السبت 30 نوفمبر 2024

قراءة تحليلية لاتفاق مصر مع صندوق النقد الدولى

  • 1-3-2017 | 11:23

طباعة

بقلم: د. حسين عيسى

تعددت فى الآونة الأخيرة الأحاديث والمداخلات واللقاءات الإعلامية التى تناولت اتفاقية الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولى، وللأسف لم تظهر الحقائق الواضحة والأهداف الكاملة والإجراءات السليمة التى تكتنف هذا الموضوع ... والشيء العجيب أن يحدث هذا فى ظل قصور حكومى واضح فى إعلان التفاصيل كافة من ناحية .. مع اتخاذ صندوق النقد الدولى خطوة مهمة فى هذا الصدد وهو إعلان تفاصيل الاتفاقية مرتين الأولى يوم ١٩ أغسطس الماضى بعد أسبوع من التوقيع المبدئى، والثانية يوم ٨ نوفمبر الماضى وذلك قبل ٣ أيام من الموافقة النهائية عليها والتى تمت يوم الجمعة ١١ نوفمبر، والمثير للدهشة أن تفاصيل هذا الموضوع ظهرت على موقع صندوق النقد المتاح للجميع على الإنترنت، ومع ذلك لم تسعِ الحكومة المصرية إلى نشر هذه التفاصيل التى تهم الرأى العام وترد على الكثير من الأقاويل والشائعات والأكاذيب.

لقد لجأ الصندوق إلى عرض تفاصيل الاتفاق مع مصر فى صورة أسئلة وأجوبة، حتى يسهل شرح التفاصيل الفنية المعقدة فى صورة سهلة مفهومة للقارئ العادى.

وأتوجه للقارئ العزيز فى كل مكان بهذه التفاصيل التى تهم كل المصريين والتى كتبها خبراء صندوق النقد الدولى بأنفسهم وليس أعضاء الحكومة المصرية.

مقدمة:

فى ١١ أغسطس ٢٠١٦، أعلن الصندوق أنه توصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع السلطات المصرية للاستفادة من “تسهيل الصندوق الممدد”(EFF) لفترة ثلاث سنوات، مما يتيح لمصر الحصول على٨.٥٩٦٦ مليار وحدة حقوق سحب خاصة (٤٢٢٪ من حصة مصر أو حوالى ١٢ مليار دولار أمريكى).

ويرتهن هذا الاتفاق بموافقة المجلس التنفيذى للصندوق، الذى يتوقع أن ينظر فى طلب مصر فى الأسابيع القادمة (وهو ما تمت الموافقة عليه نهائياً يوم ١١ نوفمبر ٢٠١٦) ويدعم “تسهيل الصندوق الممدد” برنامج الإصلاح الاقتصادى الشامل الذى وضعته السلطات لاستعادة الاستقرار الاقتصادى الكلى وتحقيق نمو قوى وغنى بفرص العمل على أساس قابل للاستمرار، ومن المقرر أن يهدف البرنامج بعد موافقة المجلس التنفيذى للصندوق عليه إلى تحسين عمل أسواق النقد الأجنبي، وتخفيض عجز الموازنة والدين الحكومى، ورفع معدل النمو، وخلق فرص العمل وخاصة للمرأة والشباب، كذلك يهدف البرنامج إلى تعزيز شبكة الأمان الاجتماعى لحماية محدودى الدخل أثناء عملية الإصلاح الاقتصادى.

السؤال الأول: كيف يمكن أن يساعد قرض صندوق النقد الدولى الشعب المصرى؟

الإجابة: المساعدة المالية من الصندوق يمكن أن تدعم موارد مصر المالية فى الوقت الذى تعمل فيه السلطات المصرية على تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادى بهدف استعادة الاستقرار المالى وتحقيق نمو قوى وغنى بفرص العمل.. وبعبارة أخرى، يمكن أن توفر هذه المساعدة هامشا من الحماية المالية بينما تُجرى مصر التغييرات اللازمة لمساعدة الاقتصاد على النمو من جديد وتحقيق الرخاء للجميع. ويمكن أيضا أن تشكل هذه المساعدة حافزا للدعم المالى من شركاء التنمية الآخرين وتسهل وصول مصر إلى أسواق رأس المال الدولية.

السؤال الثانى: ما نوع القرض الذى طلبته مصر؟

الإجابة: أعربت السلطات المصرية عن اهتمامها بنوع من القروض يسمى “تسهيل الصندوق الممدد”(EFF)، وهو تسهيل تمويلى يهدف إلى مساعدة السلطات على تجاوز التحديات الآنية مع توفير احتياطى مالى لمعالجة بعض المشكلات الهيكلية طويلة الأمد، وتُصرَف الموارد – أو ما نسميه “الشرائح” - بموجب هذا التسهيل على أساس نصف سنوي، بالتوازى مع استكمال الأهداف المتفق عليها، وإذا وافق المجلس التنفيذى على تقديم هذا التسهيل، سيتم استخدامه فى دعم البرنامج الاقتصادى الذى وضعته السلطات، وذلك على مدار ثلاث سنوات ومع فترة سداد تبلغ ١٠ سنوات.

