السبت 28 سبتمبر 2024

صلاح أبوسيف.. ساحر الواقعية

صلاح أبوسيف

بورتريه الهلال22-6-2024 | 18:02

همت مصطفى

كان ساحرًا متفردًا في التقاط  قصصه وحكاياته من بين واقعنا الذي نعيشه يومًا بعد يوم، فأصبح رائدًا للسينما المصرية الواقعية،  وكان واعيًا  ينهل  من ألوان الأدب  المصري والعالمي لكبار الكتاب والأدباء، ليقدم لنا شخصيات تتحرك بصدق أمام الكاميرا، فخاض رحلة مهمة ومسيرة حافلة امتدت لما يقارب النصف قرن مع السينما المصرية، فأثرى من خلالها الحركة الفنية بتجارب مهمة حفر بها لنفسه مكانة متميزة جعلته واحدًا من أهم المخرجين في تاريخنا الفني، إنه المخرج صلاح أبو سيف. 

 

قدم صلاح أبو سيف غالبية أفلامه من عالم القصة، والرواية المصرية والعالمية، كما دفع بأقلام وموهبة كبار الكتاب والأدباء في مقدمتهم أديب نوبل العالمي، أن يكتبوا قصص أفلامه ويبدعون في تقديم السيناريو والحوار للكثير من أفلامه مشاركهم هذا الإبداع.

 

من قصص عاشق الحب والحرية

 

قدم «أبو سيف» فيلمه «لا أنام» عام 1957 م، والذي اعتمدت  قصته على رواية بالاسم  نفسها للأديب الكبير عاشق الحب والحرية إحسان عبد القدوس، لكبار نجوم الفن فاتن حمامة، يحيى شاهين، هند رستم،  وصنف الفيلم في المرتبة 29 ضمن قائمة لجنة المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة لأفضل الأفلام المصرية، ويعد الفيلم واحد من أول عشرة أفلام مصرية ملوّنة.

 

وقدم أيضا « أبو سيف»  في العام نفسه 1957 م، من أدب «عبد القدوس» فيلمه «الوسادة الخالية» عن واحدة من المجموعة القصصية، بنفس الاسم وتتألف من خمسة قصص وهي «الوسادة الخالية – هي الله محبة – كل النساء – دعني لولدي – عمرنا»، ويجمع فيها «إحسان» بين القصص فكرة الحب الذي لم يُكتب له أن يكتمل فهو تعالج الفكر الراسخ لدى البعض بأن الحب الأول هو الحب الأوحد حتى وإن تعددت العلاقات.

 

وقدم مخرجنا رائد الواقعية فيلم «أنا حرة» عام 1959م  عن قصة  إحسان عبد القدوس، وتدور الأحداث في فترة ما قبل ثورة يوليو عام 1952 والشخصية الرئيسية هي شخصية أمينة الفتاة متمردة على تربيتها وتقاليد وعادات المجتمع التي تفرض على المرأة قيود معينة.

 

 كما قدم «أبو سيف» فيلمه «البنات والصيف» عن رواية، بالاسم نفسه 1960م، نسج فيها إحسان عبد القدروس من حكايات البنات  شخصياتها مايسة وديدي وناهد، ومدحت وسامي وماجد، والصيف زمانهم والشاطئ مكانهم،  ومشاهد تتوالى وأحداث تتشابك وعواطف تلتهب ومن خلال سطور وشخصيات وكلمات ومشاهد إحسان عبد القدوس، الممتلئة بالخيال، والمتحركة ضمن الواقع الذي يتآلف القارئ معه، فيمضي مع القضية ليشاهدها ويحس بها وكأنه أحد شخصياتها، ليقدم فيلمه بإبداع إلى الجمهور.

 

ومن أدب إحسان عبد القدوس  عن رواية «لا تطفيء الشمس» شاهد جمهور سينما أبو سيف عام 1961م الفيلم.

 

وقدم «أبو سيف» فيلم «سقطت في بحر العسل»  عرض عام 1977، من بطولة محمود ياسين ونبيلة عبيد ونادية لطفي، ومن إخراج صلاح أبو سيف، والمأخوذ عن قصة رواية  الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس 

 

من قصص وروايات أديب نوبل  نجيب محفوظ  

 

قدم صلاح أبو سيف 1959 م عن قصة ورواية الأديب نجيب محفوظ فيلمه «بين  السما والأرض» كأول تجربة تجمعهما بالسينما وعقب ذلك  ومن أفلام صلاح أبو سيف كان  «فيلم بداية ونهاية« قصة أيضًا أديب نوبل صدرت عام 1949، وهي مستوحاة من قصة حقيقية لأسرة كان يعرفها نجيب محفوظ.

 

و تعالج الرواية حياة أسرة فقيرة تتكون من الأمّ وأبنائها الأربعة تعيش على راتب تقاعد الأب المتوفى، والرواية ذات طابع تراجيدي، فيها تتبع وتصوير تعقيد الحياة وعلاقات الأفراد، والتقاء التفاعلات الاجتماعية مع الواقع،  ويذكر أنها أول رواية لمحفوظ تحوّل إلى فيلم سينمائي عام 1960م.

