الأحد 9 يونيو 2024

أضاعت كل أحلام إنهاء الأزمة القطرية.. الشيزوفرنيا السياسية فى الدوحة وواشطن

19-9-2017 | 16:57

بقلم -ىنجوان عبداللطيف

يبدو أن ازدواجية الحكم فى قطر بين الأمير تميم وتنظيم الحَمَدين، وفى الولايات المتحدة الأمريكية بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، وراء عدم الوصول إلى حل للأزمة القطرية التى تدخل شهرها الرابع ووراء هذا المشهد الكوميدى الهزلى الفريد من نوعه فى المدرسة الدبلوماسية، والذى جرى خلال الأيام القليلة الماضية، عندما تبدل الحال من النقيض إلى النقيض فى أقل من ٤٥ دقيقة.

حيث تم الإعلان عن قيام حاكم قطر الأمير «تميم» بالاتصال بولى العهد السعودى محمد بن سلمان والذى أخبره برغبة قطر فى الجلوس إلى مائدة المفاوضات للحوار حول مطالب الدول الأربع، واحتل الخبر صدر النشرات الإخبارية كخبر عاجل وهام، واستبشر الجميع بانفراجة فى الأزمة، ولكن كما يقول المثل الشعبى «يا فرحة ما تمت» ٤٥ دقيقة فقط وانقلبت الحال وأعلنت السعودية تعليق الحوار حتى تقدم قطر تفسيراً للبيان الذى أذاعته وكالة الأنباء القطرية الرسمية «قانا».

ما الذى جرى؟ وماذا وراء ما حدث؟

القصة بدأت يوم الخميس الماضى عندما استقبل الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح والذى أعلن فى المؤتمر الصحفى الذى عقده فى البيت الأبيض أن قطر مستعدة لتلبية المطالب «الـ ١٣» التى قدمتها الدول الأربع «السعودية والإمارات والبحرين ومصر»، وأنه متفائل بحل الأزمة قريباً جداً، ثم أوضح أن قسماً كبيراً من المطالب سيحل.

بينما قال الرئيس ترامب فى ذات المؤتمر الصحفى إنه على استعداد للعب دور فى حل أزمة قطر، مؤكدًا أن الأزمة سببها دعم الإرهاب وعندما يتوقف فإنه سيشجع على الحل، وإلا فإنه لن يدعم هذا التحرك.

عقب هذا اللقاء بأقل من ٢٤ ساعة أعلنت السعودية «أن الأمير تميم اتصل بولى العهد السعودى محمد بن سلمان وأبلغه رغبته فى الجلوس على طاولة الحوار، لإنهاء الأزمة مع المملكة والإمارات والبحرين ومصر، وأبدى أمير قطر خلال الاتصال رغبته فى مناقشة مطالب الدول الأربع بما يضمن مصالح الجميع، وهو الأمر الذى قابله ولى العهد بالترحيب.. وسيتم الإعلان عن التفاصيل لاحقاً بعد أن تنتهى المملكة من التفاهم مع الدول الأربع.

بعد دقائق قليلة أذاعت وكالة الأنباء القطرية الخبر بصياغة وتفاصيل مختلفة.. حيث قالت قانا «إن اتصالاً جرى بين الأمير تميم والأمير محمد بن سلمان، بناء على تنسيق مع الرئيس الأمريكى، وأمير قطر أكد على حل الأزمة بالجلوس إلى طاولة الحوار لضمان وحدة مجلس التعاون الخليجى، وأنه يوافق على طلب ولى العهد السعودى بتكليف مبعوثين لبحث الخلافات بما لا يتعارض مع سيادة الدول.

لم يستغرق الأمر دقائق، لتعلن السعودية تعليق الحوار، حتى تقدم قطر إيضاحاً عن هذا التحريف لوقائع ما جرى خلال الاتصال بين الأميرين.

مصادر سعودية رسمية أشارت إلى أن تضليلاً تضمن بيان «قانا» حول من بادر بالاتصال (وهو الأمير تميم) وبين من قدم المطالب وهو أيضاً تميم.

ما الذى حدث فى هذه الدقائق ما بين إجراء الاتصال والإعلان عن استعداد قطر للحوار وبين تصريح «قانا» الذى زاد من تعكير المياه التى لم تصف بعد؟

كثيرون من المراقبين السياسيين تحدثوا عن ازدواجية الحكم فى قطر، وأن الأمير تميم لا يملك قراره وأن القرار بيد «تنظيم الحَمَدين» والمقصود بهما والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى ورئيس وزرائه السابق القوى الشيخ حمد بن جاسم، اللذان مازلا يحكمان من خلف الستار، ونجحا فى فرض وصايتهما على الأمير تميم، ورغم أن كثيرين كانوا يتوقعون أن ينأى الأمير تميم عن نهج أبيه الذى خلق عداوات كثيرة لقطر مع العديد من البلدان العربية إلا أنه للأسف استمر على ذات الدرب طوال الأربع سنوات التى حكم فيها، وظلت قطر فى عهده داعمة للتنظيمات المتطرفة التى تنضوى تحت عنوان الإسلام السياسى، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين،حيث قدمت لهم قطر ولازالت الدعم المادى والإعلامى والمعنوى، وأصبحت ملاذاً لقادتهم الهاربين خاصة فى مصر.وكما ساندتهم فى مصر ساندتهم فى السعودية والإمارات وليبيا وسوريا وفلسطين والسودان،ودعمت جماعات طائفية،بما يجعل لها يدا طولى فى هذه البلدان، وبما يزعزع أمنها واستقرارها وفى الكثير من الأحيان تحالفت مع إيران للتوغل فى هذه الدول خاصة البحرين.

