تقرير: أشرف التعلبى – شريف البرامونى
فى الوقت الذى لا تترك فيه القيادة السياسية، مناسبة واحدة تمر، دون الإشارة والتأكيد على أهمية «تجديد الخطاب الدينى»، ومطالبة المؤسسة الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف بالإسراع فى تحقيقه إلا أنه، على الجانب الآخر، لا يزال هناك بعض من يلصقون بأنفسهم لقب «داعية» يقدمون للشارع المصرى، ما لا يستحق سوى أن يوصف بـ«فتاوى الإثارة»، تلك التى تؤكد - بما لا يدع مجالا للشك- أنهم مغيبون، لا يجيدون قراءة الحاضر، ولا يعلمون عن الدين سوى القشور.
بداية قال د. أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: هناك عوامل أدت إلى ما يسمى بالهوس الجنسى منها اختراق الثقافة السلفية للمجتمع المصري، لأن السلفيين يفكرون فى الجزء الأسفل للمرأة، ولا يفكرون بالجزء الأعلى، وتاريخيًا.. مع بداية عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بدأ اختراق السلفية بأدبيادتها الجنسية، من مسائل فى النقاب وإظهار عين وإخفاء أخرى إلى آخره، وازداد الهوس بهذه المسائل مع غياب دور الأسرة فى التنشئة والتوجيه، إلى جانب تراجع دور المؤسسات التعليمية فى التوعية.
وأكمل: علينا أن ندرك أيضا أن هناك شيوخًا يتم استدراجهم لمنطقة «الفتاوى المثيرة»، لأن هناك مخططًا من جماعة الإخوان والسلفية للإساءة الى كبار الدعاة والعلماء، فيتم استدراج من يتصدر الافتاء بهذه المسائل الخيالية الفرضية، وبطبيعة الحال كما تقول الحكمة «من خدعنا بالله انخدعنا له»، فلا ينتبه الشيخ المستفتى بما أعد له، وللأسف تصدر آراء شاذة ما أنزل الله بها من سلطان، مثل رضاعة الكبير، وهذا الأمر لا وجود له فى الواقع، وهذه الحادثة كانت لها ظروفها ولم يتحدث فيها الفقهاء بعد ذلك، ومسائل كجماع الميتة والجنس الفموي.. إلى آخره، مما يندى له جبين الأحرار والشرفاء، فهناك ثقافة معينة لإلهاء الشعوب وجر العلماء والخبراء إلى معارك جانبية للبعد عن تحقيق العدالة الاجتماعية والنظر فى المظالم.
فى السياق، قال الشيخ صبرى عبادة خليل، مستشار وزارة الأوقاف: الذين يختارون الآراء الشاذة التى لا يُعترف، وينظر إليها العلماء باعتبارها شاذة ولا أصل لها، ومن الممكن أن تكون ناتجة عن فهم خاطئ لبعض الفقهاء القدماء، أو ربما أصيبوا بالهوس على شاشات التليفزيون وحب الظهور بالمخالفة لأصول الدين، وأنصحهم بالعودة إلى رشدهم، فالإسلام ليس مرتعًا أو مباحًا لأحد، حتى يقدمونه من خلال هذه الفتاوى الشاذة لكن له ضوابط، ومصر بها مؤسسات دينية ترعى الفتوى من دار الإفتاء والأزهر ومجمع البحوث والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية والأوقاف وجامعة الأزهر، والواجب على كل إنسان ان يتحرى من يسأله وأن يكون لديه علم أصولى يفهم منه القضايا فهم جيد، كما يجب على من يفتى أن يراجع نفسه قبل أن يفتى وعلى أصحاب المحطات التليفزيونية المأجورة لهدم المجتمع المصرى أن تتفهم أن عليها وزر أيضا، وعليهم جميعا أن يعودوا إلى الأزهر الشريف.
وأضاف: وزارة الأوقاف، والمؤسسات الدينية، والأزهر الشريف نادوا بعدم الإفتاء فى البرامج، والأزهر يستنكر ذلك وكذلك الأوقاف.
من جانبه يرى الدكتور على الدين القصبي، رئيس قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة جنوب الوادي: هذا النوع من الفتاوى غرضه الرئيسى إثارة البلبلة فى الرأى العام، والمجتمع المصرى ليس فى حاجة لمثل هذه المهاترات، وإنما يجب أن نلتفت إلى قضايا الوطن الأساسية، بدلا من الانشقاق والانشغال فى قضايا مثيرة بعيدة عن قضايا الواقع التى تهم المواطن المصري، لكن هناك من يريد ان تنشغل الأمة عن قضاياها الأساسية، فى حين أن الهم والحس الوطنى يدفعنا أن نناقش قضايا تمس حياتنا المجتمعية وآفاقنا المستقبلية والتهديدات التى تمس الأمن القومى للدولة.
