بمرور الساعات، تتلاشى أي فرصة لتأجيل الاستفتاء على انقسام إقليم كردستان العراق، حيث يصر المسؤولون الأكراد على المضي قدمًا في ترتيبات الاستقتاء بالرغم من رفض حكومة بغداد، والمعارضة الدولية والإقليمية التي تواجهه، وفي الوقت الذي يعتبر فيه الأكراد أن دورهم الرئيسي في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية يتطلب مكافأتهم وإعطائهم بعض النفوذ.
وقد لاقى مطلبهم بالانفصال الكثير من ردود الفعل السلبية من باقي الدول والجهات مثل أمريكا، وروسيا، وإيران، وتركيا، والسعودية، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية.
فوز شبه مؤكد:
أكد مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، إن استفتاء كردستان ليس نهاية المطاف، فالفوز شبه المؤكد فيه سيكون إعلانًا لرغبة الاستقلال.
ويرى الأكراد أن المفاوضات مع العراق غير مجدية، ولكنهم يريدون حلًا بتفويضٍ من الأمم المتحدة يتضمّن جدول أعمال واضح يضعهم على طريق تحقيق هدفهم عبر إجراءات أمثال اتفاق واجب التنفيذ لتقاسم عائدات النفط، كما هو متفق عليه، ولكن لم يتم المحافظة عليه بعد حرب العراق.
وأظهرت المهرجانات والاحتفالات في كردستان العراق حجم التأييد للاستفتاء والاحتفاء به، كما بيّنت عدة استطلاعات للرأي أن حجم التأييد يتجاوز الـ70 %، وبالتالي، سيكون التأييد "جارفًا"، وذلك حسب ما يذهب إليه الدكتور بيار دوسكي من الجامعة الأمريكية في دهوك.
ويرى دوسكي أن زيارة بارزاني إلى السليمانية، والاستقبال الجماهيري، والحفاوة أظهرت مدى الدعم الشعبي للاستفتاء، وحسمت الجدل بأن المدينة لا تتزعّم حركة الرفض. وكان بارزاني قد قام بزيارةٍ يوم الأربعاء الماضي، (20 سبتمبر 2017)، إلى السليمانية، حيث ألقى خطابًا أمام عشرات الآلاف من المواطنين على ملعب السليمانية الدولي ونقلته المحطات التليفزيونية.
ويقول الدكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس: "وحتى وإن لم يجرِ الاستفتاء، الإثنين المقبل، فقد تم الاستفتاء عمليًا، وقال الشعب كلمته".
نسبة رفض متواضعة:
ففي الوقت الذي يمضي قرابة 5 ملايين ونصف المليون كردي عراقي للاستفتاء على استقلال كردستان العراق بعد غد، الإثنين، حسب بيانات "مفوضية الانتخابات والاستفتاء" في الإقليم.
وفي الوقت الذي لم تتمكّن حملة "لا للاستفتاء حاليًا" من جمع أكثر من "5 آلاف توقيع"، وفي أحسن الأحوال "8 آلاف" الذي يمثل نسبه أقل من 01.%، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحملة ليست حزبًا سياسيًا، ويرى مراقبون أن حملة "لا للاستفتاء حاليًا" كانت "مجازفة غير محسوبة النتائج".
وفي العراق، هناك إجماع على الرفض :
حيث خرج المئات من الأهالي بمحافظة نينوى في مظاهرةٍ حاشدة لرفض إجراء الاستفتاء، وحمل المتظاهرون الذين يمثّلون جميع الطوائف المسيحية والتركمان والعرب والشبك، أعلام العراق وأعلام الطوائف، ولافتات كتب عليها «لامساومة على وحدة العراق، وأهالي الموصل يتظاهرون ضد الاستفتاء في كردستان».
وأكد منظمو التظاهرة: «هذه التظاهرة تمثل موقف جماهير نينوى لرفض تقسيم وتجزئة العراق، وعلينا العيش بسلامٍ وأمان في دولةٍ موحدة مستقلة».
