● يتميز الفنان أو الأديب البروليتارى بأنه قادر علي تمييز القوى الحقيقية التى تقضى علي الظلم وتحقق حياة إنسانية حقيقية للبشرية
● يتميز الأدب البروليتارى بالنزعة الاشتراكية التي تناهض الرأسمالية، ولم يقتصر الأدب علي التعبير فقط عن مشاكل وقضايا الطبقة الكادحة المستغلة وإنما هو تدفق عام للتيار الثورى
● ألف مكسيم جوركى رواية الأم من أجل رفع الروح المعنوية للحركة البروليتارية الثورية في محاولة منه لبث روح الحماس بين الثوار ومقاومة مشاعر التشاؤم والانهزامية
يعتبر الأدب البروليتارى هو الأدب الذى يعكس الواقع من وجهة نظر البروليتاريا العالمية، والبروليتاريا هي الطبقة العاملة التي تقود نضال الشعب العامل من أجل مجتمع اشتراكى. تعتبر السمة المميزة لهذا النوع من الأدب ليس هو انتماء المبدعين لهذا النوع من الأدب من طبقة العمالة بقدر ما هو المحتوى الأيديولوجى والفنى الاشتراكى البروليتارى في إبداعهم.
تعمل البروليتاريا منذ نشأتها علي تطوير كل مظاهر وأشكال أيديولوجيتها بما فى ذلك الأدب. أما السمة الحاسمة لهذا الأدب أنه أدب ثورى حر مناهض للبرجوازية ينقل قضايا العمال ويتعاطف معهم. هذا الأدب لا يخدم مثل غيره العشرات أو حتى المئات الذين يمثلون الطبقات العليا في المجتمع وإنما يمثل ويعبر عن ملايين وعشرات الملايين من العمال الذين يمثلون زهرة البلاد ومستقبلها.
ترجع نشأة الأدب البروليتارى إلى القرن التاسع عشر لكنه بدأ في الازدهار والانتشار في ثلاثينيات القرن العشرين علي يد الفرنسي هنرى بولاى الذي أسس جماعة الأدباء البروليتاريين للغة الفرنسية تحت اسم (المدرسة البروليتارية) وهو المسمى الذى رفضه هنري نفسه. ولكن بالنسبة لهنرى بولاى كان يميز أن هذا الكاتب أو ذاك بروليتارى إذا وٌلد لدى والدين من الفلاحين أو العمال أو ممن تعلموا ذاتيا، حيث يكون قد ترك المدرسة من أجل العمل وحصل علي منحة ليكون مدرسا مثلا فى مدرسة ابتدائية أو مدرسة للفقراء، وبشكل عام هو الذي تشهد كتاباته علي انتمائه لطبقة العمالة الكادحة. بالإضافة إلي ذلك يجب على الكاتب البروليتارى أن يستمر في كسب رزقه كعامل أو فلاح، لكن كان هناك استثناء لهذه القاعدة بدءا من بولاى نفسه الذى كان يعمل فى مهن مختلفة فى النشر والصحافة وبعض الوقت فى خدمة الطبقة العاملة ومع ذلك يعتبر هؤلاء مؤلفين بروليتاريين، لأن أعمالهم وأنشطتهم لا تزال تركز على الدفاع عن البروليتاريا وعلى الصورة الأدبية الخاصة للطبقة العاملة. وهكذا، فإن الأدب البروليتارى، الذي يُفهم على أنه "أدب لكتاب مهتمين بالبروليتاريا ويكتبون عنها" ، لا يقتصر على المجموعة التي أسسها هنرى بولاى فى الثلاثينيات. لقد تطور ولا يزال يعبر عن نفسه بأشكال مختلفة.
انتقل الأدب البروليتارى إلي العديد من دول العالم منها الولايات المتحدة واشتهر أدباء مثل إرسكين كالدويل و جاك لندن و هوارد فاست وفي إنجلترا مثل توماس هاردى وفى النرويج مثل كنوت هامسون وجوهان بوير وفى الدنمارك مثل مارتن أندرسن نيكسو وفى ألمانيا مثل ألفونس بيتزولد وإرنست تولر وفى النمسا مثل إلسا فيلدمان وفي بولندا مثل ستانيسلاف برزوزوفسكي و برونو جاسينسكي وفى البرازيل مثل خورخي أمادو و باتريشيا جالفاو المعروفة باسم باجو وفي اليابان مثل نوبورو كاتاجامى وفى إيطاليا مثل إرمانو ريا، أما فى الاتحاد السوفيتى وروسيا ظهرت العديد من الأسماء مثل مكسيم غورك وبوريس بيلنياك وألكسندر فاديف وفيودور جلادكوف ونيكولاي أوستروفسكى و كونستانتين باوستوفسكى.
