السبت 28 سبتمبر 2024

المسرح وذكرى العبور

15-10-2017 | 15:02

بقلم: د.عمرو دوارة

نحتفل بعد عدة أيام بالذكرى الرابعة والأربعين لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة، وللأسف فقد أصبح مسرحنا المصري ومنذ سنوات مغيبا تماما، ولعل أكبر دليل على ذلك هو سقوط تلك الذكرى الهامة من ذاكرته حتى أصبحت في دائرة النسيان!!، ففي حين انشغل جميع المسرحيين بفعاليات مهرجان "القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي" لم يبادر جميع الهيئات الانتاجية بقطاع الإنتاج الثقافي (والذي يضم البيت الفني للمسرح بفرقه العشر، وقطاع الفنون الشعبية بفرقه الخمس، ومركز الهناجر للفنون) وكذلك الهيئة العامة لقصور الثقافة بفرقها المنشرة بتصنيفاتها المختلفة بجميع الأقاليم (الفرق القومية، وفرق القصور والبيوت والنوادي) بتقديم أي عرض مسرحي للمشاركة في تلك المناسبة الهامة، والتي كان يجب لأهميتها أن يشارك فيها جميع الفرق بلا استثناء.

ظل مسرحنا المصري طوال مسيرته الفنية الثرية - التي تقارب من قرن ونصف القرن من الزمان - مواكبا لجميع الأحداث السياسية، وبالتالي فقد تصدى لقضية "الصراع العربي الصهيوني" منذ نكبة فلسطين عام 1948، كما واكب بعروضه الحروب والمعارك الهامة التي خضناها معه وبالتحديد معركة "بورسعيد" عام 1956 ، والخامس من يونيه عام 1967، والسادس من أكتوبر عام 1973. ويحسب للمسرح المصري أنه لم يكن فقط مجرد انعكاس لأحداث العبور العسكري العظيم في أكتوبر 1973، بل كان أيضا مشاركا فعالا في صنعه والتمهيد له، حيث استطاع المسرحيون أن يقوموا بدور حيوي ومؤثر بعد نكسة يونيه 1967 ، وذلك حينما قاموا بتقديم عروضهم الوطنية أثناء حرب الاستنزاف، لمواجهة مشاعر اليأس والإحباط، والعمل على تعبئة الجماهير لمعركة جديدة لاسترداد الكرامة.

كان من المنطقي أن يقوم المسرح بدوره التنويري بعد نكسة 1967 القاسية، والتي سبق أن حذر كتابه الكبار كثيرا من أسبابها وبوادرها، وذلك من خلال نصوصهم المسرحية التي طالبوا من خلال حبكاتها الدرامية بضرورة منح المزيد من الحريات وبممارسات حقيقية للديمقراطية، وأيضا بضرورة المواجهة والتصدي لتضخم نفوذ مراكز القوى، وكذلك لجميع مظاهر القهر والفساد والتسيب، فشارك المسرح المصري بدوره الموازي لحرب الاستنزاف، وقدمت على خشباته العديد من العروض التي ترفض الهزيمة وتدعو لضرورة الاستعداد للمعركة الكبرى بشحذ الهمم والعمل على رفع الروح المعنوية، ومن أهم هذه العروض ما قدمته فرقة "المسرح القومي": كوابيس في الكواليس: تأليف سعد الدين وهبة، وإخراج كرم مطاوع عام 1967، وطني عكا: تأليف عبد الرحمن الشرقاوي، وإخراج كرم مطاوع عام 1969، ليلة مصرع جيفارا: تأليف ميخائيل رومان، وإخراج كرم مطاوع عام 1969، النار والزيتون: تأليف ألفريد فرج، وإخراج سعد أردش عام 1970، كما شاركت الفرق المسرحية الأخرى بتقديم عروضها الوطنية، فقدمت فرقة المسرح الحديث عام 1968 عرض أغنية على الممر: تأليف علي سالم، وإخراج أنور رستم، وقدم مسرح الجيب عرض رسالة إلى جونسون عام 1967 من تأليف عبد الرحمن الشرقاوي، وإخراج كرم مطاوع، كما قدمت فرقة "مسرح الحكيم" عام 1967 مسرحيتين من تأليف محمد العفيفي وإخراج جلال الشرقاوي وهما: أرض كنعان (أو فلسطين 48)، والصليب، وقدمت عام 1969 مسرحية زهرة من دم: تأليف سهيل إدريس، وإخراج كمال ياسين، وجان دارك: تأليف جان أنوي، وإخراج أحمد زكي عام 1970، شمشون ودليلة: تأليف معين بسيسو، وإخراج نبيل الألفي عام 1971، غوما الزعيم من تأليف مصطفى محمود، وإخراج جلال الشرقاوي عام 1972، وكذلك قدمت أيضا فرقة مسرح الجيب ثورة الزنج: تأليف معين بسيسو، وإخراج نبيل الألفي عام 1970، الغول من تأليف بيتر فايس، وإخراج أحمد زكي عام 1971.

