الأحد 16 يونيو 2024

الطعام الصينى فى القاهرة

11-9-2017 | 14:28

بقلم –    فايز فرح

دعانى المستشار الثقافى للصين الجديد فى القاهرة إلى حفل مهرجان الطعام الصينى فى أحد فنادق القاهرة الكبرى، وعلى ضفاف نيلها الساحر، قبلت الدعوة فأنا من عشاق الطعام الصينـى وحتى قبل زيارتى إلى الصين أكثر من مرة.

المستشار الثقافى الجديد للصين السيد(شى يوه وين) صديق قديم لى منذ ما يقرب من ٢٨ سنة عندما كان ملحقا ثقافيا شابا فى السفارة، وكنا نتعاون معا لتوطيد العلاقات الثقافية بين البلدين الكبيرين.

كانت الأمسية رائعة تناولنا فيها الطعام الصينى اللذيذ المحبب على أنغام الموسيقى الصينية الحديثة، ألقى المستشار كلمة عن الطعام الصينى والعلاقات بين البلدين، فذكر أن مصر والصين بلدان عريقان تاريخيا يعود تاريخهما إلى آلاف السنوات قبل الميلاد، وعلاقات الصداقة قديمة أيضا، الصين تذكر دائما أن مصر هى أول دولة تعترف بها بعد الاستقلال مباشرة عام ١٩٤٩ كذلك كانت مصر أول دولة عربية فى الشرق الأوسط تقيم فيها الصين مركزا ثقافيا عالميا عام ٢٠٠٢، أضاف المستشار أن الطعام الصينى ملمحاً رئيسياً فى ثقافة الصين وهو يجذب سياحا كثيرين لنا، ونحن نقول إن الذى يزور الصين دون أن يتناول طعامها كأنه لم يزرها.

ونحن نهدف بهذه الأمسية تقوية العلاقات بين البلدين وبخاصة فى مجال الطعام المشهورة به الصين، فنحن نعرف أن هناك عددا من المصريين يحبون طعامنا، كما أن هناك صينيين يحبون ويفضلون بعض الأطعمة المصرية كالملوخية والفول والبصارة وورق العنب وحلوى أم على.. كاتب هذه السطور يفضل الطعام الصيني، وقد تناولته فى الصين وفى دول أوربا، وفى كندا حيث تدعونى ابنتى نورا فرح المهاجرة هناك لتناول الطعام الصينى فى المطاعم المنتشرة فى كل مكان فى كندا.

تقول الإحصاءات إن الطعام الصينى هو الطعام الأول صحيا فى العالم ويأتى بعده الطعام الفرنسى، ثم الطعام المغربى، أما سبب فوزه بهذه المرتبة الأولى فهو لأنه يتكون من مواد طبيعية غير مصنعة أو مسبكة أو صناعية، الغذاء الرئيسى فى الصين يعتمد على الأرز، ومن أقوال الزعيم الصينى (ماوتسى تونج):

الأرز هو الاشتراكية، وتناول الخبز نادرا فى الصين. إذا عدنا للإحصاءات مرة ثانية فسنعرف أن الأطباق المعروفة فى الصين تبلغ حوالِى خمسة آلاف طبق، هذا بخلاف الأطباق الأخرى الخاصة بكل قومية من القوميات الصينية، هناك ٥٦ قومية لكل منها أكلاتها الخاصة ولغاتها وأديانها، ومع هذا التعدد والاختلاف فإن المواطنة تعترف بكل مواطن صينى تعطيه حقه كاملا ويعطيها حقها كاملا، وربما تكون وحدة الشعب الصينى وتماسكة هو السبب الرئيسى فى قوة الدولة الصينية التى ينتظر أن تحكم العالم فى المستقبل. يتمسك الشعب الصينى بطعامه التقليدى الذى هو جزء من تراثه وثقافته وينقسم إلى أربع مجموعات رئيسية هى: مطبخ ثاندونج ومطبخ شيشوان ومطبخ فوانجدونج ومطبخ هواييانج ولكل منها فروع مختلفة لكن هذا لا يمنع السمة الغالبة على الطعام الصينى اللذيذ الطعم الخفيف علِى المعدة، الذى يتفق مع الرجيم فى أنه لا يؤدى إلى السمنة مهما تناولت منه. المائدة الصينية أشبه بحديقة غناء تجد فيها كل الأنواع والألوان الأحمر والأصفر والأبيض والأزرق والبنى، وتبلغ صحاف المائدة عشرا على الأقل وتقدم تباعا، وهذه ملاحظة مهمة، لأننى كنت فى إحدى زياراتى للصين أشعر بالجوع ثم على مائدة الغداء التهمت الأطباق التى أمامى، وإذ بأطباق جديدة هى الرئيسية تأتى بعد أن بدأت أشعر بالشبع، وشعرت بالمقلب الجميل.

