السبت 29 يونيو 2024

فى معرضه الجديد يهجر وجوه البشر: فاروق حسنى يعود إلى ترانيم مملكة الألوان

22-2-2017 | 12:08

تقرير: أمانى عبد الحميد

هجر وجوه البشر وعاد إلى بحور ألوانه مرة أخرى دون أن يدري، كشفت لوحات فاروق حسني عن عالمه الصغير المتسع في مضمونه والذي عاد إليه بعد أن خاض في معرضه السابق تجربة مثيرة مع وجوه البشر عاد إلى ترانيم مملكة ألوان الطبيعة من وجهة نظره درجات الأرزق والرمادي والأصفر والأخضر، ليقدم لنا تجربة لونية تعبر عن مرحلة جديدة من تجاربه الفنية الممتدة إلى أبعد مما نراه وإن قدم عددا من لوحاته التي تحمل ملامح بشرية ليثبت للجميع أن معرضه الجديد هو امتداد لتجربة مثيرة يخوضها كفنان لاتزال تحمل روح التمرد داخله، وأن شعلة الإبداع لن تنطفئ بين يديه وإن اختلف حوله المهتمون بالفن التشكيلي في مصر.

وقف كعادته يرحب بضيوفه الذين أتوه من كل صوب مبتسما بالرغم من حالة الإرهاق التي تبدو على وجهه, ظل يحاور كل الحاضرين ويلتقط معهم الصور التذكارية بسعادة بالغة, التف حوله الحضورعندما وجدوه يحمل طفلة صغيرة تناديه «جدو» وتتعلق بكتفيه عند مدخل القاعة, كانت تلك الطفلة هي فريدة ابنة محمد حسين مدير مكتبه وأحد أقرب العاملين والمرافقين له منذ ما يزيد على عشر سنوات, حبه البادي لها كشف عن جانب إنساني يعرفه جيدا كل المقربين.

في المعرض الجديد الذي يحمل رقم ٣٧ في حياته بعد أن قدم أعماله ضمن معارض حول العالم بدأها في عام ١٩٧٢ عندما شارك في المهرجان الدولي للفنون في «كاني سيرمير» بفرنسا، ويضم ٣٥ عملا فنيا جديدا داخل قاعة جديدة في حي الزمالك، يقدم فاروق حسني تجربته الفنية الجديدة التي يغوص فيها في ملامح الطبيعة المصرية الأصيلة بألوانها الدافئة مرة أخرى, أول ما يقابل الزائر لوحة ذات لون أخضر تكشف عن أرضنا الخصبة، لتمثل خير مفتاح للبقية الرحلة اللونية حيث تقوده إلى عالم مملكة الألوان الزاهية لفاروق حسني, تأخذه في رحلة لونية تشكيلية يكون البطل فيها اللونين الأصفر والأخضر.

المعرض الجديد يسرد لنا يوميات فنان يسير في اتجاه بخطى ثابتة، يحاول فيه البحث عن تفاصيل مختلفة لعله يجد ما هو جديد, ويسعى إلى التجديد في أفكاره, مزاجه, ذهنه, الفن التجريدي اتجاه تبناه فاروق حسني خلال مسيرته الفنية، بالرغم من أنه من أصعب الفنون على الشخص العادي حيث يجد مشكلة في معرفة المعني الخفي وراء العمل الفني, وفي بعض الأحيان يصعب على كثير من الفنانين تقديم الجديد بعد فترة من ممارسته, فهو مدرسة فنية تعتمد على تكثيف التفكير والرؤية المطلقة، حتى يصل الفنان التجريدي في النهاية إلى مضمون جمالي متكامل, مع العلم أن اللوحة لها قانون يجب اتباعه، فالفنان الدارس يرسم متبعا أصول الفن، وبالتالي ما يقدمه بالتأكيد سيكون فنا, لذا ظل فاروق حسني يحاول خلال رحلته أن يطور من أسلوبه ويتبع أشكالا مختلفة في كل مرة، مثل الذي يجيد اللغة لكنه بعد فترة يستخدمها للتعبير عن الأفكار والرؤى والموضوعات, وكأن الفنان يعيد اكتشاف الأشياء من حوله مرة أخرى كلما قام إلى رسم لوحة جديدة.