 

وشاهد جمهور السينما لأول مرة فيلم «القاهرة 30»  عام 1966م، عن رواية نجيب محفوظ «فضيحة في القاهرة» عام 1945 م، وأعيد نشرها مرة أخرى باسم «القاهرة الجديدة»، ووقرر أن يحولها المخر صلاح أبو سيف إلى فيلم شارك في كتابته حمل اسم «القاهرة 30»، و نُشرت الرواية فيما بعد بالاسمين معًا، في طبعات مكتبة مصر، وهي ظاهرة لم تحدث بأي رواية أخرى من تأليف المؤلِّف،

 

وكانت الرواية مختلفة كثيرًا عن أعمال«محفوظ» التي نشرها في النصف الثاني من الأربعينيات من القرن العشرين؛ و تدور في بيت الطلبة، وأبطالها هُم من الطلاب الذين تناثرت طموحاتهم، وعلى رأسهم كلٌّ من محجوب عبد الدايم، وعلي طه، اللذين سيتبادلان فيما بينهما الفتاة إحسان التي تحبُّ الأول، وتتزوَّج مصادفةً من الثاني، أمَّا الطالب الثالث فهو أحمد بدير الذي يعمل أيضًا بالصِّحافة.

 

وقدم صلاح أبو سيف فيلم «لا وقت للحب» 1963 لجان السينما المصرية رشدي أباظة، وسيدة الشاشة فاتن حمامة، عن   قصة طويلة للكاتب الكبير  يوسف إدريس، و كتب لها السيناريو لوسيان لامبير، والحوار كتبه يوسف إدريس نفسه، ويذكر أنها كانت المرة الأولى والأخيرة، التي يكتب فيها حوارًا سينمائيًا بعيدًا عن مملكته في القصة والرواية.

 

 وأخرج صلاح أبو سيف فيلمه  للدراما الاجتماعية، «القضية 68» في  نهاية عام 1968 م، عن مسرحية الكاتب لطفي الخولي، وفي عام 1969   كما نهل صلاح أبو سيف من عالم الأديب الساهر واحدة من أشهر رواياته وهي«شيء من العذاب» وقدمها بالاسم نفسه فيلمًا من بطولة سعاد حسني وحسن يوسف ويحيى شاهين.

 

وقدم فيلم «السقا مات» سنة 1977، والذي  يتناول الواقع المصري من خلال حارة مصرية خلال عقد العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، للمخرج صلاح أبو سيف، وإنتاج يوسف شاهين،  والفيلم مقتبس م عن رواية الأديب  ليوسف السباعي صدرت لأول مرة سنة 1952 م يعتبرها الكثير من النقاد أهم روايته.

 

 وقدم فيلم «الكداب» عن رواية  لأشهر من كتب في أدب الجاسوسية العربية وهو صالح مرسي، ومن بطولة محمود ياسين، ميرفت أمين، مديحة كامل، شويكار، سمير غانم وحمدي أحمد.

 

وقدم لكبا الكتاب في الجانب التاريخي الإسلامي فيلم «القادسية» للكاتب محفوظ عبد الرحمن وعلي أحمد باكثير،  وترتكز أحداث الفيلم حول معركة القادسية 636م، بين الجيش الإسلامي بقيادة سعد بن أبي وقاص بعد وفاة المثنى بن حارثة الشيباني قبل المعركة، و الجيش الفارسي بقيادة رستم.

وفي خطواته الأخيرة من رحلته الفنية، قدم «أبو سيف» الفيلم المتميز «المواطن مصري»1991م، من بطولة الممثل العالمي عمر الشريف والفنانين عزت العلايلي والممثلة صفية العمري،  عبد الله محمود وأشرف عبد الباقي، عن رواية «الحرب في بر مصر»  للأديب يوسف القعيد، والتي حازت على المرتبة الرابعة ضمن أفضل مئة رواية عربية.والفيلم سيناريو وحوار محسن زايد وموسيقى ياسر عبد الرحمن. 

الأدب العالمي

قدم صلاح أبو سيف فيلمه الرومانسي والموسيقي «رسالة من امرأة مجهولة» 1962م لنجم الفن العربي فريد الأطرش ولبنى عبد العزيز، من إنتاج صلاح ذو الفقار، وهو مأخوذ عن قصة قصيرة تحمل نفس الاسم للكاتب النمساوي   استيفان زيفايج.

كما قدم صلاح أبو سيف فيليمين عن قصة واحدة من الأدب العالمي، حيث قدم «لك يوم يا ظالم» عام 1951، لفاتن حمامة ومحمود المليجي، وقصة الفيلم مستوحاة من «تيريز راكون» وهي رواية   للفرنسي  «إميل زولا» والتي نشرها أول مرة عام 1867، فيما قدمها «أبو سيف» ثانية من خلال فيلم جديد باسم «المجرم» عام  1978م من بطولة محمد عوض وحسن يوسف وشمس البارودي.

ورغم أننا نشهد اليوم ذكرى رحيل المبدع ورائد الواقعية بالسينما المصري، حيث غادر عالمنا في 22 يونيو 1996م، لكنه  باق وأثره الكبير في تنمية وتطور وعي المواطن المصري من الجانب الثقافي والفني لن يزول أبدًا فسيظل سمة  واضحة ونجما يتلألأ في  تاريخنا الفني وخاصة عالم السينما وبين جماهير أفلامه المتفردة.