الخميس 20 يونيو 2024

السياسة الخارجية المصرية في الجمهورية الجديدة


الدكتور طارق فهمي

مقالات7-6-2024 | 20:46

طارق فهمي

إن بناء مصر لدوائر جديدة للسياسة الخارجية للجمهورية الجديدة في مناطق النفوذ الإقليمي والدولي يمكن أن يتعزز في عدة دوائر.

1- الدائرة الأولى: منطقة شرق المتوسط وهي دائرة مهمة نجحت مصر في التعامل معها خلال الفترة الماضية وبنت حضورا سياسيا واستراتيجيا كبيرا يحسب للدولة المصرية، وهو ما يمكن أن يؤكد على مكانة، وموقع مصر الاستراتيجي من خلال إعادة وفرض الترتيبات الأمنية والاستراتيجية بصورة واضحة وملفتة.

2- الدائرة الثانية: البحر الأحمر ويمكن للدولة المصرية التحرك في هذه الدائرة عبر فرض استراتيجية متعددة المحاور ونقاط الارتكاز خاصة وأن مصر تربطها بدول البحر الأحمر كثيرا من الروابط  السياسية والاستراتيجية والأمنية، وهو ما يمكن أن يفرض استراتيجية ودائرة نفوذ استراتيجي كبيرة في الفترة الراهنة والمقبلة ومن خلال قاعدة التشبيك الرئيسية الحاكمة لمصالح مصر الكبرى في هذه المنطقة وبصرف النظر عن تحركات الدول المناوئة والتي تعمل في دوائر متقاطعة ومتداخلة وهو ما يجب الحذر منه في التعامل.

3- الدائرة الثالثة: الاتجاه شرقا وهي دائرة مهمة لسياسة مصر الخارجية ولا تقتصر على العلاقات المصرية مع كل من الهند والصين بل ودول جمهوريات آسيا الوسطى ومناطق التماس المجاورة لها ويمكن لصانع القرار التحرك في نطاقات متعددة اعتمادا على موروث سياسي وتاريخي كبير وفي ظل التحولات الكبيرة في بيئة النظام الدولي الراهن، وهو ما يٌمَكِّن الدولة المصرية من تحقيق مصالحها الكبرى والممتدة في نطاقاتها المختلفة ويحجز لمصر موقعا متقدما للسياسات المصرية الدولية خاصة مع عدم وجود مساحات للتباينات أو التجاذبات على عكس دوائر الحركة للقوى الدولية الأخرى.

4- الدائرة الرابعة: تجديد حركة عدم الانحياز والعمل على نطاقات أوسع وامتداد استراتيجي شامل، وهو ما يمكن أن يعيد الحضور الدولي لمصر في نطاقات واسعة ومناطق كبيرة خاصة وأن مصر لها حضورها الكبير في علاقاتها الخارجية واستنادا إلى العالم في الوقت الراهن يحتاج إلى إعادة ترتيب مصالحه وفقا لمعادلات القوة الراهنة والمحتملة مما يؤكد على أن مصر يمكنها التعامل السياسي والاستراتيجي بل والاقتصادي من خلال رؤى ومقاربات غير تقليدية، وفي ظل مصالح متبادلة وتشابكات متعددة تقوم على إعادة تسويق خيار المصالح الكبرى لدول عدم الانحياز التاريخية والبناء على ما هو موجود، ومن ثم فإن استراتيجيات التعامل ستبنى على مقاربات ممتدة ومؤثرة.

5- الدائرة الخامسة: دائرة التحالفات الكبرى والمتوسطة للدول الكبرى ومنها ما هو قائم ويمتد في نطاقات محددة سواء التي تقيمها كل من الولايات المتحدة أو روسيا، وبعضها مؤثر وفاعل ويقوم على امتدادات الأقاليم الكبرى وإن كان يحتاج إلى تناول ودراسات معدة سلفا ومنه تحالف الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والهند، ومنه أيضا نظام معاهدة الأمن الجماعي التي بدأت روسيا العمل من خلاله في خطوة يفهم منه أنه نظام قائم على التفاعلات الإقليمية والدولية المتماسكة ولعل التحاق مصر بمنظمة شنغهاي كشريك تفاعلي يعبر عن ذلك، ومن ثم فإن قدرة الدولة المصرية في العمل والتفاعل مع ما يجري من ترتيبات سياسية وجيو استراتيجية مهم ويحتاج إلى مقاربات حقيقية ونشطة وما ينطبق على شنغهاي قد ينطبق على البريكس وسائر المنظمات الداخلية والإقليمية الأخرى.