برازانى.. وفرصة للبقاء:
في الوقت الذي يرى مؤيدو مسعود بارزاني (71 عامًا) أنه يسعى لتحقيق حلم إنشاء دولة، يرى معارضوه في مشروعه هذا مجرد محاولة للبقاء في السلطة، فبعد فوزه في الانتخابات غير المباشرة عام 2005، أعيد انتخاب بارزاني مرة أخرى في 2009 بنحو 70 % من الأصوات في أول انتخابات عامة، ليبدأ ولاية جديدة من 4 سنوات، وبعد انقضاء المدة، مدّد برلمان الإقليم ولاية بارزاني لعامين، لكن بارزاني لم يغادر منصبه مع انتهاء هذين العامين في 2015، ما أثار أزمة داخل الإقليم.
وتقول الباحثة دونيز ناتالي، من "معهد دراسات الاستراتيجية الوطنية"، إنه تم تحديد هذا الموعد عمدًا، حيث يأتي الاستفتاء فيما يواجه مسعود بارزاني أزمات داخلية كبيرة، وفي حاجةٍ لتعزيز موقعه كزعيمٍ قومي، بالإضافة إلى أن جميع الأطراف تطلب منه تنظيم انتخابات على رئاسة السلطة من دون ترشيح نفسه.
توقيت غير مناسب:
يرى مراقبون أن توقيت الاستفتاء ليس مناسبًا، هذا بالنظر إلى القتال الجاري في محيط كردستان مع "داعش"، علاوة على الأوضاع الاقتصادية الصعبة بالإقليم بسبب تراجع أسعار النفط وأزمة التمويل القادم من بغداد، والإقليم مدين بمليارات الدولارات، وتم تخفيض الرواتب الحكومية كثيرًا منذ 2014، وتأثر بذلك الموظفون الحكوميون ومقاتلو البشمركة والمدرسون.
الفيدرالية أفضل من الانفصال:
أكّد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، الدكتور أنور قرقاش، اليوم، السبت، تمسّك بلاده بوحدة العراق، مُشيرًا إلى أن نظام الفيدرالية يتمتّع بمرونة تجعله بديلًا أفضل من مسألة الانفصال، داعيًا إلى الحوار لحل الأزمة بين أربيل وبغداد، وكتب قرقاش، على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر): "مع اقتراب موعد الاستفتاء في كردستان العراق تؤكد الإمارات على وحدة العراق وطنًا يسع الجميع، تجربتنا دليل على مرونة النظام الفيدرالي وإمكانياته".
وأضاف قرقاش: "الحرص على العراق الواحد الجامع لمصلحة منطقة تعاني من الفرقة والتشرذم"، مُبينًا أن الحوار السياسي كفيل بمعالجة المشاغل، وتلبية الطموحات، وخلق شراكة أكثر صلابة.
الحبل على الجرار:
لعل التخوف الأبرز، في العراق عقب إقامة الدولة الكردية، هو مطالبة باقي المكونات في الدولة العراقية بالاستقلال، حيث تتكون الدولة العراقية بعدة أعراق مختلفة (العرب، والأكراد، والآشوريين، وتركمان العراق”، وأقليات أخرى وهي: المندائيين، والأرمن، والشركس، وإيرانيين، وشبك، وأيزيديين، والكاولية.
ويؤكد التركمان في العراق أنهم يؤمنون بالدولة العراقية وحماية الدولة الاتحادية، كما يرون أنها هي المسؤول شرعًا ودستورًا وقانونًا عن حمايتهم، لكن -في الوقت نفسه- إذا انبرت تركيا أو غيرها بالدفاع عن التركمان لا نقول كلا، بل نقول أهلًا وسهلًا، فعندما نتعرض إلى تهديدٍ لوجودنا، فمن حقنا أن نلجأ إلى قوى تحمي هذا الوجود، فإذا كان من حق الكرد المطالبة بضمانات دولية، فهل يحق للجميع بذلك أسوة بالكرد؟