اتجهت الأنظار فى هذه الأثناء إلى شبه جزيرة سيناء الواقعة بن مصر والشام فرأينا أن نورد هنا مقالة موجزة عن تاريخها وأحوالها وآثارها فنقول.
جغرافيتها
شبه جزيرة سيناء بالذات عبارة عن مثلث قاعدته خط يصل السويس بالعقبة طوله نحو 150 مياً وضلعاه الآخران يلتقيان فى رأس محمد: الضلع الواحد يوازى الشاطئ الشرقى لخليج السويس وطوله 186 مياً. والضلع الآخر يوازى الشاطئ الغربى لخليج العقبة وطوله 133 ميلاً. ومساحة هذا المثلث نحو 10000 ميل مربع.
لكنهم يدخلون أيضاً تحت اسم جزيرة سيناء كل الأراضى الواقعة شرقى ترعة السويس إلى الحدود المصرية العثمانية. ولهذه الأراضى أهمية خاصة اليوم لأن بها سيمر الجيش العثمانى وهو قادم إلى القطر المصرى. وقد أصبحت مساحة شبه جزيرة سيناء بهذا المعنى الشامل )وهو المعنى المقصود فى هذه المقالة( نحو 23000 ميل مربع.
والحدود بن سوريا ومصر هى خط مستقيم تقريباً متجه نحو الجنوب الشرقى من رفح إلى خليج العقبة حيث ينتهى على مسافة ثلاثة أرباع الميل من مدينة العقبة التابعة للدولة العثمانية.
ولولا واحات قليلة مبعثرة فى أنحائها لكانت تلك الجزيرة أشبه بقفار لا نبات فيها ولا حيوان. وأشهر واحاتها وادى فيران فى الجنوب . أما طقسها فملائم للصحة لا سيما فى الأماكن الجبلية وهواؤها ناشف جداً.
وتقسم هذه الجزيرة إلى ثلاثة أقسام: ) 1( فى الجنوب باد الطور وهى بلاد جبلية أعظم جبالها جبل كاترينة )علوه 8850 قدماً( فجبل موسى فجبل سربال.
) 2( بلاد التيه أو بادية التيه وهى صحراء واسعة يفصلها عن باد الطور جبال التيه. وفيها طريق الحج المصرى القديم الذى يصل السويس بالعقبة.
) 3( بلاد العريش وهى الواقعة بين ترعة السويس وحدود مصر والشام وفيها طريق العريش المؤدية من سوريا إلى القنطرة فى مصر. وهى الطريق التى سلكها نابليون فى رحلته إلى سوريا والتى ينتظر أن يقدم عليها الأتراك فى حملتهم إلى مصر فى هذه الأثناء. وقد قاسى نابليون وغيره من القواد أنواع العذاب عند مرورهم بها لقلة المياه فيها. فإنها لا تكفى الجيوش الكبيرة. أما مدنها التى تستحق الذكر فهى مدينة الطور فى الجنوب ومدينة نخل فى الوسط ومدينة العريش فى الشمال.
سكانها
ولا يتجاوز عدد سكان شبه جزيرة سيناء الخمسة أو الستة آلاف. وهم قبائل متفرقة يشتغلون بالصيد وتربية الأغنام وقيادة القوافل والسياح ونحو ذلك من أشغال أهل البداوة. ولكل قبيلة موطن خاص محدود بأودية أو جبال أو بحجارة إذا لم يكن هناك فواصل طبيعية. وهم يدينون بالإسام ولكنهم لا يعرفون عنه إلا القليل. وعندهم احترام خاص للنبى موسى. ولهم تقاليد كثيرة ترجع إلى أقدم الأزمنة.
ويطلق على سكان القسم الجنوبى من جزيرة سيناء اسم الطورة نسبة إلى الطور وأهم قبائلهم أولاد سعيد والعوارمة والقراشة والعليقات ومزينة والجبالية )وهؤلاء أى الجبالية هم القائمون بمهام دير طور سيناء(. أما التياهة أى سكان بادية التيه فأهم قبائلهم اللحيوات والترابين والحويطات. وأما سكان باد العريش فأهمهم السواركة والرمالات.
تاريخها
لشبه جزيرة سيناء تاريخ طويل فإنها الطريق الموصل بين مصر والشام وقد مر بها جميع الفاتحن والقواد الذين ذهبوا من أحد هذين القطرين إلى الآخر.