6- الدوائر التقليدية: سيحتاج تعزيز العمل في هذه الدوائر التقليدية (العربية والإفريقية) إلى مقاربات مختلفة، والعمل على استراتيجيات ممتدة والخروج من دائرة التعامل التقليدي في ظل التحديات والمخاطر التي تواجه الدولة المصرية من جانب كما يحتاج إلى تفاعلات مختلفة يمكن البناء عليها خاصة وأن الوضع الراهن للنظام الإقليمي العربي سيتطلب تحركا عربيا مسئولا لإدارة رشيدة لنظام عربي عربي يقف في مواجهة النظام الشرق أوسطي المطروح ويعطي فرصا حقيقية في التعامل، وهو ما قد يدفع مصر إلى بناء تحالفٍ عربيٍ أوسع تشمل مصر والأردن والعراق وسوريا والجزائر ولبنان كخطوة قد تفتح الباب أمام تحالفات سياسية حقيقية في المدى المتوسط، كما يمكن دراسة بناء تحالف مصري خليجي أوسع يمتد ليشمل المغرب والأردن في إطار المصالح المشتركة ويعطي دلالات الاستمرار في النهج العربي العربي وليس الاتجاه إلى النهج الشرق أوسطي إضافة لإمكانية بناء مصر لتحالف استراتيجي في نطاقات فوق إقليمية وهو ما يمكن أن يكون في أشكال التحالفات شرق متوسطية على غرار إنشاء تحالف شرق متوسطي يضم دول الإقليم بأكمله ويسمح بالعمل معا في إطار إستراتيجية ممتدة حقيقية يمكن البناء عليها ويعمل في اتجاه المنافع الكبرى التي قد تطرح في سياقات إقليمية متنوعة، وهو ما يجب الانتباه إلى تبعاته في الفترة المقبلة خاصة وأن تحقيق المصالحة المصرية التركية سيسمح بالكثير من المعادلات المصرية الإقليمية والتي قد تخرج عن سياق السياسة الخارجية المصرية الراهنة، ويبني معادلات جديدة للقوة السياسية والاستراتيجية وفي ظل تفكيك الارتباطات العتيقة للسياسة الخارجية المصرية إلى دوائر أشمل وأوسع تتيح  التحرك المصري الممتد في نطاقات عربية وإقليمية كبيرة بل وقد يؤدي لتغيير حقيقي في نمط التوجهات السياسية لمصر مع القوى الكبرى بل ومع الولايات المتحدة وروسيا، وهو ما يجب الانتباه إليه جيدا في حال المضي في سياقه وفي ظل ما يجري من تطورات في بنية النظام الدولي الراهن والتي تتسم بالكثير من التطورات التي يمكن للدولة المصرية التحرك في منظومتها بل والتعامل والاشتباك الجاد والفاعل من خلال إعادة ترتيب الخيارات والأولويات المصرية العليا مع الاحتفاظ بمساحات كبرى يمكن لمصر العمل فيها في دوائر النفوذ التقليدية، ومنها التعامل مع التطورات الليبية الراهنة انطلاقا من استراتيجية بقاء الأوضاع على ما هي عليه بين ليبيا الشرقية وليبيا الغربية مثلما جرى التعامل المصري مع رام الله وقطاع غزة إضافة للتعامل الدبلوماسي وفق منظومة متفاعلة تشمل الجمع بين المصالح الكبرى للدولة المصرية وبناء استراتيجية ممتدة تحافظ على المكاسب التي تمت وتحققت  طوال الفترات الماضية من إنجازات يمكن البناء عليها مع إعادة بناء منظومة المصالح السياسية والاقتصادية، والاستراتيجية في إطار أشمل وممتد ويمكن للدولة المصرية التحرك في دوائر كاملة انطلاقا مما تملكه مصر من قدرات وإمكانيات، وقدرات دبلوماسية واعتمادا على الدبلوماسية الرئاسية التي مكنت الدولة المصرية من تحقيق إنجازات كاملة في مسارات التفاعلات الإقليمية، والكبرى التي حققتها مصر، ومن خلال مقاربات اعتمدت فيها أجهزة المعلومات (المخابرات/ الخارجية) على حسابات القوة الشاملة التي تملكها مصر الأمر الذي يؤكد ويعمق فكرة المصالح العليا للدولة المصرية، ويؤكد على ما يمكن لمصر أن تعمل في إطاره، وعبر أدوات ووسائل غير تقليدية حقيقية في المديين المتوسط وطويل الأجل.

ختاما : إن رسم دوائر جديدة للسياسة الخارجية المصرية وإعادة ترتيب دوائر أخرى في نطاقاتها في ظل الجمهورية الجديدة تحقق مكاسب كبرى للدولة المصرية في مختلف الأصعدة خاصة وأن التحرك المصري يمضي في مسارات واتجاهات متفاعلة ومتكاملة يمكن البناء عليها اعتمادا على معطيات الدبلوماسية الذكية والتي ستحقق لمصر الكثير من الإنجازات الحقيقية والكاملة، والتي ستؤكد على استراتيجية مصر الحقيقية في دوائرها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية، وهو ما يمكن التعويل عليه في مسارات التحرك مع التأكيد على تشبيك المصالح الكبرى للدولة المصرية في دوائرها التفاعلية والممتدة، والتي يمكن ترسيمها في سياقات متعددة تحافظ على مصالح الدولة المصرية، وتحفظ لمصر دورها في منظومة العلاقات الإقليمية والدولية

أن يحجز دورا مركزيا لمصر في الإقليم وخارجه…