تعد الفلسفة الإسلامية من أرقى أنواع العلوم الإنسانية، حيث تعتبر بوابة لفهم حقائق غير ظاهرة في مختلف الميادين العلمية، ويعتبر الفلاسفة المسلمون «الفلسفة» هي العلم الذي تميز به الأنبياء للوصول إلى مرحلة اليقين في المعرفة الإلهية  وقام علماء الفلسفة المسلمون بتوظيف قوانين الفلسفة في استكشاف حقائق الأمور في جميع ميادين المعرفة.
 
ومع بوابة «دار الهلال» نقدم  خلال 30 يومًا من شهر رمضان 1445 هجرية،  سنعرض إسهامات هؤلاء الفلاسفة في ميدان الفلسفة وتوضيح كيفية ربطها بالعلوم الأخرى، في رحلة مع أبرز علماء الفلسفة في  تاريخ الحضارة الإسلامية.

واليوم ننطلق في رحلة مع الفيلسوف والعالم .. ابن النفيس 

كان  " ابن النفيس"  من أهم العلماء بالتاريخ الاسلامي، ولقب   بهذا الاسم نظرا لغزارة علمه فضلا عن ذكائه وفطنته، واسمه  بالكامل علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي الحزم القرشي الدمشقي. 
ولد "ابن النفيس"  عام 607 هجريا في دمشق بسوريا وسافر إلى القاهرة في شبابه وعمل في مستشفي المنصوري التي تأسست في عهد المنصور قلاوون .

وكان ابن النفيس طبيبًا وعالمًا وفيلسوفًا ومؤرخًا، اي كان متعدد المواهب يؤمن بالعقل وسموه، ومن  أهم انجازاته في المجال الطبي، اكتشاف الدورة الدموية الصغرى، التي ينتقل علي إثرها الدم من القلب إلى الرئتين ثم يعود نحو القلب ، فضلا عن إسهاماته العلمية الطبية،  مثل كتاب  "الموجز في الطب" وعده العلماء أهم الكتب في زمانه، وشرح لكتاب ابن سينا  "القانون في الطب" في كتابه  "القانون في الطب" . 

وعن إسهامات الفلسفية" ابن النفس"،  فقد تحدث في اكثر من فرع للفلسفة ومنهم المنطق والطبيعة الميتافيزيقا والسياسة فضلا عن الأخلاق . 
 

وعن الفلسفة المنطقية، فقد شرح  "ابن النفس"  كتب أرسطو في المنطق مثل "المقولات" و "السفسطائية" و أضاف إليها من نظرياته الخاصة وكان يعد شرح "ابن النفيس" لمنطق أرسطو من أهم الشروحات في العالم الإسلامي والذي دل على عبقريته لأنه جمع بين أفكار الفلاسفة المسلمين مثل ابن سينا والفارابي وبين أفكارأرسطو في بوتقة واحدة في شرحه للمنطق . 
الفلسفة الطبيعية
 أسهم  ابن النفيس في اكتشاف وشرح الدورة الدموية الرئوية وعن علم الفلك  ساهم في معرفة حركة الكواكب وأكد أن الشمس هي مركز المجموعة وأن الكواكب تدور حولها وبذلك نفى مركزية الأرض التي كانت سائدة في وقتها وأيقن أن حركات الكواكب تؤدي إلى ظواهر فلكية مثال ظاهرة الكسوف وكان اعتماد ابن النفيس لاستنتاج علمه عن علوم الفلك هو الدراسات الرياضية والمنطقية على عكس غيره من الفلاسفة الذين اعتمدوا على المنطق فقط . 

الفلسفة السياسية
 نادي ابن النفيس  بالمساواة ة بين جميع أفراد المجتمع بعيدا عن نظام الطبقية بالإضافة إلى ضرورة مشاركة كافة الأطياف في صنع القرارات السياسية وكان من أهم نظرياته السياسية هي نظرية المقاومة والتي بموجبها أن للمجتمعات الحق في مقاومة الحاكم الظالم . 
و عن الفلسفة الميتافيزيقية، فتحدث  ابن  النفيس عن نظرية الواحد والمتعدد ومفادها أن الله هو الواحد الذي هو عين الوجود وأنه لا يحتاج الي وجوده لعله وعلى جانب آخر،  فإن المتعدد هي كائناته التي تخلق من جوفه وأنه دائما محتاجة إلى العلل لوجودها . 

وعن نظرياته عن النفس الغنسانية فقد أفتى بوجودها بعد وفاة الإنسان كعامة الفلاسفة التي تحدثنا عنهم في الحلقات السابقة ووصفها بأنها جوهر الإنسان وتحمل معاها كسجل ما قام به من أفعال في الحياة الدنيا .

واعتبر ابن النفيس أن العقل هو الأداة الوحيدة للوصول إلى العلم والمعرفة، إذ اعتبرها المعرفة الحقيقية ولم ينس دور الحواس المادية الخمسة في استقبال المعلومات والمعارف وعدها مصادر غير موثوق منها في المعرفة الحقة التي يسعي اليها .

وتحدث ابن النفيس عن نظرية المصادفة "الصدف" ، وأنها غير صحيحة عليى أرض الواقع بسبب جهلنا بالعلة وعدم تعمقنا في بواطن الأمور التي نواجهها .  

الفلسفة الأخلاقية
اعتبر ابن النفيس أن الاخلاق الحميدة  تأني من العقل وأن من صفات المسلم الصحيح اللجوء إلى العقل والمنطق بدلا عن النفس السفلية الدنيئة وكان ابن النفيس يريد أن تكون مصدر أخلاق المسلم من العقل العلوي بدلا من العادات والتقاليد، اعتبر أن السعادة التي يطمح اليها الإنسان هي تكون باتباع فضائل الأخلاقية وأنها لن تتحقق بإتباع الشهوات الدنيوية . 

 التشابه والإختلافات مع  أعلام الفلسفة الإسلامية 

تأثر جميع الفلاسفة  الفارابي ، الغزالي، ابن رشد، ابن سينا، وابن النفيس بالفلسفات اليونانية في معرفتهم الأولية بالكون والطبيعة، لكنهم أضافوا منظورهم الإسلامي الخاص إليها،و استثنى الغزالي دور المنطق العقلي في الوصول إلى المعرفة، بينما سعى الآخرون لاستخدام الأدوات الروحية للوصول إلى الحقائق، مما أتاح لهم نظرة شمولية تدل على الوحدة وأدى إلى اكتشاف معارف جديدة.

من جانب آخر، كانت وجهات نظرهم حول العقل متباينة؛ فإبن رشد وابن سينا كانا يؤمنان بقدرة العقل على استيعاب جميع المعلومات في الكون، في حين أشار الغزالي إلى دور الإلهام والفتوحات القلبية في فهم عمق الكون، وآمن الفارابي بقدرة الوحي والعقل معًا، بينما أكد ابن النفيس على قدرة العقل على استنتاج المعارف الدينية والدنيوية.

توفي ابن النفيس في علم 688 هجريا عن عمر ال 80 عاما  مخلفا أثرا  كبيرا ومهما في تاريخ الحضارة  الإسلامية وفلسفتها قادت  البشرية إلى النور  ومزيدا من التقدم والمعرفة.