الأحد 5 مايو 2024

روائع معمارية.. قبة الصالح نجم الدين

قبة الصالح نجم الدين أيوب

ثقافة25-4-2024 | 20:27

إسلام علي

تمتاز القباب المصرية، منذ العصور الإسلامية الأولى وحتى نهاية فترة حكم العثمانيين، بتنوع عناصرها المعمارية والزخرفية التي صممت لتنقل رسائل معمارية متعددة إلى الأجيال اللاحقة، فهي تجسد تفاصيل تصميمية متنوعة، تعتمد على مجموعة من العناصر، منها الموقع المناسب لكل عنصر معماري، فضلا عن استخدام العناصر المعمارية والزخرفية بنسب هندسية مثالية وغير تقليدية.

ساهمت القباب الإسلامية في العصور الأيوبية، في توجيه اهتمام الباحثين نحو العلاقة بين تصميم القباب ومواد بنائها والطبيعة المحيطة بها، ومن بين هذه القباب، تبرز قبة الصالح نجم الدين أيوب في شارع المعز.

أنشأت هذا الضريح شجرة الدر، زوجة السلطان نجم الدين، في عام 1249م، والذي حكم مصر من عام 1240 إلى 1249م، يقع هذا الضريح أمام مجموعة قلاوون مباشرة، ويتم الدخول إليه عبر مدخل يحمل لوحة تذكارية لوفاة السلطان نجم الدين عام 647 هجريًا، الموافق 1249 ميلاديًا، وبعد عبور المدخل، يوجد باب يقود إلى الضريح على الجانب الأيمن مباشرة

انحرف الضريح قليلا باتجاه الجنوب الشرقي نحو الكعبة المشرفة، مما أدى إلى زيادى سمك الجدار في هذا الجانب إلى حوالي 5 أمتار، تم تصميم الضريح على ثلاثة أشكال رأسية متجهه نحو الأعلى، حيث يتكون من المكعب السفلي، ومن ثم المثمن الذي يعلوه قبة مخروطية مزينة بعقد مدببة، وقد زين المبنى باللون الأبيض، الذي كان له دلالات عقائدية في ذلك الوقت.

زين محراب القبة الذي يقع في الجانب الجنوبي الشرقي، بالفسيفساء الخضراء، ويتقدمه عمودان من الرخام الأخضر، ومن ثم يعلو المكعب السفلي، منطقة الانتقال، التي تظهر من الخارج بشكل هرمي مدرج، ومن الداخل تظهر، بثلاث طبقات من المقرنصات التي تسهل الوصول إلى قاعدة القبة التي تحتوي على ثمانية نوافذ مستطيلة، ويعلوها القبة المزينة باللون الأبيض.

رمزيات ثقافية تزين قبة نجم الدين

استخدم المزخرف، لأول مرة في تاريخ العمارة الإسلامية في مصر، محرابًا مزينًا بالفسيفساء الرخامية المستندة على أشكال هندسية، وكان سبب استخدام هذه المادة، هو سعي الفنان المسلم إلى تجريد كل شيء في العالم المادي، ففي المنظور الكوني التقليدي لدى مسلمي العصور الوسطى، يعتبرون أن كل شيء في الكون كان في البدايات عبارة عن أشكال هندسية، وقد صيغت هذه الأشكال في هيئة العوالم المرئية التي نراها الآن.

وسعى المزخرف إلى إبراز دور الضوء عند إنعكاسه على الفسيفساء، فالضوء يرمز إلى الخالق الذي يعكس نوره على العوالم الدنيا فيخلق منها العديد من الأشكال و الأكوان بيديه، والمراد بتلك العوالم، الأشكال الهندسية التي شكلها الفنان المسلم بالفسيفساء ليعبر عن هذه الفكرة.  

وأنعكس الفكر الثقافي، على الألوان في العصور الوسطي، فكان لكل لون رمزية محددة توضع على أساسها في داخل المساجد أو غيرها من المباني، فاللون الأبيض، له رمزية النقاء الروحي، والقرب من الله، مما يتناغم مع فكرة الأضرحة الإسلامية، فضلا عن تواجده على الأضرحة المرتبط بالتأمل والإرتقاء الروحي إلى درجات أعلى من الوعي.

وتجلى اللون الأخضر على أعمدة المحراب، ليؤكد على معناه الروحي عند المسلمين، وهو تجاوز الوعي الوجودي والحضور القلبي بدلا من الحضور الجسدي، مما يتوافق مع معنى المحراب في الشريعة الإسلامية.