«القصبى» فى سياق حديثه تساءل.. هل خلال القرن الـ٢١ يجوز مناقشة مثل هذه القضايا وطرحها؟..ولماذا فى هذا التوقيت؟.. وما المبرر لذلك؟.. وأجاب: المجتمع المصرى بطبعة متدين ويحب الدين الوسطي، وطرح هذه القضايا فراغ واستهلاك للوقت، فمن الذى يجعلها على طاولة المناقشات ويدافع عنها، وهذا نوع من الهراء العلمى والفكري.
افتقاد «المنهجية العلمية» لأصحاب الفتوى هو السبب وراء شيوع مثل هذه الفتوى.. هذا هو ما يراه الدكتور أحمد فخري، أستاذ علم النفس والسلوك، جامعة عين شمس، مؤكداً أن فكرة امتهان العلم ليس من المهن السهلة، لكنها تحتاج لمنهجية للتعامل مع القضايا المختلفة فى تخصصه أو خارج تخصصه، ولا بد أن تتوافر شروط علمية للمتخصص فى مجال معين وهذا ما لم نراه فى الكثير من أصحاب الفتوى العشوائية، وذلك يظهر على السطح الكثير من غير المتخصصين خاصة فى علوم الدين و الفقه والفتاوى، ولهذا السبب يجب أن يكون المتخصص فى تلك العلوم أكثر تشددا للحفاظ على الكلمة وفحوى المعنى تلك صفات أساسية لابد أن تتوافر فى صاحب الفتوى هى «المنهجية العليمة» بالإضافة إلى الأمانة العلمية.
وأكمل: إطلاق مثل هذه الفتوى تؤكد أن أصحابها شخصيات تعانى من الخواء والفراغ معلوماتى واهتزاز فى البناء النفسي، ولديهم رغبة فى تسليط الضوء على أنفسهم أو الشهرة، وهم سطحيون ونجد أن تراثهم الفكرى رقيق، وأبحاثهم لا تعتمد على التوغل فى البحث العلمى ولا على المرجعية الفكرية بل على السطحية، ولذا نجد أن طريقة فتاواهم تثير بلبلة، وكلماتهم لا تعتمد على التدقيق العلمى السليم .
وتابع: وعلى النطاق النفسى نجد أنهم يميلون إلى الاستعراض «الشخصية هوائية» ودائما لا نجدهم يملكون النضج الانفعالى ويضخمون الأمور الصغيرة ويكبرون صغائر الأمور وتحركهم وسائل الإعلام وتلك الشخصيات تتغذى على الشائعات لأنهم لا يمتلكون الحجة المنطقية السلمية وإنما يستخدم العبارات الرنانة فى مضمونها وفحواها خاوية ولا يملكون فكرة الثبات الانفعالى وطرق أدائهم تمثيلية، والعواطف هى التى تحرك أفكارهم وليس المنطق أو العقل، ودائما يدخلون فى صراعات مع من حولهم ومشاحنات لإشعارهم بالضآلة ونقص الحجم، ولذا يغلفون أنفسهم بـ»الفرقعة».
وفيما يخص التأثير النفسى على المجتمع بسبب هذه النوعية من الفتاوى قال: القضايا تؤثر على المجتمع وتفقده الثقة فى العلماء والمتخصصين، خاصة أن واقع الفتوى على عامة الناس له تأثير صادم وينتج عنها خلل فى منظومة القيم والأخلاق، كما أن التخبط والارتباك الذى تحدثه هذه الفتوى تصيب المواطنين بنتائج مسبقة عن الشخصيات العامة ورجال الدين خاصة، ونجد جيلاً غير واع وخاصة بين الشباب ذهبوا للإلحاد» لأنهم يقرأون بسطحية، والتضارب الذى يحدث بين الأئمة وبعضهم البعض، أو المذاهب وبعضها أدى إلى عزوف الشباب عن الدين.
ونصح «د.فخرى» بضرورة أن يكون هناك تجديد، لأن المجتمع بالفعل يتغير، إلى جانب العمل على إعداد جيل من المتخصصين من رجال الدين يمتلكون الأمانة فى إطلاق المعلومة، إضافة إلى الفطنة و كيفية توصيل العلم بطريقة مبسطة وسهلة للجمهور العادى.