تعتبر روسيا هى أكبر الدول التى استوعبت الأدب البروليتارى وعملت علي تطويره. خاصة أنها من قادت ثورة العمال أو كما يطلق عليها ثورة أكتوبر البلشفية الاشتراكية الكبرى عام 1917م لتنتقل السلطة من القيصر إلي العمال والفلاحين من الشعب المناضل ضد القيصرية والإقطاع وكان قادة هذه الثورة هم من يحسبون على هذه الطبقة أمثال فلاديمير لينين وجوزيف ستالين وليون تروتسكى.
ظهر الأدب البروليتارى فى روسيا فى القرن التاسع عشر على يد مجموعة من الشعراء الحالمين الذين كانوا يدعون فى أعمالهم إلي الحرية والديمقراطية وإعلاء المبادئ الاشتراكية السامية فى المجتمع، ولكنها لا تعدو أحلام ليبرالية سلمية تم التعبير عنها بشكل خفى فى أعمال شعراء أمثال نيتشيف وشكولييف، لكن الوضع اتخذ شكلا مختلفا فى مراحل الإعداد للثورة البلشفية واتخذ الأدب منحى آخر وهو الدعوة للتغيير بالطريق الثورى المسلح الذى وصفه مكسيم جوركى بوق الثورة البلشفية وأيقونة البروليتاريا فى أعماله المبكرة بأنه ليس تمردا فوضويا للمشردين والغوغاء ولا احتجاج سلبى للمثقفين وإنما هو نشاط ثورى منظم للبروليتاريا، الطبقة الثورية الوحيدة القادرة علي القضاء علي أكبر مظالم النظام الاجتماعى، وظهر ذلك فى أعمال مثل (الأعداء) و(الأم). عبرت أعمال الأدباء العماليين ما قبل ثورة أكتوبر عن الثقة الشديدة في انتصار البروليتاريا.
يتميز الأدب البروليتارى بالنزعة الاشتراكية التى تناهض الرأسمالية، ولكن لم يقتصر الأدب على التعبير فقط عن مشاكل وقضايا الطبقة الكادحة المستغلة، وإنما هو تدفق عام للتيار الثورى حتى أن الشاعر الروسى الكبير فلاديمير مايكوفسكى الذى عرف عنه كراهيته الشديدة للرأسمالية وحلمه بالجنة للبشرية لم يميز شعره ما قبل الثورة أنه أدب ذو طابع بروليتارى بل ثورى في معناه الأشمل.
يتميز الفنان أو الأديب البروليتارى بأنه قادر علي تمييز القوى الحقيقية التى تقضى علي الظلم وتحقق حياة إنسانية حقيقية للبشرية. ألهمت تعاليم مبدعى الاشتراكية ماركس – إنجز – لينين – ستالين الكثير من الأدباء والمفكرين والتى تمكنوا من صياغتها في شكل فنى تحول إلي واقع تطبيقى وممارسة عملية ساعدت على بناء الاشتراكية فى الاتحاد السوفيتى الناشئ.
تشكل في روسيا عام 1925م اتحاد الأدباء البروليتاريين المعروف باسم (راب) والذى ضم أكثر من 4 ألاف عضو وقتها والذى أدى إلي إلغاء الكيانات الأدبية التى كانت قائمة آنذاك، وازدادت الانقسامات والخلافات داخل الاتحاد وتعددت الرؤى وظهر نوع جديد من الأدب عرف باسم (الأدب الحزبى) الذى مثل ضغطا سلبيا كبيرا على العديد من كبار الأدباء وقتها أمثال ألكسى تولستوى وفلاديمير مايكوفسكى وميخائيل بولجاكوف وماكسيم جوركى نفسه وظهر الهجوم علي الأدباء الذين لا تتفق رؤيتهم مع مبادئ الحزب الشيوعى الاشتراكى الحاكم وظهرت مفاهيم مثل (الحلفاء والأعداء).