ورغم أن تميم وقع اتفاق الرياض ٢٠١٣ والمكمل ٢٠١٤،والذى ينص على عدم تدخل قطر فى الشئون الداخلية لجارتها والدول العربية الأخرى، خاصة مصر، إلا أنه لم ينفذ شيئاً من هذا الاتفاق، وهو ما دفع الدول الأربع لفرض عقوبات اقتصادية عليها بعد أن فاض بها الكيل.

ضاحى خلفان، رئيس شرطة دبى الأسبق، كتب تغريدة على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» قال فيها «إن تنظيم الحمدين يهدد الأمن العالمى وينشر الإرهاب فى أرجاء المعمورة ماعدا إيران».

وقال إن حمد الأب يدقق فى قائمة زوار الأمير تميم ليقرر من يقابله ومن يمنع عنه المقابلة.

«سعود القحطانى» المستشار فى الديوان الملكى السعودى أكد أن مشكلة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب ليست مع الشعب القطرى بل مع تنظيم «الحَمَدين» اللذين يمولان العمليات الإرهابية فى القطيف فى السعودية، والتى أدت إلى سفك دماء الملايين فى العالم العربى ونشرت التطرف.

ويعقد فى لندن ١٤ سبتمبر الجارى أول مؤتمر يناقش الأزمة القطرية وتداعياتها السياسية والاقتصادية على الخليج بأسره، بحضور عربى وعالمى والعديد من الأكاديميين والإعلاميين والمعارضة القطرية. وسيعرض تقريرا فى هذا المؤتمر يتحدث عن خطورة تنظيم الحمدين على قطر والدول الأخرى.

ويقول خالد الهيل المتحدث باسم المعارضة القطرية: إن هذا المؤتمر مهم ليسمع العالم صوتنا، فحكومة قطر لا تسمح لأحد بأن يتحدث عن سياساتها أو نشاطاتها فى المنطقة.

وعلى الجانب الأمريكى نجد أيضا شيزوفرنيا سياسية بين الرئيس ترامب والإدارة الأمريكية فى موقفهما تجاه قطر والأزمة، حالة الارتباك والتناقض الواضح يمنع أن تلعب الولايات المتحدة دوراً حاسماً فى هذه الأزمة.

فى بداية الأزمة كتب الرئيس ترامب تدوينه عبر حسابه على تويتر تعنى تأييده القوى للإجراءات التى اتخذتها الدول الأربع ضد قطر، وتحدث عن دعمها وتمويلها للإرهاب، وقال إنها بداية لنهاية الإرهاب.

بينما أشارت الخارجية الأمريكية فى ذات الوقت عبر تصريح للمتحدثة الرسمية لها (هيدزناروت) بأنها مندهشة من التحركات ضد قطر، وإذا ما كانت بسبب دعم الإرهاب أو لأسباب أخرى.

وقال تيلرسون وزير الخارجية ردا على إعلان مطالب الدول الأربع الـ ١٣، يجب أن تكون المطالب من قطر معقولة ومقبولة للتنفيذ.

قطر بالنسبة للإدارة الأمريكية هى لاعب أساسى فى سياستها فى المنطقة، تحديداً فى سياسة الفوضى الخلاقة، وفى مشروع تفتيت للدول العربية وتقسيمها ولديها قاعدة العديد العسكرية، بخلاف علاقاتها العسكرية مع تركيا عضو الناتو، وأهميتها كطرف عربى على علاقة وثيقة بإيران.

وليس أدل على الصراع بين البيت الأبيض والإدارة الأمريكية فيما يتعلق بقطر من إبرام صفقة الأسلحة الأخيرة معها، خاصة مع تصريح الوزير تيلرسون بأن الحصار يعيق العمليات العسكرية فى المنطقة .

ويبدو أن الإدارة الأمريكية هى الأقوى من الرئيس ترامب حتى الآن وأن وزير الخارجية -الذى كان يعمل سابقاً فى شركة كبيرة لها مصالح وعلاقات مالية بقطر- هو الذى يقوم برسم السياسات الخارجية الأمريكية، ومن ثم فشل اتصال ترامب مع الأميرين تميم ومحمد بن سلمان فى أن يحلحل الأزمة.

وكأنك يا أبوزيد ما غزيت.. ضاع الاتصال دون جدوى، وتظل الازدواجية بين تميم وتنظيم الحمدين وبين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، وراء بقاء الأزمة القطرية محلك سر، إلا إذا حدث تغيير فى هذه الشيزوفرنيا السياسية.