لا يزال لهيب الألم المتمشي في يدي يؤلمني، يكاد وخزه يطير عقلي، على كل حال حتى الآن اداوم على مهامي اليومية المعهودة دون عائق، لكني آخذ نفسي في أوقات بالتفكير في حلول عاجلة عن نهاية هذه الأوجاع المتزايدة، مع نهشه لمفاصلي بلا رحمة، لم تفلح الوصفات الشعبية التي جربتها، اضطرتني الحالة تحاشي أشخاصا بعينهم، واعتبار تحيتهم نوع من المجازفة، فما إن يلتقم أحدهم يدي، حتى يهزها هزا يضيع له عقلي، نصحني صديق قديم يؤمن بالخرافة، إيمانه بقوة شارب والده المسنون، راودني عن نفسي ذات مرة وهو يهرش طرف ذقنه المغبرة :" دع عنك مراهمك الحريفة، وابحث لنفسك عن أم لتوأم، واجعل يدك تحت كعبها، فهذا دواؤك يا صاحبي"، سريعا ألقيت عني كلامه في غير اهتمام، بيد أنه كان من حين لآخر، يتأتى فيمس خاطري مسا لطيفا، عندها استغفر لذنبي ،وألعن الوجع الذي أوقعني في حبائل الجهال.
عاودت زيارة الطبيب في زيارة مؤجلة ، دخلت غرفة الكشف في سكينة ، أغالب صراخ يدي المتواصل، يستفزني منظر الأجهزة الطبية متراصة في اجتراء مخيف تملأ جنبات الغرفة، تحاملت على نفسي وتركت المجال لابتسامة باهتة تتأرجح فوق شفتيَّ ، وبقايا من كلمات صاحبي تشاغب من حولي محرضة :" ابحث لنفسك عن أم لتوأم".
في مساء يوم صائف ، انتبهت لنداء ابنتي الصغرى ، اخبرتني أن سائلا بالباب ، كان صاحبنا قد حضر للسؤال عن صحتي، تقدم نحوي صامتا ، بعد أن اخرج من جيبه خيطا سميكا من الصوف ، وبدأ في برمه وبعد انتهائه ؛ لفه حولي رسغي ، بادرني قبل أن انطق وهو يهز رأسه ناصحا :" لا تنزع عنك هذا الخيط أبدا ، الوصفة مضمونة ، صوف الغنم مجرب لمثل حالتك " ، تجاهلت حديث الأمس وما قبله ، انشغلت بفتلة الصوف تخنق معصمي في سخونة حارقة ، وتوهج مثير أنساني آهات البارحة، شاءت الأقدار لآلامي أن تزول ، لا اعرف سببا حتى الآن ، قد تكون للوصفات الطبيبة التي واظبت عليها أثر، وربما كانت فتلة الصوف هي السبب، لا أدري! ، لكن ما أريده ، أن هذا السر ظل رفيقي على الدوام، من بعدها احتفظت بالفتلة ، حتى وأنا اغشى أرقى المجالس ،لا تزعجني نظرات العيون الزرقاء تنسحب من تحت النظارات الثمينة، يأكلها الفضول عن سر فتلتي، في كل مرة أتحسسها في صمت ، تلفني نشوة محببة، وأحداث الأمس تعاود من جديد، لأحمد الله على السلامة.