السبت 4 مايو 2024

الطريق إلى النهضة -7- الإصلاح الاقتصادي- النموذج الأمثل

مقالات1-10-2023 | 18:23

عندما نقرأ كلمة الاقتصاد، تقفز إلي الأذهان خصوصا الخبراء منهم عدة مفاهيم تستخدم كمؤشرات لقياس الأداء الاقتصادي مثل معدل النمو والناتج القومي الإجمالي ومعدل التضخم ومتوسط دخل الفرد ونسبة البطالة ونسبة الدين إلي الناتج الإجمالي.

وتقاس قوة الاقتصاد بقياس هذه المؤشرات مجتمعة، فمثلا زيادة الناتج القومي الإجمالي يزيد من معدل النمو ولكن إن لم ينعكس ذلك علي متوسط دخل الفرد ونسبة البطالة فيكون هناك خلل في التوزيع والتوظيف كما أن زيادة معدل النمو الناتج عن زيادة الناتج الإجمالي  تكون سلبية أن صاحبها معدل تضخم اكبر من معدل النمو ذاته، ونفس الشي نقيس به معدل النمو مقارنه بنسبه الدين العام سواء محلي أو أجنبي.

وفي النهاية فإن التنمية او النمو المستدام يتطلب أساليب قد تختلف من دولة إلي أخري وفقا للمقدرات الاقتصادية لكل دوله علي حده، والتي تحددها ثرواتها الطبيعية وقدرتها علي الانتاج والطلب علي منتجاتها داخليا و خارجيا. ومن المعلوم انه لا توجد دوله لديها اكتفاء ذاتي من كل المنتجات وانما تعتمد الدول علي بعضها البعض لسد اجتياحاتها من السلع المختلفة وهو ما يسمي بالتبادل التجاري بين الدول وهو ما يظهر في الميزان التجاري. والميزان التجاري في حد ذاته ايضا يمثل جزءا من ميزان المدفوعات وهو الذي يوضح كل تعاملات الدوله مع العالم الخارجي من سلع وخدمات واستثمار خلال فتره زمنيه معينه تكون عام في العادة.                                                                       

وكما قلنا سلفنا فإنه لا يوجد دوله تكتفي ذاتيا في كل احتياجاتها، لذلك تلجأ الدول الي الاستيراد وهو ما يتطلب توفير عمله اجنبيه اما ان تكون عمله الدولة المصدرة او عمله قويه مطلوبة عالميا والتداول عليها عاليا وهي حاليا الدولار الان  وذلك ايضا لان الدولار عمله تمتاز بالثبات والاستثمار في أدوات الدين بالدولار امنا الي حد كبير . ولكي توفر الدولة هذه العملة تحتاج الي ان يكون لديها فائض مناسب في الميزان تجاري اوعلي الاقل فائض مناسب في ميزان المدفوعات تتكون منه احتياطيات الدولة من العملة والذى يؤمن استيرادها لفتره زمنيه مقبله وهو ما يسمي بالاحتياطي النقدي والذي بدوره يتكون من فائض الدولار المذكور بخلاف جزء محسوب من الذهب.

ولماذا الذهب؟ لان الذهب سلعه أمنه ضد انخفاض العملات.          

ومن كل ذلك نجد أن كل دولة يجب أن تبحث عن عدة أمور توفر لها الامان الاقتصادي حيث تحتاج كل دوله الي تامين الاحتياجات الأساسية للأفراد خصوصا الطبقات الفقيرة. فلابد من توفير السلع الغذائية الأساسية  والعلاج والتعليم كحد ادني للمواطنين وبناء الطرق والبنيه الأساسية للمعيشة .وبما ان مصادر دخول الدولة يعتمد علي موارد محدده من ضرائب ورسوم خدمات مثل قناه السويس والسياحة وبعض المشروعات القليلة للسلع  والخدمات الاستراتيجية التي تحاول الدولة تأمينها. لذلك تلجأ الدولة للاقتراض لسد العجز في الموازنة العامة سواء كان هذا الاقتراض محليا عن طريق إصدار اذون خزانه أو أجنبيا من جهات التمويل المختلفة.                                

