السبت 4 مايو 2024

روائع معمارية.. قبة الناصر محمد بن قلاوون بالقلعة

مسجد الناصر محمد بن قلاوون بالقلعة

ثقافة24-4-2024 | 20:57

إسلام علي

يعتبر جامع الناصر محمد بن قلاوون في القلعة، واحدا من أكبر المساجد في العصر المملوكي، حيث تبلغ مساحته حوالي 7000 متر مربع، ومن اللافت في هذا المسجد وجود مئذنتين، ولكن موقعهما لا يزال موضع غموض، وذلك لأن نمط وضع المآذن في العصر المملوكي غالبًا ما كان بجانب بعضهما أو أعلى مدخل المسجد، مما يجعل موقعهما في هذا الجامع غير مألوف.

يتألف مسجد الناصر محمد، من أربع ظلات تحيط بالمسجد من الداخل، وكل ظلة تحتوي على صفوف من الأعمدة، مما يعطي المسجد مظهرا يشبه غابة من الأعمدة، أما في ظلة القبلة، فتوجد قبة خضراء تعلو المحراب، بارتفاع يقارب 21 مترًا.

من الناحية المعمارية، تتألف القبة من مساحة مكعبة الشكل، يليها منطقة انتقال مثمنة، ومن ثم تأتي القبة ذات العقد المدبب ذات اللون الأخضر، التي تشبه الطواقي التي ترتديها بعض الفرق الصوفية التي كانت منتشرة في ذلك العصر.

تبدأ القبة من الأسفل بقاعدة، تحتوي على 10 أعمدة من الجرانيت ذات الشكل الأسطواني، تدعم فوقها 9 عقود مخموسة، وهي سمة شائعة في وضع مثل تلك العقود في العمارة المملوكية.

 ويعلو هذه الأعمدة كتابة بخط النسخ مفادها "بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين أمنوا أركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون - بسم الله الرحمن الرحيم إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشى ألا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين صدق الله العظيم مما أمر به مولانا السلطان الناصر ابن مولانا السلطان الشهيد المرحوم الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون تغمده الله برحمته وذلك في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة". 

ويعلو المساحة السفلية، "مناطق الانتقال" التي يتم الانتقال بواسطتها من مساحة إلى أخرى، وأحتوت على مقرنصات خشبية في الأركان الأربعة، وفي المسافة بين المقرنصات وبعضها البعض، يوجد ثلاث نوافذ، كسيت بالزخارف الهندسية التي امتلكت معاني روحية في هذه الحقبة من الزمان.

توجت العناصر المعمارية السابقة، بقبة كانت عند إنشائها مزينة ببلاطات من القاشاني الأخضر، ولكن بعد تجديدها من قبل المجلس الأعلى للآثار، تمت تغطيتها ببلاطات لا تمت بصلة إلى البلاطات الأصلية، مما أدى إلى تشويه المظهر العام للقبة، ونتيجة لهذا التغيير، قد يبدو للزائر أن القبة حديثة البناء، وليس لها الطابع الأثري الأصيل.

معاني روحية.. في القبة المملوكية الخضراء

 

اعتمد المعماري والفنان على مجموعة متنوعة من العناصر التي تعكس روح العصر المملوكي، بما يتماشى مع تقاليده المعمارية والفنية، ومن بين هذه العناصر استخدام الآيات القرآنية التي تحمل دلالات روحية، إلى جانب اللون الأخضر والمقرنصات.

 

الآيات القرآنية

 قام الخطاط بوضع آيات من القرآن الكريم تضفي معاني عميقة تعبر عن جوهر الإسلام.

واختار، الخطاط، الآيات رقم 77 من سورة الحج ورقم 18 من سورة التوبة، لتوصيل رسائل تحمل مغزى روحاني، فتشير هاتان الآيتان إلى أن الصلاة الحقيقية لا تتعلق فقط بالحركات الجسدية، بل تتطلب حضور القلب والروح، ما يعزز التواصل الروحي مع الله والكون، كما تبرز هذه الآيات أن السعادة الحقيقية تأتي من العبادة الكاملة التي تشمل جميع جوانب الخير، وليس مجرد أداء الصلوات بشكل سطحي.

اللون الأخضر

زينت القبة من الخارج باللون الأخضر، وهو لون يحمل في ذلك العصر دلالات روحية عميقة.

 يرمز بالأخضر إلى تجاوز المسلم للوعي المادي، والوصول إلى مستوى يمكن فيه رؤية الحقائق بعين العقل والقلب، وليس فقط من خلال الرؤية المادية. وبالتالي، يجسد اللون الأخضر في العمارة الإسلامية هذه الفكرة عن السعي إلى الإدراك الأعمق للواقع الروحي، ويشير إلى تطلع الإنسان للحقائق الأسمى والتواصل مع الجوانب الروحية في الحياة.

 

المقرنصات

توجد في الأركان العلوية الأربعة، والتي تؤكد على معنى الآية القرآنية "فأينما تولوا فثم وجه الله أن الله واسع عليم" مما يدل على وجود الخالق في كل مكان".