بقلم: هبة عادل
كوكبة حقيقية من ألمع النجوم.. تجتمع في فيلم ضخم بكل المقاييس والمعايير.. نراهم في إعلان علي الشاشة الصغيرة قبل الكبيرة .. ونحن في المنازل أمام التليفزيون وفي عمل «كالجواب اللي بيبان من عنوانه» يشي بكل معني الكلمة بأنك أمام فيلم اسطوري بلا أي مبالغة فتقرر الدخول إلي دار العرض للحصول علي مزيد من الاستمتاع الذي بدأت خيوطه ترتسم منذ الوهلات الأولي لمشاهدة الإعلان الترويجي للفيلم....
وأمام الشاشة الفضية الكبيرة المبهرة نجد أن الفيلم نفسه يضع عبارة علي تتر البداية مكتوب عليها «مستوحى من التاريخ والأسطورة» ليأكد حدسك بأنك ستذهب وخلال الساعات القادمة وهي قرابة الثلاث ساعات إلي عالم من الخيال والمتعة..وتبدأ الرحلة.. فماذا نجد؟
نجد الفنان الشاب أحمد حاتم الذي ينتقل من الحياة في إحدي المدن الأوروبية إلي الحياة في بيت ابيه الراحل في مدينة الاقصر المصرية عام 1975 ليجد هذا الأب وقد ترك له مجموعة من البرديات القديمة المكتوب فيها قصص وسير لعظماء راحلين عليه أن يقرأها جيدا ليستقي منها عبر الزمان وخبرات التاريخ فيما يأتي البطل محمد سعد في دور الأب الراحل وقد سجل لابنه شريطاً سينمائياَ بالصوت والصورة تدخل في الفيلم كدور الراوي الرابط بين الأحداث.
أما هذه الأحداث فهي عبارة «وكما رأيناها» عن ثلاث قصص في ثلاثة عصور مختلفة فنجد العصر الفرعوني وعلي رأسه الملكة حتشبسوت التي مثلتها الجميلة هند صبري وقد كانت في رأيي الفائزة الأول في هذا العمل.. حيث تجسد شخصية حياة ودور الملكة الفرعونية حتشبسوت هو حلم طالما داعب الكثير من نجماتنا وأدلين بذلك في حوارات وتصريحات إعلامية عديدة لتأتي هند كفائزة مطلقة بهذا الدور الذي أجادت فيه لعب دور العظمة الملكية باقتدار ساعدها في ذلك جدا المكياج والملابس والتسريحة الفرعونية المبهرة مع أداء هند الرصين لدور الملكة المتحكمة المتسلطة الماسكة بقوة علي كافة مقاليد الحكم.
ونجد العصر العثماني وعلي رأسه البطل الشعبي «علي الزيبق» الذي لعبه باقتدار ايضا النجم الشاب «محمد رمضان» وقد بدا مبهراً في لعب الدور كفارس ممطتي صهوة جواده.. يتحرك بلياقة بدنية ونفسية وفنية عالية جداً.. في دور قريب للقلب حيث البطل الشعبي المطحون مع الغلابة في مواجهة الحكم الغاشم الذي يمتص دم الكادحين ثم نجد القصة الثالثة للنجم «محمد سعد» وإذا كان الكثير قد طالبوه بتغيير جلده والخروج من عباءة اللمبي وبوحة وعوكل وكركر... إلخ إلا أن النقلة في رأيي كانت غير محمودة علي الإطلاق.. فقد كان من الصعب أن اقتنع أن الضابط «رياض المنفلوطي» في الدور الشهير في فيلم «اللي بالي بالك» يصلح للعب شخصية «رئيس البوليس السياسي» في سنوات ما قبل ثورة يوليو 1952 بكل قسوة وجبروت ورصانة هذا المنصب الخطير وكدت أشعر في العديد من المناطق أن الضحكة ستخرج مني في كل لقطة ولفتة يتصنع فيها سعد أو يحاول رسم ملامح الأداء التراجيدي أنا أعلم أن لدي محمد سعد قدرات تمثيلية حقيقية وجادة وربما جبارة لكن رئيس القلم السياسي كانت «واسعة» إلي حد بعيد.