كما يعتبر الفصل بين الأدب البروليتارى والأدب الاشتراكى هو أحد جوانب الخلاف داخل اتحاد الكتاب البروليتاريين حيث تم الترويج للطرح القائل أن الأدب الاشتراكى هو الجدير بإلغاء الأدب البروليتارى لأنه يتجاهل الطبيعة الاشتراكية لثقافة البروليتاريا وجميع أنواع ممارساتها. فالاشتراكية هى الوحيدة القادرة على تطوير الثقافة والأدب البروليتاريين وقد تبني ذلك الطرح المناشفة أنصار ليون تروتسكى. والمناشفة هم جماعة سياسية تكونت إثر خلافات داخلية بعد انقسام حزب العمل الاشتراكى إلي أكثرية بلشفية بقيادة لينين يتبنون فقط الحل الثورى فى الإصلاح ومناشفة أو منشفيك يتبنون الحل السلمى.
لا يقتصر الاختلاف بين الأدب البروليتارى والأدب الطبقى على محتوى أيديولوجى وسياسى واحد، بل يتجلى أيضًا بالقدر نفسه فى سمات الشكل الفنى والموضوعات والصور والأساليب الجديدة في الإبداع، ويجعل مثل هذه الأشياء ذات أهمية جمالية، والتى تجاهلها الفنانون سابقًا. قارن جوركى واقعية تشيخوف البرجوازية الصغيرة بتصوير الواقع الذى انبثقت عنه الحاجة إلى النضال من أجل الثورة. عارض جوركى أبطال أعمال تشيخوف القادرين على الحلم بحياة رائعة، هؤلاء الأبطال ذوو الإرادة القوية، والسعي بنشاط من أجل العمل، والاحتجاج على النظام الرأسمالى. كان جوركي لا يرى سوى البطل الثورى المسلح القادر علي التغيير بالقوة كانت لغة جوركى ذاتها من رأى بعد النقاد، مجازية، استفزازية وغير عادية بالنسبة لأدب تلك السنوات، وتختلف بشدة على وجه الخصوص عن لغة تشيخوف.
وبالانتقال إلي أحد أبرز الأدباء البروليتاريين فى الأدب الروسى يجرى الحديث بالفعل عن ألكسى مكسيموفيتش بيشكوف المعروف باسم مكسيم جوركى والذى أطلق على نفسه هذا الاسم بسبب الحياة القاسية والطفولة البائسة التي مر بها فأطلق على نفسه جوركى أى (المر) باللغة الروسية. ولد جوركى عام 1868م وتوفى عام 1936م. عمل فى الحقلين السياسى والأدبى، وأسس في الأدب مدرسة الواقعية الاشتراكية التي حملت في جوهرها نظريات كارل ماركس والتى تعتبر سمة مميزة وخاصة جدا بالأدب الروسى، حيث دعا من خلال هذا التيار إلي توظيف الأدب فى خدمة المجتمع وأنه لابد من تطويره فقط في ظل مبادئ تلك المدرسة الأدبية. ترشح للحصول علي جائزة نوبل عدة مرات ولكنه لم يحصل عليها.
كان مكسيم جوركى يتيم الأبوين وقد تولت تربيته جدته التى كانت تقص عليه الحكايات والتى أثرت علي الكاتب المستقبلى وقد تأثر الكاتب بعد وفاتها بشدة وحاول الانتحار، عاش جوركى فترة عصيبة يبحث عن قوت عيشه وأخذ يجوب أنحاء البلاد من أجل ذلك وقد شاهد الكثير من المعاناة التي كان يعيشها الشعب الروسى تحت وطأة النظام القيصرى وقد عبر عن ذلك فى روايته الرائعة (الأم) ، وبدأ مشواره السياسى والإبداعى في ظل الثورة البلشفية وقد وافته المنية عام 1936م مع شكوك بأنه مات مسموما.