لذا في معرضه الجديد يقوم بإعادة اكتشاف علاقة المساحات، والإيقاعات باستخدام عنصر المفاجأة كعادته, ونجد أن الكثيرين يقولون إن معرضه يشبه لمعارضه السابقة, لكنه في الحقيقة هو معرض مختلف تماما يحمل امتدادا لشخصيته، وإن كان لا يمثل امتدادا للرؤى السابقة.

“لا أميل إلى توصيف لوحاتي...” كما يقول يتركها بلا اسم, بلا عنوان تحمل العام التي قام خلاله برسمها فقط، وكأنها تسجل الزمان فقط عن رؤيته معجونة بحالة متكاملة لا نستطيع اختصارها في اسم يخل بمعانيها, يجسد غير المجسد, ويبدع ما هو غير مرئي أو موجود, كثير من النقاد كتبوا عنه بأنه يجرد الطبيعة فقط لكنه أكد دوما أنه لا يسعى إلى ذلك, على الرغم من أنه ارتبط بها وهو ما بدا جليا في أعماله عبر تجربته الفنية، عاش حياته الأولى أمام بحر الإسكندرية الدائم الصخب والتغير، ثم استقر أمام نهر النيل لتحمل أعماله جزءا من لونه وحركته اليومية الدؤوبة منذ آلاف السنين, طاف مصر وأوربا لتنعكس أسفاره على تجربته الفنية, لذا جاءت لوحاته تحمل ألوان المناخ وتدرجها من الرماديات إلى الألوان الزرقاء مع ضوء النهار إلى جانب أوقات هدوء البحر, كلها عناصر خلقت حالة لاتزال تؤثر فيه, اقتبس اللون من الطبيعة وأعاد وضعه في حالة وجدانية وسط مساحات تحكمها علاقات وتناسقات لخلق نص بصري مميز.

هناك مقولة فحواها أن الفنان بطبعة متمرد ولو لم يكن متمردا فسيظل ثابتا وتموت داخله روح الإبداع, هذا ما نراه في لوحات فاروق حسني, نرى فنانا متمردا على الإيقاع, مساحة اللون, الخطوط, التمرد من أجل خلق جديد, لذا جاء معرضه عبارة عن سرد لحالة فنية قديمة وإعادة تقديمها برؤية جديدة، لوحاته ومسطحاتها تكشف عن رؤية عاطفية ووجدانية وذهنية, تضع المشاعر اللونية في مجال له صيغة نص متكامل , وهو كما يحب أن يصف نفسه بأنه: «كالروائي الذي يغير لونه من الرواية البوليسية إلى نوع آخر من الروايات الرومانسية مثلا..”, فالتشكيل الفني يأخذ نفس المنحى أو ما يسمى بأبجديات اللون, وعن طريقه يستطيع أي متذوق يستطيع قراءة اللوحة، وتلك المعضلة في قراءة الفن التجريدي ,حيث يقوم الكثيرون بنزع التصوير المادي للأشياء حتى يتسق مع اللوحة والقيام بمحاولة لتجسيد الأشكال, كأن يقول هذه وردة أو شجرة, لذا فإنه يرى اللوحة الفنية مثل: “قطعة موسيقية نراها بالعين ...”.

عن معرضه أوضح د. خالد حافظ قائلا: “لوحاته متحررة من انضباط الخطوط وهندستها المتوقعة لينغمس المتلقي في مساحات لونية بها أبجديات وخطوط تبدو مفككة شكلا لكنها محكومة بقانون ما مرن وغير صارم يدعم مساحات الحرية وعدم الارتباط بقوالب تحمل اللوحة دوما ثقلا يتخطى فعل التصوير..» كما يؤكد: «أن فاروق حسني يقودنا بنعومة وتوتر معا في مساحات التضاد والمعانى المتقاطعة غير المتوقعة المتحررة من قيود البناء وصرامة الهندسة...”؛ حيث لا يترك لنا فرصة واحدة للتشتيت الذهني، بل يصطحب الزائر في شراكة صريحة لفعل بناء اللوحة الذهنية شديدة الخصوصية لكل ملتقٍ على حدة كأحجية يحكمها قانون لحظي غير قابل التكرار...