وفي عروج علي موطن جمالي هام في الفيلم كان من أقوي نقاطه حيث كاميرا شريف عرفة المبهرة التي تعمدت استخدام اللقطات والكادرات الواسعة.. فنري هنا واحداً من أهم وأجمل مواطن الجمال في الفيلم في لقطات مثل لقطات الصحراء الواسعة.. حين انتقل محمد رمضان وهو طفل مع والدته سوسن بدر لسفر من دمشق متوجها إلي مصر كذلك المشهد الرائع الذي تعرفت فيه الملكة حتشبسوت علي واحد من الرعية هو هاني عادل وذلك علي ضفاف النيل الواسع الواصل بالكاد المتسع إلي خط الأفق البعيد الساحر.
ومشهد آخر حيث لقاء محمد رمضان مع حبيبته روبي علي البحيرة.
فيما ساعدت الاضاءة بدورها علي خروج هذه المشاهد وغيرها بشكل مبهر... فنجد الإضاءة الخافتة في مشهد دخول سوسن بدر بابنها الطفل اليتيم إلي الدار التي سيسكناها في الأقصر وسط ظلال النخيل ليوحي بالغموض والمجهول الذي ينتظر حياتهما.
ولما كنا قد ذكرنا اسم الرائعة سوسن بدر فلنعد إلي الأدوار التمثيلية المتميزة جدا التي كللت هذا العمل فكما ذكرنا كان دور سوسن بدر والدة لمحمد رمضان يمتاز بالقوة الشديدة والجمال كعادة هذه العملاقة أيضا محيي إسماعيل في دور كبير الكهنة في معبد الفراعنة في بلاط حتشبسوت جاء رصينا متوافقا مع ملامحه الشكلية والعمرية نجد أيضا القدير عبدالعزيز مخيون معلم هند صبري الملكة الفرعونية «أصول الحكمة وعلم الحياة وقد أداه برصانة المعلم الحكيم ومن الأدوار الناعمة جدا في الفيلم كان دور النجمة الشابة روبي في دور حبيبة علي الزيبق وأيضا النجمة الشابة أمينة خليل المطربة في ملهي ليلي في زمان الأربعينيات وهي تغني بصوت «نسمة محجوب» أغاني رائعة للغاية لم نشعر مع كل علمنا أن المسموع هو ليس صوت أمينة إلا أنها لم تكن مفتعلة علي الإطلاق حتي في أجزائها التمثيلية خاصة أمام النجم محمد سعد أيضا جاء دور أحمد رزق مختلفا في إطار بعيد عن الكوميديا وهو مدير لمكتب رئيس البوليس السياسي..
أيضا تميز النجمان هاني عادل وهيثم أحمد زكي الذي يخطو بثبات مقتربا علي مستوي الملامح والأداء من والده العملاق الراحل أحمد زكي.
والحقيقة أن الفيلم في إجماله هو «تحفة فنية» علي مستوي الصورة وابهارها بكل تفاصيل الإضاءة والديكورات المبهرة المتوافقة في آليات الضبط التاريخي لكل مرحلة عبرت عنها مضافا إليها إمكانات الممثلين المتألقة جدا ولكن ما يؤخذ علي الفيلم فكرة تداخل الثلاث قصص والثلاثة عصور والتي أنهكت المشاهد دخولا وخروجا من وإلي كل مشهد تلو الآخر وكأنه في سباق مع فكرة الوصول لتيمة أو فكرة واحدة تربط القصص والعصور المختلفة فقال البعض هي السلطة وشهوتها الحاكمة عبر كل زمان ومكان وذهبت أنا إلي التفكير في أن الحب هو المعادل الموضوعي لطغيان السلطة والجبروت فقد كونت الدويتوهات الرومانسية داخل كل القصص.. مثل: «هند صبري وهاني عادل - محمد رمضان وروبي - محمد سعد وأمينة خليل» كونت فكرة إمكانية التغلب علي كل ما هو شر وانتقام وجبروت وسلطة بمجرد لمسة الحب الدافئة الشافية وعلي أي حال أعود لأؤكد أن هذا التداخل صنع جوا غير مستقر نفسيا في مشاعر الملتقي الذي كلما شعر أنه بدأ يتلامس مع الإحساس بالراحة والوصول لخيط ممسوك فلت منه هذا الخيط سريعاً وتبدد أمام مشهد مختلف وصعب جديد لنعيش وسط روعة الإبهار البصري حالة من الإرهاق العقلى دون إمكانية المرور علي الوعي لنجد أننا أمام شعور بالمتعة غير المفهومة وربما المرهقة وهي الحبكة التي صنعها المؤلف عبدالرحيم كمال، وأثق أن أسرارها المطلقة مازالت في جعبته وحده.