تعرض جوركى للاعتقال عدة مرات وعاشر المهمشين والمشردين وأكثر البشر تدنيا وغاص في عالمهم، صور حياة الفقراء والشحاذين والصعاليك والكادحين، جسد معاناتهم ووصف تفاصيل حياتهم، لكن لم يقابل ذلك بالتقدير في الأوساط الأدبية التي تجاهلته. ولكن بعد أن تبدل الحال واندثر العهد القيصرى تغير الوضع تماما وأصبح هو الزعيم علي عرش الأدب الروسى واعتبره النقاد الأب الروحى للأدب السوفيتي ومؤسس المدرسة الواقعية الاشتراكية، وأصبح صديقا شخصيا لكل من لينين وستالين، دعم البلاشفة وشارك فى ثورة 1905م وأسهم في إشعال فتيل ثورة أكتوبر عام 1917م، خاض كل التحديات النضالية نضاله وأعماله الأدبية فكان أيقونة الأدب البروليتارى.
كتب جوركى روايته الشهيرة الأم بعد ثورة 1905م وفشلها، حيث صدرت بالروسية عام 1906م ونشرت باللغة الإنجليزية فى نفس العام.
أقبل مكسيم جوركى على كتابة هذه الرواية من أجل رفع الروح المعنوية للحركة البروليتارية الثورية خاصة بعد هزيمة ثورة 1905م في محاولة منه لبث روح الحماس بين الثوار ومقاومة مشاعر التشاؤم والانهزامية. استمد جوركى موضوع الرواية من أحداث واقعية حدث أمامه وعايشها فى عام 1902م بعد القبض علي أحد الشباب الثوري أثناء مظاهرة عيد العمال مما جعل والدته تناضل للدفاع عن ابنها وتكمل المسيرة وتتجه للعمل الثورى.
أما رواية (الأم) لمكسيك جوركى فتدور أحداثها السيدة (بيلاجيا فلاسوف) التى تجاوزت الأربعين من عمرها. كانت تعمل فى أحد المصانع كعاملة وتقوم بأعمال شاقة من أجل مكافحة الفقر والجوع وجلب لقمة العيش لأسرتها. أما حياتها الشخصية، فقد كانت حياة تعسة بائسة حيث كان زوجها هو أحد العمال أيضا، ولكنه كان مدمنا سكيرا وقد أنفق كل أمواله علي الخمر والأكثر من ذلك كان يقوم ببيع أثاب البيت من أجل شراء الخمر، وفى أثناء مشاجرة فى المصنع توفى الزوج، لتصبح بيلاجيا وحيدة مع ابنها بافل.
يسلك الشاب بافل مسلك والده حيث يتجه هو الآخر إلي إدمان الكحوليات وشرب الخمر ولكن تبدل حاله فجأة حيث بدأ ينخرط في العمل الثورى والإقلاع عن السكر، بدأ يجلب الكتب المحظورة والمنشورات الثورية إلي المنزل ليخفيها. أما الأم الأمية التي لا تعرف الكتابة ولا القراءة ولم يكن لها أى اهتمامات سياسية بدأت تشعر بالريبة من سلوكيات ابنها وتتوخى الحذر تجاهه، حتى ألقت الشرطة القيصرية القبض علي ابنها بافل.
حاولت الأم الدفاع عن ابنها ولكن محاولاتها باءت بالفشل، ومن هنا قررت أن تكمل كفاح ابنها الثورى وتنضم إلي صفوف الثوار لتضرب مثالا ونموذجا يحتذى به فى نضال المرأة ضد السلطة القيصرية والرأسمالية والدفاع عن طبقة العمالة الكادحة.
لقت الرواية صدى كبيرا داخل روسيا وخارجها خاصة فى الأوساط السياسية الثورية واعتبرها النقاد نموذجا رفيعا للأدب البروليتارى وتم تصنيفها باعتبارها أول عمل أدبى تمت كتابته وفقا لمبادئ المدرسة الواقعية الاشتراكية كما اعتبرها البعض النموذج الأدبى الأبرز للأدب الاشتراكى الواقعي للمرأة والنظرية النسوية الاشتراكية.
تم ترجمة الرواية إلي الكثير من لغات العالم وصدرت الترجمة العربية لها عام 1983م عن دار التنوير من ترجمة فؤاد وسهيل أيوب. تحولت أيضا إلي أعمال فنية ومسرحية في روسيا وأمريكا وألمانيا والعديد من دول العالم.