السبت 4 مايو 2024

أقرأ لزملائي

مقالات30-9-2023 | 23:06

يتحدَّث بعضهم عن خلو الساحة النقدية من نقاد كبار، وتغيُّب النقد عن متابعة الإنتاج الأدبي النشط جدًا، وهذا حديث كثيرًا ما يؤرّقني، خاصة وأنا أتابع زملاء يعملون بمنتهى الجدّية على إصدار كتب ثمينة أو كتابة المقالات والدراسات في الدوريات المصرية والعربية، ويحظى ذلك بترحاب عربي بل وعالمي، في حين يواصل بعضهم الكلام عما يصفونه بأزمة النقد الأدبي ويتوقفون عند أسماء اساتذتنا الأجلّاء فقط، والحقيقة أن أساتذتنا لهم تلاميذ ومريدون يُنتجون ويعيشون بيننا، لكن زحمة الجدل في وسائل التواصل الاجتماعي وغلاء نشر الكتب وتشظّي الرُقعة الثقافية وضعف الاهتمام الإعلامي، وغيرها من أسباب، تُعطِّل وصول المنتج النقدي الجاد الذي تعكف عليه كوكبة من الزملاء في الجامعات والمراكز البحثية والأكاديمية.

وقد أهداني مجموعة من أفاضل الزملاء إصدارات لهم، قرأتها واستفدتُ أيّما إفادة مما طُرح بها من قراءات نقدية تُطبّق نظريات حديثة وتتواصل مع اتجاهات عالمية في النقد الحديث، لقراءة المنتج الإبداعي الأدبي باللغة العربية، سواء في مصر أو في بلادنا العربية وكذا العالمي.

 كتاب (ازدواجية  التنوير.. دراسات في النقد الثقافي المُقارَن) يضمّ عدّة فصول عن كتابات عالمية وعربية ومصرية لزميلي الدكتور حجاج أبو جبر، أستاذ النقد الأدبي في أكاديمية الفنون، وتلميذ نجيب لأساتذتنا في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة، خاصة مُشرفه الراحل القدير الدكتور عبد العزيز حمودة، يعتمد على نظريات النقد الثقافي في جولة حرة بكتابات أدبية مميزة.

ويتوقف حجاج في قراءة هامة عند كتاب رائدنا الدكتور طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر"، ذلك الكتاب بجزئيه وقيمته الذي يظلّ مَعِينا للدرس وطرح قراءات جديدة عنه، مهما مرَّ الزمان.

  في دراسة أخرى يتوقّف المؤلف عند دواوين الشاعرة اللبنانية جومانة حداد، خاصة ديوانها "الرعد: العقل الكامل"، وديوان "دعوة إلى حفل سرّي" للكشف عن الصلة بين فكرة التنوير والغنوصية.

وفي فصل آخر يدرس رواية "عزازيل" يوسف زيدان من الجانب الفكري والديني، ويتوقف عند أفكار التمرد على الرمزية الدينية والزمن التاريخي والموقف من الجسد، ليقدم قراءة جديدة لنص أثار كثيرًا من الجدل عند إصداره.

وفي الفصل الرابع يعقد مقارنة بين دواوين شاعرنا الراحل محمود درويش والشاعر باول تسيلان، ويوجِد صِلات سياسية وفكرية بين كلا التجربتين. صدر الكتاب عن الهيئة العامة لقصور الثقافة العام الماضي، وبجد شكرًا جرجس شكري.

والكتاب الثاني يمثل إضافة نقدية لقصيدة النثر، ليس في مصر فحسب، لكن لمجمل التجربة في اللغة العربية للناقد النشط المشاكس الدكتور شوكت المصري وحمل عنوان "التوليب الشعري.. نحو القصيدة وبلاغة الشعرية في قصيدة النثر العربية "، صدر هذا العام عن هيئة الكتاب.

وعنوان الكتاب نسبة لزهرة "التيوليب" الرائعة، ويورد المؤلف أسباب اختيارها وصفًا لتجربة قصيدة النثر، ثم يدرس ستة دواوين شعرية حديثة هي:

"دون أن ينتبه لذلك أحد" للشاعر اليمني أحمد السلامي، "مقصلة بلون جدائلي" للشاعرة العراقية رنا جعفر ياسين"، "لهذا أرحل" للشاعر صبري موسي، "جمال كافر" للشاعر عماد أبو صالح، "بكدمة زرقاء من عضة الندم" للشاعر عماد فؤاد، "المشي بنصف سعادة" للشاعر السعودي خضر الغامدي.

ويرى المؤلف المصري أن دراسته ستكمل عن شعراء آخرين فيما هو قادم، ويصف عمله البحثي النقدي قائلًا "حاولت هنا وإلى جوار التأسيس النظري تقديم قراءة لنصوص هؤلاء الشعراء من وجه نظري إلى جمهور القصيدة العربية".

 والكتاب جدير حقًا بالقراءة والجدل مع المؤلف شوكت المصري في تحليله ودرسه لنوع شعري طالما أثار النقاش وتعددت عنه الآراء.

هدية ثالثة جاءتني من زميلي الدكتور سيد إسماعيل ضيف الله، الباحث الهمام، تلميذ العالمة الجليلة الدكتورة فريال غزول التي كتبت مقدمة ضافية للكتاب، الذي كان أطروحة المؤلف لنيل درجة الدكتوراه بإشرافها. الكتاب يحمل اسم "صورة الشعب بين الشاعر والرئيس"، وصدر عام 2022 عن هيئة الكتاب أيضًا، ويناقش المؤلف فيه موضوعًا جديرًا بالدرس؛ أشعار الراحل فؤاد حداد وعلاقتها بالخطاب السياسي منطلقًا من عدة أسئلة:

  • إلى أي مدى يختلف نسق تمثيلات الشعب من موقع التكلم الخاص بالشاعر فؤاد حداد عن نظيره من موقع التكلم الخاص بالرئيس في الخطابات الرئاسية لـ(ناصر، السادات، مبارك) ، الموازية زمنيًا للخاطب الشعري؟
  •  هل ثمة علاقة بين نسق تمثيلات الشعب في الخطابين الاستعاريين الشعري والرئاسي وإخفاق مشروع التحديث ذي الصبغة القومية التحررية الذي بدأ في النصف الثاني من القرن الماضي؟

وبعد جولة في أشعار حداد العظيمة يخلُص الكتاب إلى رؤى مهمة للشعر وعلاقته بالحالة السياسية وخطاب الرؤساء الثلاثة.

الحقيقة جهد كبير وجديد في دراسة المُنجز الإبداعي مع الواقع السياسي قام به الدكتور سيد ضيف الله المُنتظر منه كثيرًا في قادم الأيام من الكتابة النقدية.

Dr.Randa
Dr.Radwa