الخميس 21 نوفمبر 2024

مقالات

البرلماني كمال الطويل فارس النغم المصري الأصيل


  • 29-1-2024 | 09:46

أ.د أحمد عادل عبد المولى

طباعة
  • أ.د أحمد عادل عبد المولى

إذا سرحت في صوفية حالمة مع صوت أم كلثوم الساحر وهي تغني دعاء (لغيرك ما مددت يدا) أو (غريب على باب الرجاء) من كلمات طاهر أبو فاشا، وإذا أثارت حميتك الوطنية والقومية رصاصات صلاح جاهين (والله زمان يا سلاحي)، واستفزتك للانتصار على عدوك الذليل، فأنت لا شكّ على موعد مع أغنام (كمال الطويل).
وقبل أن نقترب من كمال الطويل الفنان والإنسان؛ نقرر أنه قد نجح في أن يكون له دور على الساحة السياسيّة، ولم يقف عند حدود الأغاني الوطنية فحسب؛ حيث انضم إلى البرلمان على قائمة حزب الوفد في الثمانينات؛ فقد اختاره آنذاك الباشا فؤاد سراج الدين زعيم الوفد الراحل ليكون مرشحًا للحزب في دائرة شرق القاهرة مصر الجديدة؛ فتمتع بشهره كبيرة بوجوده ضمن صفوف المعارضة.
هذا وقد أمضى الموسيقار البرلماني كمال الطويل ثلاث سنوات تحت قبة البرلمان أسهم خلالها في إذكاء الحياة البرلمانية ببعض المقترحات حول تنظيم الأسرة، وإنشاء الجامعات الأهلية. 
ولد كمال محمود زكي الطويل في القاهرة في 11/10/1923 في عائلة من الباشوات: فأبوه محمود زكي الطويل كان يحمل لقب "بيك"، وعمه عبد الفتاح الطويل كان يحمل لقب "باشا"، وهو الذي شغل عدة وزارات متعاقبة آخرها «العدل» في وزارة النحاس باشا في يناير 1952، وكان أحد أسباب اختيار فؤاد باشا لكمال الطويل لكي يحظى بمقعده البرلماني.
التحق بمعهد الموسيقى في القاهرة. وكان من بين زملائه في المعهد: علي إسماعيل، وفايدة كامل، وأحمد فؤاد حسن، وسيد إسماعيل، وعبد الحليم شبانة (حافظ). وبدأت الصداقة تتوطد وبدأت بوادر الموهبة التلحينية تظهر. ولم يكن عندهم آلة تسجيل، فكان عبد الحليم يتذكر كل ألحان كمال ويعزفها على آلة الأوبوا فأطلق كمال عليه لقب "مسجلتي الخاصة"، ومن الجدير بالذكر أن كمال الطويل كان مسجلاً في المعهد كطالب غناء وعزف بيانو، أما عبد الحليم فكان مسجلاً كعازف على الأوبوا.
وذات يوم وجد كمال في درج مكتب والده كشكولاً يحوي على خواطر صوفية لأبيه لفت انتباهه بينها خاطر يقول: "إلهي ليس لي إلاك عونًا". فلحّنه وعرضه على زميلته فايدة كامل التي كانت أشهر منه فوافقت على تسجيله في الإذاعة، كان ذلك سنة 1950. 
وبعد الانتهاء من الدراسة التحق كمال في الإذاعة، وأوكل له تقديم برنامج موسيقى كلاسيكية أوروبية اسمه "أركان الإذاعة". وفي تلك الأثناء لحن أغنيتين للمطرب الجديد محمد قنديل قُدر لهما أن تصبحا من أشهر أغنيات قنديل والطويل: "بين شطين وميه"، و"يا رايحين الغورية". وكان ضمن فقرات برنامج "أركان الإذاعة" تقديم فرقة جديدة أو لحن جديد كل أسبوع، فدعا محمد الموجي وعلي إسماعيل وغيرهما لتقديم أعمالهم. 
تميز كمال الطويل بنفس موسيقيّ جعل منه علامة فارقة بين أبناء جيله، وكان بين عمالقة سبقوه من أمثال: رياض السنباطي، ومحمد القصبجي، ومحمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، وزكريا أحمد، ومحمد فوزي، وكبار عاصروه كمحمد الموجي، وبليغ حمدي، وسيد مكاوي، وغيرهم.
كان كمال يمزج ببراعة شديدة بين الجو الغربي والطابع الشرقي في موسيقاه؛ مما يدل على أنه قد استوعب وتشبّع بهما لدرجة أنهما صارا كالشيء الواحد، المتنوعة مكوناته وأدواته، ويكفينا للتدليل على ذلك أن نتذكر معًا ألحانه للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ مثل: "على قد الشوق، وبتلوموني ليه، وبلاش عتاب"...
ففي الأولى (على قد الشوق) مثلا جمع بين إيقاع الرومبا وموسيقى الساكسفون في مقدمتها ثم تدخل الكمانجات لتهيئ الساحة للغناء المصري الجميل. وكذلك (بتلوموني ليه) التي استخدم في مقدمتها الآلات النحاسية السيمفونيّة، في جديلة فريدة مع الغناء العاطفي المصري. أما (بلاش عتاب) فلا يخفى استدعاء آلة الهارب الفرعونية لتشارك سائر الآلات في تقديم هذه التحفة الفريدة لعبد الحليم حافظ.