كانت ملحمة العبور بأحداثها الرائعة الدافع الرئيسي لتقديم عدد كبير من العروض الوطنية التي تناولت قضية "الصراع العربي الصهيوني"، وكيفية استرداد الكرامة والعزة العربية، فقام "المسرح القومي" بتقديم العروض التالية: أقوى من الزمن: تأليف يوسف السباعي وإخراج نبيل الألفي عام 1973، صلاح الدين: تأليف محمود شعبان وإخراج كمال حسين عام 1973، حدث في أكتوبر: تأليف إسماعيل العادلي وإخراج كرم مطاوع عام 1973، حبيبتي شامينا: تأليف رشاد رشدي وإخراج سمير العصفوري عام 1973، سقوط خط بارليف: تأليف هارون هاشم رشيد وإخراج سناء شافع عام 1974، النسر الأحمر: تأليف عبد الرحمن الشرقاوي وإخراج كرم مطاوع عام 1975، باب الفتوح: تأليف محمود دياب وإخراج سعد أردش عام 1976. وقدمت كذلك فرقة "المسرح الحديث" بعض العروض الوطنية ومن أهمها: مدد مدد شدي حيلك يابلد: تأليف زكي عمر، وإخراج عبد الغفار عودة عام 1973، رأس العش: تأليف سعد الدين وهبة، وإخراج سعد أردش عام 1974، العمر لحظة: تأليف يوسف السباعي، وإخراج أحمد عبد الحليم عام 1974، الحب والحرب: تأليف شوقي خميس، وإخراج عبد الغفار عودة عام 1974، كما شاركت فرقة "مسرح الطليعة" بتقديم ثلاثة عروض عام 1974 هى: القرار من تأليف سعيد عبد الغني، وإخراج مجدي مجاهد، جبل المغماطيس: تأليف سعيد عبد الغني، وإخراج فهمي الخولي، حراس الحياة: تأليف محمد الشناوي، وإخراج أحمد عبد الحليم، كذلك قام قطاع «الفنون الشعبية والاستعراضية» بتقديم عدة مسرحيات غنائية إستعراضية من أهمها: حبيبتي يامصر: عام 1973، تأليف سعد الدين وهبة، وإخراج سعد أردش، الحرب والسلام: عام 1974، تأليف يوسف السباعي، وإخراج محمود رضا ومحمد صبحي، مصر بلدنا: عام 1978، تأليف حسام حازم، وإخراج أحمد زكي، نوار الخير: عام 1979، تأليف توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وإخراج حسن عبد السلام.

يتضح مما سبق أن انتصارات أكتوبر 1973 كما ظلت دائما في وجدان كل عربي رمزا للفخر والعزة واستعادة الكرامة فقد ظلت أيضا في عيون وذاكرة المسرح المصري بتلك العروض والنصوص التي تناولتها بصور فنية مختلفة، حيث نجح المسرح المصري - من خلال مبدعيه الكبار في مختلف مجالات الفنون المسرحية - في تقديم بعض المعالجات المتميزة لتلك المعركة المصيرية. ويجب التنويه في هذا الصدد إلى أن جميع المسرحيات التي سبق ذكرها مجرد نماذج مشرفة ومضيئة ساهمت في تسجيل الأحداث وقصص البطولة لشحذ الهمم والدعوة للتصدي بصورة دائمة لتلك الهجمات الشرسة والأطماع الاستعمارية، كذلك يجب التنويه إلى أن عددا كبيرا من تلك المسرحيات قد كتبت وقدمت في عجالة بحيث أصبحت أقرب إلى عروض المناسبات والاحتفالات التي يصعب إعادة تقديمها بعد ذلك (من خلال عروض الريبرتوار)، كما أن هناك عددا آخر من المسرحيات لم تتناول معركة أكتوبر وملحمة العبور بصورة مباشرة وإن نجحت في إلقاء ظلالها عليها من خلال الربط بين أحداث الماضى والحاضر ومن بينها على سبيل المثال كل من مسرحيات: صلاح الدين الأيوبي، باب الفتوح، النسر الأحمر حيث تناولت كل منها أحداث الحرب الصليبية وبطولات "الناصر صلاح الدين الأيوبي".

جرت العادة منذ نصر أكتوبر 1973 أن يتم سنويا في يوم ذكري العبور تنظيم بعض الاحتفالات الغنائية والمسرحية - سواء عن طريق وزارة الثقافة أو وزارة الإعلام وخلال السنوات الأخيرة من خلال جهاز "الشئون المعنوية" بالقوات المسلحة - بحضور رئيس الجمهورية وكبار رجال الدولة، وأن يتم بث تلك الحفلات مباشرة على شاشات التليفزيون. ومن الغريب والمؤسف أن يتم رصد ميزانيات ضخمة لكل حفلة من تلك الحفلات ثم يتم الاكتفاء بتقديم الحفلة لمرة واحدة!!، والسبب بالطبع معروف وهو تلك الأجور المبالغ فيها جدا لمجموعة النجوم والمطربين المشاركين في الحفل، وذلك بالإضافة إلى مشقة وصعوبة إعادة تجميع تلك الأعداد الكبيرة من الراقصين أو مجموعات المجندين بالقوات المسلحة الذين يشاركون أيضا بالاستعراض مرة أخرى. ويتكرر هذا الوضع المؤسف كل عام مما يعد إهدارا للمال العام خاصة مع عدم إعادة إذاعة الحفلات السابقة والتي أصبح عددها أكثر من أربعين عرضا احتفاليا !!، والسبب بكل صراحة هو أن كل منها يتطلب ضرورة إجراء مونتاج لحذف بعض الفقرات التي تمجد في كل من الرئيسين السابقين (أنور السادات أو حسني مبارك) بوصفه بطل العبور!!

يعد عرض "عودة الأرض" من العروض القليلة النادرة المتميزة التي قدمت خلال تلك العروض والاحتفاليات السنوية والتي يجب إعادة إذاعته أكثر من مرة، وذلك نظرا لاعتماده على نص مسرحي محكم الصنع، وللأسف لا يعاد عرض نسخته المسجلة إطلاقا بالرغم من أهمية العرض على كل من المستويين الوطني والفني. وقد قدم هذا العرض لأول مرة في الخامس من أكتوبر عام 1989 بالقاعة الكبرى (قاعة خوفو) لمركز "القاهرة للمؤتمرات" بحضور كل من الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وجميع كبار رجال الدولة وقادة القوات المسلحة. والعرض من تأليف الكاتب القدير ألفريد فرج وإخراج المبدع كرم مطاوع، وشارك بكتابة الأغاني الشاعر الكبير سيد حجاب، وبالتلحين جمال سلامة، وصمم الديكورات محمد عزب، وشارك في بطولته كل من الفنانين: سهير المرشدي، فاروق الفيشاوي، عبد الحفيظ التطاوي، محمد أبو العينين، شريف صبري، أشرف طلبة، أشرف فاروق، ومن المطربين: علي الحجار ونيفين علوبة. وتدور أحداثه الدرامية حول الجندي (فاروق الفيشاوي) الذي فقد ذاكرته أثناء حرب الاستنزاف، لتعود له أثناء حرب أكتوبر من خلال رحلة علاجه بالمستشفى واهتمام ومراعاة الممرضة (سهير المرشدي) لحالته النفسية، والتي تأخذه في رحلة ذهنية لاسترجاع بعض الومضات من تاريخ مصر عبر العصور، فتتجسد له في بعض الشخصيات التاريخية مثل: "إيزيس"، "شجرة الدر"، كما تصاحبه في رحلاته الذهنية أيضا حيث يقوم بتجسيد شخصية "صلاح الدين الأيوبي".

