعد 1180سنة، ( الجمعة 33 ربيع الآخر 1428 - 20 أبريل 2007- بعد  16 سنة من الاستقلال عن الاتحاد السوفيتى ) أزاح الستار عنه الرئيس الأوزباكستانى إسلام كاريموف.

أهم أثار المقياس حاليا، قصر المانسترلى 1851م (رئيس وزراء عباس حلمى الثانى)، موقع جامع المقياس لبدر الجمالى ـ جدده السلطان المؤيد شيخ 823 هـ وأستمر حتى 1830م، وهدمه أنفجار مصنع بارود محمد على (محطة المياه حاليا)، يسار حديقة القصر (متحف أم كلثوم من 2001 م) تسمع صوتها يجلجل ( أنا وحبيبى يا نيل نلنا أمانينا  مطرح ما يسرى الهوا ترسى مراسينا).