غير أنّه حين كان الأمر يتطلب الشرقيّة الصرفة، فقد كان فارسًا كبيرًا في ميدانها، ويشهد بذلك لحنه الشرقي الجميل لأغنية: (يا للي سامعني) للفنان عادل مأمون، هذه الأغنية التي غناها في فيلم (ألمظ وعبده الحامولي) باعتبارها من أغاني الحامولي، وكانت طبيعة الفيلم تتطلب أن تكون الأغاني أقرب إلى الجو التراثي منها إلى المعاصر؛ نظرًا لطبيعة العصر الذي عاش فيه عبده الحامولي وألمظ. فالمستمع لهذه الأغنية يستشعر أنها من زمن عبده الحامولي حاملةً عبق الماضي، ولكن بنسمات عصرية لم تفقد شرقيتها بأي لون غربي.
لحّن كمال الطويل لكبار المطربين والمطربات العرب والمصريين. فلحن "الناس المغرمين" لمحمد عبد المطلب، و"النار القايدة – أسمر يا أسمراني" لفايزة أحمد، و"بان علي حبه – الشوق والحب معي – طول عمري أحبك – أسهر وانشغل أنا – ليه خلتني أحبك – كلمني عن بكرة - أوصفولي الحب – قلبك راح فين – قريبة منسية – استناني". 
أما عبد الحليم حافظ فغنى له "قولوله الحقيقة – حلفني – بيع قلبك – الحلوة – كفاية نورك عليّ – على قد الشوق – إللي انشغلت عليه – بيني وبينك إيه" وغيرها. 
ويقول المايسترو الكبير سليم سحّاب: "ووضع كمال الطويل في أغنياته لعبد الحليم حافظ كل مفاهيمه التطويرية الحديثة من بناء الجملة اللحنية ذات نفسها إلى معالجتها بالهارمونيا والتوزيع الأوركسترالي، وكانت هذه مهمة علي إسماعيل، وأندريا رايدر رائدا التوزيع الحديث في مصر."
وإذا كان ذلك هو حال أغاني الحب التي نسميها عاطفية تجاوزًا، وأرى ذلك تجاوزًا؛ لأن جميع الأغاني المفترض فيها أن تكون عاطفية، بمعنى أنها تتكلم عن عاطفة وإحساس وشعور تنقله إلى المتلقي، والعاطفة ليست مرأة ورجل فحسب، بل إن الدين عاطفة، والوطن عاطفة، والأمومة عاطفة، والطفولة عاطفة. لذلك أحب أن أقول عن جميع الأغاني إنها أغانٍ عاطفية، وعن الأغاني الرومانسية التي تتناول قصص المحبين وشكاواهم وأحزانهم من هجر وفراق وعتاب ولقاء بأغاني الحب.
أقول إذا كان ذلك هو حال أغاني الحب لدى فارسنا كمال الطويل؛ فإن الأغاني الوطنية كان علامة بروز واضحة لا في تاريخ كمال الطويل فحسب، بل في تاريخ الأغنية المصرية كلها منذ ثورة يوليو حتى العبور العظيم.
ومن أشهر هاتيك الأغنيات: النشيد الذائع الصيت الذي لحنه إبان العدوان الثلاثي سنة 1956 "والله زمان يا سلاحي"، وإحنا الشعب، ويا جمال يا حبيب الملايين، وبالأحضان -أشهر أغاني ثورة يوليو، و"حكاية شعب" (التي تحكي قصة بناء السد العالي)، ومطالب شعب، وبلدي يا بلدي، والمسئولية، والفوازير، وصورة، ويا أهلاً بالمعارك، و"ناصر يا حرية" (عند النكسة)، و"ابنك بيقول لك يا بطل" عند حرب أكتوبر المجيدة 1973.
ومن ثمّ استحق كمال الطويل لقب جبرتي الثورة الموسيقي. 
وعلى غرار نوع من أنواع القصة في الأدب العربي الحديث يُعرف باسم (القصة القصيرة جدًّا Very short story) أبدع كمال الطويل (الأغنية القصيرة جدًّا)، وقد تمثلت في الأغاني التي اشترك فيها مع عبد الرحمن الأبنودي والتي لا تتجاوز مدتها دقيقة ونصف، من أشهرها: (أحلف بسماها وبترابها) التي ظل عبد الحليم يفتتح بها أغلب حفلاته الغنائيّة منذ النكسة حتى نصر أكتوبر، وكذلك خللي السلاح صاحي من كلمات أحمد شفيق كامل.
وبقي أن نقول إن كمال الطويل كان من ذوي العطور المختلفة والزهور المتمايزة؛ وذلك لثراء المقامات في ألحانه. فلحّن من البياتي، والراست، والهزام، والعجم، والنهاوند، والكورد، والحجاز.

كل ذلك إلى جانب ما سبق أن ذكرناه من تطويره في النغم المصري بمزجه المتميز بين موسيقى الشرق والغرب، في لقاء عجيب، يأنس به كل محب للموسيقى الغربية، ويطرب إليه كل عاشق للموسيقى العربية، وهذا الألق الفنيّ هو ممّا هيّأ له أن يعتلي مقعده البرلماني الذي أشرنا إليه ليكون له مذاقه السياسي المتميز أيضًا.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة