الأربعاء 26 يونيو 2024

المصرى يكسب

28-9-2017 | 16:38

بقلم – عبد اللطيف حامد

أسعدنى بشدة إقبال المصريين على شراء خطوط الشركة الوطنية الأولى للمحمول، لأنه يحمل فى طياته روح الانتماء، والولاء للمنتج المصرى سواء كان سلعة أو خدمة، والتخلص تدريجيا من «عقدة الخواجة» وما ترتب عليها من أضرار فادحة للاقتصاد الوطنى، وفوضى الاستيراد بلا ضابط ولا رابط على عينك يا تاجر مما تسبب فى أزمة العملة الصعبة وانهيار الجنيه أمام الدولار.

 

هذا الكلام ليس مجرد تعصب لشركة مصرية أو نوعا من تحفيز الناس على دعمها ـ رغم أنه ليس عيبا بل أزعم أننى من أكثر من تبنوا خروجها إلى النور على صفحات المصور ـ بل بحكم عملى كمحرر بقطاع الاتصالات على مدى قرابة عشر سنين، أعتقد أن وجود ونجاح شبكة محلية مائة فى المائة بسوق المحمول ضرورة لابد منها لعدة اعتبارات أولها أن غالبية الدول تمتلك شركة محمول أو أكثر من أجل الحفاظ على أمنها القومى، وضمان توافر الخدمة فى أى زمان ومكان دون التخوف من التكتل فى السر أو العلن من الشبكات عند اتخاذ قرار معين أو معاقبة شركة مخالفة، وفى ظنى أن هذا المأزق جعل يد الحكومة مغلولة لسنوات طويلة فى مواجهة خطوط المحمول غير المسجلة في الشركات، ومازال لا يقل عددها عن ١٠ ملايين خط حتى الآن يستغل بعضها فى أعمال غير أخلاقية و إرهابية، وعمليات تهديد، ولم تفلح تحذيرات جهاز تنظيم الاتصالات لأن مسئولى الشركات «ودن من طين وودن من عجين».

أما البعد الثانى فيتمثل فى تصاعد غضب المشتركين فى السنوات الأخيرة، وليس بعض الأسابيع أو الشهور، اعتراضا على سوء الخدمة بدرجة لا تطاق فى مختلف المناطق حتى فى القاهرة الكبرى أما فى محافظات الصعيد والدلتا فحدث ولا حرج، مما دفع البعض إلى المطالبة بتأسيس جمعية أهلية يحق للعملاء الـ ١٠٠ مليون الحصول على عضويتها للدفاع عن حقوقهم، لكن الشركات الثلاث استمروا على موقفهم «عاملين من بنها»، ولا يشغلهم إلا السباق على جذب مشتركين جدد بغض النظر عن الجودة، فى الوقت الذى يحصلون على مستحقاتهم مسبقا من خلال كروت الشحن أو لاحقا بفواتير أرقامها لا تتماشى إطلاقا مع الخدمات الرديئة، ومن المؤكد أن الشبكة الرابعة ستفتح أجواء رحبة للمنافسة، وتكسر الاحتكار الخفى بين الشبكات القديمة لزيادة عدد مشتركيها مع تحسين الخدمة.

والغريب أن شركات المحمول تضن بضخ الاستثمارات فى بنيتها التحتية، وتترك المصريين يذوقون الأمرين من خدماتها رغم أن إيراداتها تتعدى الـ ٣٠ مليار جنيه سنويا، ويعد ذلك الدافع الثالث للشركة المصرية للاتصالات لتحدى الصعاب، والإصرار على دخول سوق المحمول لأن حصة التليفون الثابت تتوقف عند حاجز الـ ٦ مليارات جنيه، والأول فى تزايد بينما الثانى فى تراجع مستمر، والمؤشرات الأولية تدل على عودة قوية لهذه الشركة الوطنية، فالصورة لا تكذب، والمواطنون ينتظرون فى طوابير بالساعات على منافذ بيع الشرائح الجديدة لشرائها، وبلا مبالغة أو تهويل، الأمر ينبع من إحساس بالانتماء من كونها شبكة وطنية قبل أى شيء آخر، فخطوط المحمول الجديدة للشبكات الأخرى تحاصرهم فى كل مكان، وفى الشوارع الخلفية قبل الرئيسية، وتباع على الأرصفة وسلالم المترو من حلوان للمرج، ومن المنيب إلى مدينة نصر، والعروض الترويجية تخطف السمع والبصر، لكن الولاء لحاملة صفة مصرية تكسب، وبلا أية محاذير، ولا هواجس.

وفى الوقت نفسه مطلوب من القائمين على الشبكة الوطنية وفى مقدمتهم المهندس أحمد البحيرى الرئيس التنفيذى والعضو المنتدب للمصرية للاتصالات أن يتخذ كل التدابير اللازمة لتقديم خدمات بجودة عالية لأن المشترك يهمه فى المقام الأول الحصول على حقه طالما يدفع مقابلاً له، وللأمانة الرجل قال لى شخصيا «لو اشتكى مواطن واحد من ضعف التغطية على مستوى الجمهورية أتصل بى فى أى وقت لاتخاذ اللازم فورا»، مع التعامل بعقلية القطاع الخاص، فلا يمكن الاستمرار فى سياسة بيع الخطوط من خلال السنترالات فقط، بل التوسع فى منظومة التسويق، والتعاقد مع وكلاء للتسهيل على الراغبين فى شرائها، ووضع سيناريو لمواجهة مسلسل الشائعات والأكاذيب التى سيروجها الكارهون لدوران حركة التنمية والاستثمار بطول وعرض الوطن، ومحاولة إفشال أى كيان محلي يظهر على الساحة مؤكدا أن المصريين قادرون علي النجاح كغيرهم.

وإحقاقا للحق، التحية واجبة للمهندس ياسر القاضى وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لأنه واجه كل مؤامرات وأد مشروع الشبكة الوطنية للمحمول، ولم يتراجع كسابقيه فى ظل ضغوط شركات المحمول والاستقواء بحكومات الدول التابعة لها للعودة للمربع صفر، وهنا أتذكر موقف رؤساء الشركات الثلاث فى أبريل ٢٠١٤ عندما قاطعوا مؤتمر إطلاق الرخصة الموحدة في مصر لقطع الطريق على الشبكة الرابعة قبله بأقل من ٢٤ ساعة بزعم سفرهم إلى الخارج في وقت واحد كحركة «مفقوسة» وتصرف لا يليق بقيادات تتصدر المشهد في شركات عالمية، ناهيك عن ترديدهم لنغمة «تشبع السوق»، فى حين أن طوابير الشريحة الوطنية تفضح مصدرى التشاؤم، ومدمنى تثبيط الهمم.

    الاكثر قراءة