 وكانت الدولة قبل ثوره يناير  توفر الدعم للسلع الاستراتيجية وتثبت سعر العملة قدر الإمكان لتقليل تكلفه  الاستيراد .والحقيقة ان الدعم لم يكن يصل المستحقين وكانت الدولة تتحمل مليارات الجنيهات لدعم كل الطبقات دون استثناء كما كان يحدث في دعم المنتجات البترولية مثلا .وتثبيت سعر العملة لم يكن ليعبر عن السعر الحقيقي للعملة وكانت المحلات تمتلي بالسلع المستوردة علي حساب الانتاج وتصدر التجار المشهد نتيجة لذلك .وبعد ثوره يناير وانخفاض احتياطي العملة بشكل مرعب وقله مصادرها نتيجة لعدم الاستقرار الأمني  والسياسي بدأت الدولة في اتخاذ إجراءات تقليل الاستيراد التجاري لتوفير العملة   بالتزامن مع العمل علي الاستقرار الأمني داخل البلاد ودعمت  الدول العربية الموقف عن طريق ضخ  ودائع دولاريه لحل ازمه العملة وبدأت الدولة في الاستقرار نسبيا حتي  بدأيه  الارهاب بعد رحيل الاخوان عام ٢٠١٣ وهو ما ادي الي زياده نقص  العملة الأجنبية نتيجة انخفاض الموارد الدولاريه وزياده التضخم ليصل الي رقم ثلاثيين في عام ٢٠١٦ .ونجحت الدولة مره ثانيه بالتعاون مع البنك المركزي في تقليل التضخم الي رقم احادي في عام ٢٠١٧ وذلك باتخاذ عده إجراءات اقتصاديه من ضمنها زياده اسعار الفائدة وتخفيض سعر العملة لمواجهة السوق السوداء.

وكانت الدولة قد اتبعت  إجراءات أكثر جرأه من ضمنها بدأيه تحرير أسعار الوقود والطاقة وهي خطوه كانت مطلوبة منذ زمن لوصول الدعم لمستحقيه وبدأت بالفعل إجراءات مشروعات  التكافل الاجتماعي لتقليل الآثار التضخمية  لتلك القرارات حتي تبدأ الدولة في مرحلة الإنتاج بغرض التصدير وزيادة المكون المحلي لتقليل عجز الميزان التجاري وارتفع التصنيف الائتماني للدولة من كل المؤسسات الدولية من سلبي إلي مستقر. كما بدأت الدولة أيضا في إطلاق مشروعات النية التحتية  لتهيئه المناخ العام للمستثمرين وسعت الدولة من خلال مشروعات الحماية الاجتماعية من خلال الدعم النقدي ومشروع تكافل وكرامه للقضاء على العشوائيات وإعادة  تأهيل القري   بخلاف تقليل تكدس السكاني من خلال العاصمة الإدارية الجديدة والمدن الجديدة داخل المحافظات.

ووصلت الدولة بمعدلات نمو بلغت 6.5% وارتفع الاحتياطي النقدي الى 43 مليار دولار وانخفضت البطالة نتيجة تشغيل العملين في المشروعات القومية الى ما يقرب من 8% واستقرت أسعار الفوائد لدى البنوك مع إطلاق مبادرات بأسعار فوائد منخفضه لعملاء للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وحزمه إجراءات جدوله لمسانده العملاء المتعثرين.                                                                   

وكل ما سبق هو مجهود كبير من الدولة ودورها الأساسي للنهوض بالوطن وتحقيق التنمية المستدامة، والسؤال الآن هو "في ظل هذا التطور الكبير وهذا العمل المضنى، لماذا تتعرض الدولة الآن إلى أكبر أزمة اقتصاديه فاقت كل السنوت الماضية؟ ثم ما هي أسباب نقص العملة الحاد وتكدس البضائع في الموانئ وارتفاع التضخم الرهيب والذى لا نستطيع أن نصفه برقم لأن الأرقام المعلنة لا تعبر عن الواقع على الأرض.

هذا ما سوف نفصله في المقال القادم بإذن الله    

 

دكتور شريف بهجت

دكتوراه إدارة الأعمال -جامعة القاهرة

Dr.Randa
Dr.Radwa