من تقاليد الطعام الصينى أن مدته طويلة فبين كل طبق وآخر مدة معينة، وهكذا يعتبرون تناول الطعام فرصة للحديث والتعارف والتشاور، وهو ما نقول عنه فى السلك الدبلوماسى، غداء أو عشاء عمل، لأن الوقت طويل ومناسب للأحاديث، وربما جاءت هذه العبارة من طريقة تناول الطعام الصينى، الحلوى لن تجدها على المائدة الصينية فهم لا يعرفون الجاتوه والتورتة إلا قليلا هذه الأيام، لكنهم يفضلون الفاكهة كطعام طبيعى طازج مفيد.

بلغة الأرقام والإحصاءات هناك أكثر من أربعة ملايين مطعم فى الصين يعمل فيها أكثر من ١٧ مليون موظف، فى العاصمة بكين هناك مطاعم ضخمة كبيرة تشبه القصور فى كل مكان، وهى حافلة بالديكورات الصينية التقليدية التى يغلب عليها اللونان الأحمر والأزرق، والفتيات الصغيرات المبتسمات يرتدين زيهن بنفس الألوان المبهجة وينحنين انحناءة بسيطة مع ضم أكفهن إلى صدورهن قائلات .. فى نى هاو ومعناها أهلا وسهلا وهى كلمة تعبر عن الاحترام يحيى بها كل الصينيين بعضهم بعضا كلما تقابلوا، الحقيقة أننى لم أستطع أن أحفظ أى كلام صينى ماعدا هذه الكلمة البسيطة.. فى هاو فى مهرجان الطعام الصينى فى القاهرة تقدمت بالتحية إلى الضيوف الصينيين بنفس العبارة مما أسعدهم، ورحب بى صديقى المستشار الثقافى وتناولنا الطعام الصينى اللذيذ الشهى: جمبرى مشوى وعليه قطع من الجمل، جمبرى بالصلصة بالكاشيو، الأرز الصينى المسلوق أو المستوى على البخار وبه قطع من البيض المسلوك والسمك والجمبرى والخضر، وهو طبق خفيف ومفيد وسريع التناول، نوع من المكرونة المصنوعة من الخضر.

والحساء جزء مهم من الطعام وهو حساء البحر به بعض القواقع وقطع من السمك والجمبرى والكاليمارى والخضر والكابوريا وله مذاق حار جميل. تذكرت وأنا أتناول الطعام الصينى على ضفاف نيل القاهرة ما كتبه أستاذنا الكبير محمد حسنين هيكل فى كتابه «موعد مع الشمس» قال:

دعيت على العشاء فى مطعم «بط بكينى» وكان العشاء يتكون من سبعة أطباق من بطة واحدة! فى الطبق الأول خمس قطع ممتازة باردة من البطة، وفى الطبق الثانى كبد البطة مقلى، وفى الطبق الثالث أضلاع البطة بالصلصة فى الرابع قلب البطة فى قطع صغيرة محمرة، فى الطبق الخامس لسان البطة وأمعاؤها، الطبق السادس هو الرئيسى وفيه جسم البطة مشويا. أما الطبق السابع والأخير فهو حساء من عظام البطة مسلوقة. عندما رأى الأستاذ هيكل هذا المهرجان الصغير سأل مضيفه ضاحكا:

لم يبق من البطة غير ريشها وأرجو ألا نأكله.. قال المضيف: لا المطعم يبيع ريش البط لأغراض صناعية!

هكذا استمتعت بدعوة صديقى المستشار الثقافى لسفارة الصين فى القاهرة بمهرجان الطعام الصينى الطيب المذاق الصحى واجتماع الأصدقاء الصينيين وذكريات سنوات مضت منها ذكريات من رحلاتى للصين، الدولة الكبرى الجميلة، وكان الطعام الصينى هو سبب اللقاء، وهو عامل ثقافى مهم قد لا يعرفه أو يقدره البعض .