وهناك آثار تدل على أن المصريين فى أيام الفراعنة كانوا يستخرجون الفيروز والنحاس من مناجمها لا سيما مناجم وادى المغارة قرب الشاطئ الغربى. فإنهم وجدوا فيها نقوشاً كثيرة وقفوا بينها على أسماء 39 ملكا من ملوك مصر الفراعنة أولهم الملك سمرخت من العائلة الأولى )سنة 3200 ق.م( ومنهم سنفرو وخوفو وأمنمحت الأول والثانى والثالث وتحوتمس الأول والثالث والرابع ورعمسيس الأول والثانى وستى وغيرهم من الفراعنة .
وقد استدلوا أيضاً على أن سكان الجزيرة تمكنوا من الاستقلال عن مصر أيام الملوك الرعاة )الهكسوس(. وكان لآلهة الفيروز )هاتور( هيكل خاص فى سرابيت الخادم كان فى البدء مغارة وقد دلت الآثار على أن أنواع العمال الذين استخدموا فى حفر المناجم واستخراج الفيروز منها لا تقل عن 25 نوعاً لكل نوع وظيفة خاصة مما يدل على ارتقاء عظيم . وقد وجدوا فى الهيكل أكثر من 400 قطعة عليها نقوش مختلفة وفى الهيكل أمكنة خاصة لتقديم الذبائح وأوعية للبخور وغير ذلك من الأشياء الدالة على مشابهة كلية فى الطقوس والشعائر الدينية عند المصرين القدماء واليهود.
وقد اهتم كثيرون من العلماء بدرس تلك الجزيرة للوقوف على الطريق التى اتخذها الإسرائيليون عند مرورهم بها والآثار التى تركوها فيها ولتعيين مكان جبل “حوريب” الذى قابل فيه موسى ربه ونقل عنه الوصايا لبنى إسرائيل لكنهم لم يتفقوا فى جميع الأمور. على أن المتعارف اليوم هو أن ذلك الجبل هو جبل موسى الذى أقيم على سفحه دير طور سيناء.
وقد زار شبه جزيرة سيناء أحد علماء الحملة الفرنساوية أيام بونابرت ونشرت رحلته فى كتاب l’Egypte Description de
دير طور سيناء
كان هذا الدير قلعة بناها يوستنيان الإمبراطور الشهير فى سنة 530 للمسيح فانتقل إليها الرهبان الذين كانوا يقطنون تلك الأنحاء ووهبهم الإمبراطور مئة جندى مصرى ومئة جندى رومانى مع عيالهم للقيام بمهام ذلك الدير . وقبيلة الجبالية الذين لا يزالون إلى اليوم يخدمون الدير ورهبانه هم من نسل أولئك الجند. وقد كان عدد الرهبان نحو الثلاثمائة أو الأربعمائة فى ما مضى ولكنهم لا يتجاوزون اليوم الستين وأكثرهم من جزيرتى كريت وقبرص .
وقد كان الزوار منذ سنوات قليلة يدخلون الدير بواسطة حبال تجرهم إلى شرفة صغيرة على الحائط لأن الرهبان كانوا يخافون مهاجمة العربان لهم . وللدير مكتبة نفيسة جداً حاوية لمخطوطات ثمينة فى العربية واليونانية.
ومن جملة ما وجدوه فيها نسخة من التوراة باليونانية كتبت نحو سنة 400 للمياد والجزء الأكبر منها الآن فى بتروغراد اشتراها الإمبراطور إسكندر الثانى من الدير سنة 1869 بثمانية آلاف فرنك. وهناك أوراق من تلك النسخة محفوظة فى مكتبة جامعة لببسك بألمانيا .
والدير مؤلف من أبنية مختلفة وغير متوازية منها كنيسة باسم القديسة كاترينة وجامع يقال إنه بنى لأن الدير كان يستخدم العرب لخدمته الداخلية.
وسبب تسمية الكنيسة باسم القديسة كاترينة أن مؤرخى القرن التاسع للمسيح ذكروا أن هذه القديسة بعد ما اضطهدت وماتت شهيدة فى الإسكندرية فى أيام مكسيم الثانى الإمبراطور الرومانى انتقلت جثتها إلى ذلك الجبل على أجنحة الملائكة بأعجوبة إلهية. ولا يزال جسدها إلى اليوم محفوظاً ورهبان الدير يعرضونه لمشاهدة الزوار.
محرر الهلال - فبراير1915