حدثت للأسف انتكاسة كبيرة جدا للمسرح خلال السنوات الأخيرة من سبعينيات القرن الماضي خاصة بعد عصر الانفتاح، وبالتالي فقد ضاعت مكاسب العبور بظهور أشكال جديدة يمكن أن نطلق عليها المسرح الانفتاحي أو المسرح السياحي، وازدهرت مسارح القطاع الخاص بصورة كبيرة بتعدد فرقها وقدرتها على جذب النجوم، ولم يستطع مسرح الدولة أن يقف أمامها أو ينافسها فأصبح المسرح التجاري هو السائد بتقديمه لأشكال كثيرة من الابتذال وفقرات الملاهي الليلية بكل الأسف، وكان عصرا مسرحيا سيئا جدا استمر عقدين من الزمان وإن كان بعض المسرحيين قد حاولوا الصمود ومواجهة هذا التردي في المسرح فقاموا بتقديم بعض التجارب العروض الجادة وخاصة من خلال فرقة "المسرح القومي"، لكنها كانت تجارب قليلة جدا ولا تمثل تيارا أمام كم المسرحيات المبتذلة، ويكفي أن نتذكر بعض أسماء تلك العروض التجارية ومن بينها "اتنين على الدبوس"، إحنا إللي خرمنا التعريفة"، "شورت ساخن جدا"، "ألماظية"، "حصة قبل النوم" "أنا ومراتي وجوزها"، "يا حلوة ما تلعبيش بالكبريت"، "أولاد علي بمبة" " والحلو كشري" لندرك مدى ما انحدر إليه مستوى المسرح حينذاك. وبعد انحسار هذه الموجة انطلقت للأسف مع نهاية ثمانينيات القرن الماضى وبدايات التسعينيات موجة أخرى جديدة بعروض التجريب ومسرح الجسد والمسرح الراقص ليعاني المسرح المصري مرة أخرى من فقدانه لهويته ومن غياب مسرح الكلمة والفكر.

يظل السؤال الذي يتكرر طرحه كل عام هو: كيفية الاحتفال بذكرى "العبور وانتصارت أكوبر" وبيوم استعادة الكرامة لكل مواطن عربي بأفضل صورة مثلى تليق بأهمية هذا الحدث الكبير؟!، وكيف يمكننا من خلال الفنون وبالتحديد من خلال المسرح إحياء المعاني والقيم والمثل العليا والدروس المستفادة من تلك الانتصارات وملحمة العبور العظيم ؟! خاصة وأن هناك عدة أجيال لم تعاصر هذا الحدث التاريخي المهم ولم تعايش أحداثه وبطولاته الخارقة، وبالتالي لم تتعرف للأسف على كثير من تفاصيله المشرفة والمبهرة، ولم تدرك كم التضحيات والدماء التي سالت على أرض سيناء لتحقيقه.. إن مرور أربعة وأربعين عاما على ذكرى العبور تعني أن هؤلاء الذين ولدوا في ذلك اليوم قد صاروا الآن آباء وأمهات بل وربما قد أصبح بعضهم جدا أيضا، مما يضعنا أمام تساؤل هام عن ذلك الدور المنشود للجهات الثقافية والفنية المختلفة تجاه هذه الأجيال؟!، هل يتم الاكتفاء بإعادة عرض الأفلام الخمسة التي تناولت هذا الحدث والتي تعرض في كل عام !!، وهي في مجملها غير مؤثرة خاصة وأن بعضها كان قد تم إنتاجه وتصويره قبل العبور ثم أقحمت في نهايته بعض مشاهد عبور الجنود لخط "بارليف"، وذلك في محاولة لاستثمار هذا الحدث التاريخي !!، وبالتالي لا يمكن أن يمتد تأثيرها الفعلي لتخليد ذلك الحدث العظيم، وتحقيق هدف تقديم المعلومات والدروس المستفادة للأجيال الجديدة. أعتقد صادقا أننا في أشد الحاجة إلى تنمية شعور الانتماء وحب الوطن لدى جميع النشء والشباب، وبالتالي فإن إحياء ذكرى انتصارات أكتوبر ببطولاتها مع إبراز التضحيات الكبرى لشهدائنا فرصة كبيرة ورائعة يجب استغلالها وتوظيفها بالصورة المثلى بعيدا عن أشكال المتاجرة وعروض الاحتفالات الاستهلاكية.