على مدار الشهور الماضية، واجه الاقتصاد المصري، عقبة بالغة التعقيد، وهي الارتفاع السريع، والمتتالي في سعر الدولار الأمريكي، قبل أن تنجح الجهود المضنية التي بذلتها الحكومة في دفع العملة الخضراء نحو تراجع وصفه البعض بالانهيار.
ولم يستقر الدولار متراجعا، فترة كافية لالتقاط الأنفاس، وإنما فوجئ به الجميع، يستقل مصعد الارتفاع من جديد حاصدا في طريقه معظم ثمرات الإصلاح الاقتصادي، ونتائج حالة التقشف التي يعيشها المصريون، وما بين ليلة عشية يتراجع فيها، وضحى ينفلت فيه مرتفعا، تحول الدولار إلى سلعة، بدلا من بقائه في كوسيلة لشراء السلع، حتى صار له سوقا رسمية، وأخرى موازية «سوداء»، فما الأسباب، وأبرز وسائل الحل؟
في البداية لابد من الإشارة إلى أن التصريحات الرسمية، التي أصدرها محافظ البنك المركزي، حول القضاء على السوق السوداء إلى غير رجعة، هي في حقيقتها تصريحات وردية أزيد من اللازم، ولا تتوافق مع الواقع؛ خاصة وأن الشواهد الواقعية تؤكد أنها تطل برأسها من جديد، لليوم الثالث على التوالي، بعد 3 شهور من الاختفاء.
المستوردون يؤكدون أن البنوك ما زالت تلبي الكثير من احتياجاتهم الدولارية، بالأسعار الرسمية، لكنها تعطى أولويات لتدبير العملة، وهو ما يعنى أن استيراد بعض السلع، ليس على أولوية البنوك؛ لذا يلجأ العاملون في هذه الأنواع من السلح إلى الحصول على الدولار من خارج النظام الرسمي.
وأفصح عدد من المتعاملين بالأسواق، عن أن سعر الدولار بلغ في السوق الموازي 18 جنيها، خارج البنوك، والصرافات، التي يشرف عليها البنك المركزي، موضحين أن أغلب من يطلب الدولار، هم المستوردون الصغار، ومازاد الأمر صعوبة هو عودة المواطنين إلى تخزين العملة الخضراء، والتعامل معها كسلعة تدر ربحا.
وقال أحد المستوردين إن البنوك تدبر له كامل احتياجاته، إلا أن مستوردي الخامات لا يتمكنون من فتح اعتمادات لدى البنوك، ويلجأون إلى السوق السوداء؛ لأن البنك يوفر الدولار للمصانع، والقطاعات ذات الأولوية، مثل: الأدوية، والصناعات الغذائية.
وأوضح أحد سماسرة العملة، أن السوق ما زال متشبعا بالمنتجات، والسلع، التي تم استيرادها عند سعر 20 جنيهًا للدولار، وهو ما يعني أن المستوردين لن يظهروا بين يوم وليلة، ليرفعوا الطلب على العملة.
وقالت نورة ناجي مدير أحد فروع البنك الاهلي المصري، بأن البنوك غطت الفترة الماضية، نسبة كبيرة من الاعتمادات للقطاعات الأساسية، وعودة السوق السوداء، بهذه القوة، أمر غير مبرر، مشيرة إلى أن مخزون العام الماضي، من السلع، ما زال مطروحا في السوق المحلية، لكن لا توجد آلية لتحديد مدى تغطيته للاستهلاك؛ لأن المخزون غير معلوم بخلاف أن معدلات الاستهلاك غير متوقعة.
وأضافت ناجي أن آلية العرض والطلب تتعارض مع وجود سعرين للدولار؛ لأن حصيلة البنوك الدولارية إذا كانت تغطى الطلبات فلماذا ظهرت الأسواق الموازية؟