يقترب عيد الأضحى فيسعد بحلوله الصغار والكبار وتهب معه نسمات الخير وتتجسد فيه صفة العطاء في أبهى صورة . كلنا يعلم أن المناسبات والأعياد تتيح الفرصة لتجمع الأسر مضفية عليهم حالة من حالات البهجة والسرور، حيث الاجتماع لتناول الطعام وتداول الحديث العذب واسترجاع الذكريات، ولكن هذا العام لدينا مشكلة تؤرق كل فرد في بيت العائلة فكيف سيكون العيد عيدًا وقد غادرت زوجة أحد أعمامي المنزل ومعها أطفالها الذين ارتبطنا بهم وارتبطوا بنا ، فالخلاف بينهما كان محتدمًا للغاية منذ فترة وعلى إثر العصبية الزائدة من الطرفين قامت زوجة عمي بالسفر إلى عائلتها التي كانت تسكن في إحدى المحافظات ، ومع اقتراب العيد وافق عمي أخيرًا على القيام بمبادرة الصلح بعد إلحاح متواصل عليه من جدي وجدتي .
كان المنزل معدًا لاستقبال الأسرة العائدة ولكن عمي اكتشف فجأة أن أنبوبة البوتاجاز أوشكت على النفاذ فقرر أن يقوم بتركيب أنبوبة أخرى خاصة قبل هذا العيد الذي يحتاج للعديد من الساعات في تحضير وطهي الطعام ، أحضر عمي الانبوبة واستعد لتركيبها وهنا بدأ الحدث الجلل الذي غير ملامح القصة وحولها إلى مايعرف بالكوميديا السوداء في لحظات .
كانت أمي نائمة في شقتنا بالطابق الأرضي ومعها أختي الوسطى والتوأمين الصغيرين ، وكان جدي وجدتي يتناولان طعام الإفطار في شقتهما المجاورة لشقتنا ، وفي حوالي الساعة التاسعة صباحًا بدأت الأحداث تتوالى حين صعد عمي إلى شقته بالدور الثاني حيث يسكن هو وأسرته ، وبدأ في تركيب أنبوبة البوتاجاز التي قام بإحضارها والتي كانت على ما يبدو ممتلئة بالغاز أكثر من اللازم وبها عيب في الصناعة بحسب روايته ، وعندما تسرب الغاز أمامه بمعدل غير طبيعي ارتبك وألقى بها دون وعي على درجات السلم لتأخذ طريقها للأسفل كأنها موجهة لتستقر بعدها عند مدخل بوابة المنزل الذي يواجه باب شقتنا .
كان جارنا يقف في شباك غرفته المقابلة لنا وهو يمسك بسيجارته التي كانت ترافقه كظله فهو اعتاد التدخين بشراهة والجميع يعلم ذلك ، ومع هذا الكم المتناثر من الغاز الكثيف حدث الاشتعال سريعًا وصار حريقًا كبيرًا في ثوان معدودة ، أسرع الجيران بالاتصال بالمطافيء على الفور ، الكل يصيح ويصرخ طالبًا المساعدة في إطفاء الحريق في أسرع وقت ممكن ، وصعد عمي هو الآخر إلى سطح المنزل يصرخ وينادي على صديق له يطلب منه النجدة وكأن الرجل قد أصيب لحظتها بالذهول فأخذ يشد شعره خوفًا من أن يطال الحريق منزله ولم ينطق بحرف واحد أو يقوم بأي ردة فعل تجاه استغاثة عمي وهو يطلب منه الاتصال بالنجدة .
استيقظت أمي على صوت مخيف فالنيران تفور بالخارج وهى لا تعلم ماذا يحدث ، قامت مسرعة لتفتح باب الشقة لعلها تفهم شبئًا فإذا بها لا ترى سوى النيران المشتعلة أمامها مما جعلها تشعر بالذعر وتغلق الباب على الفور ، كانت فوهة انبوبة الغاز تتجه إلى الشارع وبهذا صنعت النيران جدارًا فصل الشارع وحوله إلى قسمين ، كانت النوافذ لها إطر حديدية بالدور الأرضي فقام الجيران بكسرها وإخراج أفراد أسرتي منها بسلام .
أسرع السكان بإلقاء الرمل الكثيف على النيران فهناك بالصدفة منزل مجاور لنا كان مازال تحت الإنشاء واستطاعوا بالفعل وقف زحف النيران بعد أن غطت الرمال فوهة الأنبوبة الملعونة ، نزل عمي ليحملها بعيدًا حتى تفرغ ما تبقى فيها من غاز ، ثم عاد وهو لا يصدق نفسه في أن معجزة قد جاءت من السماء جعلت الجميع ينجو من هذا الحريق بدون خسائر .
كان بالخارج خروفًا كبيرًا مربوطًا بسلسلة متصلة بحلقة حديدية مثبتة في الجدار ، فر الخروف هاربًا ومعه السلسلة والحلقة الحديدية وقت اندلاع النيران ولو استطاع أخذ الجدار معه لفعل ، وبعد دقائق من انطفاء النيران آتى به أحد الجيران الذي استطاع أن يمسك به ويحتجزه عنده وقت الحريق ، أتى به يجره ويقول مداعبًا : " أنا هاخد الفخدة كلها لنفسي ياجماعة " .
جاءت سيارة الإطفاء بعد انتهاء الحريق بوقت كبير وقام المسئولون بتوبيخ الجيران قائلين لهم : " ما دمتم عرفتوا تطفوها لوحدكم ، كنتوا بتتصلوا بينا ليه؟! " ، مرت الأيام وعادت زوجة عمي بصحبة أطفالها بعد أن علمت بما حدث وكانت تلوم نفسها كثيرًا كلما تذكرت أن هذا كله قد حدث بسبب مبادرة الصلح التي كان سيقوم بها عمي .