الإثنين 22 يوليو 2024

جرجي زيدان.. مؤسس دار الهلال وأمير الرواية التاريخية

جرجي زيدان

ثقافة21-7-2024 | 11:14

بيمن خليل

رمز من رموز الأدب العربي، وأديب لبناني بارع، ومؤرخ عظيم، ومؤسس دار الهلال العريقة، شخصية استثنائية نقشت اسمها بأحرف من ذهب في سماء الأدب العربي، بخياله الجريء وأسلوبه البارع في الكتابة، ألهم الجماهير وأصبح شخصية لامعة تحظى بتقدير وإعجاب الكثيرين، إنه رمز للشغف والتفاني في عالم الأدب، والرائد الذي شق طريقًا جديدًا للكلمات، فأضفى على الأدب العربي بريقًا لا يُضاهى وعمقًا لا يُمحى، تأخذنا قصصه ورواياته في رحلة سحرية إلى عوالم مليئة بالأحاسيس والمعاني العميقة، مما أكسبه لقب "أمير الرواية التاريخية العربية".  

ذلك الفتى اللبناني الطموح لم يكن يعلم، وهو يتنقل بين دكان والده المتواضع ومدرسته الابتدائية، أنه سيصبح يومًا ما أحد رواد النهضة العربية الحديثة، بدأ رحلته مع الكلمة وهو في سن مبكرة، متنقلاً بين اللغات والثقافات، ناهلاً من معين المعرفة بنهم لا يشبع، من دراسة الطب إلى تعلم اللغات الأجنبية، ومن الترجمة إلى التأليف، شق طريقه نحو حلم كبير، إنه الأديب والمؤرخ والصحفي اللبناني العظيم جرجي زيدان.

الميلاد والنشأة

ولد جرجي حبيب زيدان في بيروت، لبنان في 14 ديسمبر عام 1861م، نشأ في أسرة مسيحية متواضعة الحال، تقطن قرية عين عنب في جبل لبنان، ويُعتقد أنّ أصولها تعود إلى حوران في سوريا، كان والده أميًا، لكنه امتلك مطعمًا في بيروت كان ملتقى عليه لكبار رجال الأدب واللغة، إضافةً إلى طلاب الجامعة الأمريكية.

أرسله والد جرجي ابنه إلى مدرسة بسيطة ليتعلم القراءة والكتابة، بهدف مساعدته في إدارة المطعم، وضبط الحسابات، أظهر جرجي شغفًا بالتعلم وسرعة في اكتساب المعارف، فالتحق بمدرسة "الشوام" حيث أتقن اللغة الفرنسية، ثم بمدرسة مسائية أخرى وتعلم اللغة الإنجليزية، عمل في مطعم والده لفترة، لكن والدته، رغبة منها في توسيع آفاقه، حثت زوجها على تعليمه حرفة أخرى، فتوجه جرجي، وهو في الثانية عشرة من عمره، لتعلم صناعة الأحذية لمدة عامين، قبل أن يتركها لعدم رغبته فيها.

الشغف بالعلم والمعرفة

برزت ميول زيدان نحو المعرفة والاطلاع، وازداد شغفه بالأدب، كان لرواد مطعم أبيه من المثقفين والأدباء وأصحاب الفكر والصحفيين وطلاب الجامعة الأمريكية تأثيركبير عليه، من أبرزهم هؤلاء: إبراهيم اليازجي، يعقوب صروف، فارس نمر، سليم البستاني، التحق زيدان بالكلية البروتستانتية (الجامعة الأمريكية لاحقًا) ونجح في اختبارات القبول لكلية الطب، وبعد عام من الدراسة، ترك الطب واتجه لدراسة الصيدلة.

الهجرة إلى  مصر

بعد فترة وجيزة من دراسته للصيدلة في بيروت، قرر جرجي الهجرة إلى مصر، اقترض ستة جنيهات من أحد جيرانه والتحق بكلية الطب هناك، لكن ظروفه المادية الصعبة دفعته للبحث عن عمل لتأمين معيشته، وجد ضالته في جريدة "الزمان" التي كان يملكها رجل من أصل أرمني، وكانت آنذاك الجريدة الوحيدة المتاحة في مصر بعد أن أوقف الاستعمار الإنجليزي نشاط الصحافة.

انتقل زيدان للعمل كمترجم في مكتب المخابرات البريطانية بالقاهرة، ثم رافق الحملة الإنجليزية المتجهة لإنقاذ القائد "غوردون" من حصار جيش المهدي في السودان، استمرت رحلته هناك عشرة أشهر، عاد بعدها إلى بيروت عام 1885م.

انضم إلى المجمع العلمي الشرقي الذي تأسس عام 1882م، حيث تعلم اللغتين العبرية والسريانية/ مكّنه هذا من تأليف أول كتاب في فلسفة اللغة العربية عام 1886م، وفي عام 1904م أصدر طبعة منقحة منه بعنوان "تاريخ اللغة العربية"، بعدها، زار إنجلترا ثم عاد إلى مصر مكرسًا حياته للصحافة والتأليف.

استقر زيدان في القاهرة مجددًا بعد عودته من إنجلترا، حيث عمل في التأليف والترجمة، أدار مجلة "المقتطف" لمدة 18 شهرًا قبل أن يستقيل، ثم درّس اللغة العربية في المدرسة العبيدية الكبرى لعامين، بعدها، اشترك مع الناشر والكاتب اللبناني نجيب متري في إنشاء مطبعة، لكن شراكتهما انتهت بعد عام واحد، احتفظ جرجي بالمطبعة وأسماها "مطبعة الهلال"، بينما أسس متري مطبعة مستقلة أسماها "المعارف".

تأسيس مجلة الهلال

أصدر زيدان مجلة الهلال عام 1892م، وتولى تحريرها بنفسه قبل أن يساعده ابنه إيميل لاحقًا، حققت المجلة شهرة واسعة خلال خمس سنوات فقط، ونشر فيها كتبه مثل "تاريخ التمدن الإسلامي" و"تاريخ آداب اللغة العربية" و"تراجم مشاهير الشرق"، إضافة إلى رواياته التاريخية الشهيرة مثل "المملوك الشارد" و"أرمانوسة المصرية".

استقطبت مجلة الهلال كتابات عمالقة الفكر والأدب في مصر والعالم العربي، وترأس تحريرها كبار الأدباء أمثال حسين مؤنس، أحمد زكي، علي الراعي، وصالح جودت.

تُرجمت روايات زيدان إلى لغات عدة منها الفارسية والتركية والأذربيجانية، تميز في كتاباته بالتركيز على فترات الصراع على السلطة والنفوذ في التاريخ الإسلامي، متأثرًا بنظرة الغربيين للعالم الإسلامي، مما عرضه للنقد شكلًا ومضمونًا.

وفاته

رحل المفكر والأديب جرجي زيدان في 21 يوليو 1914، تاركًا وراءه إرثًا غنيًا في مجالات الصحافة والتأليف والترجمة، رثاه كبار الشعراء مثل أمير الشعراء أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وخليل مطران، تقديرًا لمسيرته الحافلة بالعطاء والإبداع.