السؤال الثالث: ما الإجراءات الجارى بحثها بالنسبة لمصر فى إطار برنامج الإصلاح؟

الإجابة: وضعت السلطات المصرية حزمة شاملة من الإصلاحات لمساعدة الاقتصاد على التعافي، ومن المتوقع أن تنخفض نسبة الدين الحكومى على مدار البرنامج من حوالى ٩٨٪ من إجمالى الناتج المحلى فى ٢٠١٥/٢٠١٦ إلى نحو ٨٨٪ من إجمالى الناتج المحلى فى ٢٠١٨/٢٠١٩ - عن طريق مراجعة سياسات الإنفاق العام والضرائب – مع حماية محدودى الدخل، وتشمل هذه التدابير، على سبيل المثال، تطبيق ضريبة القيمة المضافة، والنظر بصورة أعمق فى دعم الطاقة الذى غالبا ما ينطوى على تكلفة كبيرة ويفيد الأثرياء أكثر من الفقراء، وإعادة توجيه هذا النوع من الإنفاق إلى الاحتياجات العاجلة مثل التعليم والصحة. كذلك يهدف برنامج الإصلاح إلى إضفاء مزيد من المرونة على العملة المصرية، وتعزيز قدرة مصر التنافسية، وزيادة توافر النقد الأجنبي، ودعم الصادرات والسياحة، وجذب الاستثمار الأجنبى المباشر.  

السؤال الرابع: ما الخطوات التى ستتخذ لحماية الفقراء ومحدودى الدخل من آثار الإصلاحات؟

الإجابة: تمثل الحماية الاجتماعية حجر زاوية فى برنامج الإصلاح الحكومى. وسيتم استخدام جانب من وفورات الميزانية المتحققة من إجراءات أخرى فى الإنفاق على الحماية الاجتماعية، وبالتحديد دعم الغذاء والتحويلات الاجتماعية الموجهة إلى المستحقين، وسيحافظ البرنامج أو يزيد دعمه للتأمين والدواء لمحدودى الدخل، ودعم أسعار الحليب للرضع والدواء للأطفال، وسيتم وضع خطة لتحسين برنامج الوجبات المدرسية، والتأمين الصحى للأطفال والمرأة المعيلة، والتدريب المهنى للشباب. وستُعطى أولوية أيضا للاستثمار فى البنية التحتية العامة. 

السؤال الخامس: ألن يكون هذا القرض مجرد إضافة للدين القائم وسببا فى تفاقم المشكلة؟

الإجابة: قروض الصندوق تساعد البلدان على تحمل مشكلات السيولة الآنية – وهو ما يحدث، مثلاً، حين تنقطع السبل أمامها للاستعانة بالأسواق المالية أو تكون استعانتها بهذه الأسواق ممكنة ولكنها باهظة التكلفة، وبالإضافة إلى ذلك، يقدم الصندوق قروضه بأسعار فائدة أقل بشكل عام من الأسعار المعتادة التى تدفعها الحكومات حين تقترض من الأسواق المالية المحلية أو الدولية.

وتجدر الإشارة إلى أن كثرة الاقتراض الحكومى من المصادر المحلية يقلِّص الموارد المالية المتاحة للقطاع الخاص. ولذلك فإن قروض الصندوق – كشكل من أشكال الاقتراض الخارجى – لها ميزة إضافية تتمثل فى إتاحة مجال أكبر أمام البنوك المحلية لإقراض القطاع الخاص، ولا سيما المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تعد عاملا أساسيا لخلق فرص العمل وتشجيع النمو الاحتوائي.

السؤال السادس: لماذا يعد سعر الصرف المرن أفضل للاقتصاد المصرى؟

الإجابة: كان وضع مصر الخارجى غير قابل للاستمرار فى ظل نظام الصرف السابق، فقد تسبب فى نقص العملة الأجنبية على نحو يعوق سير الأعمال ويكبح النمو، كما أدى إلى ضعف القدرة التنافسية لمصر فى مقابل بقية أنحاء العالم وخسارة الاحتياطيات لدى البنك المركزى المصرى، أما نظام سعر الصرف المرن، الذى يتحدد فيه سعر الصرف تبعا لقوى السوق، فسوف يحسن تنافسية مصر الخارجية، ويدعم الصادرات والسياحة، ويجذب الاستثمار الأجنبي. وسيساعد كل هذا فى دعم النمو، وخلق فرص العمل، وتقوية مركز مصر الخارجى.

السؤال السابع: هل سيكون التعويم الحر هو الخطوة القادمة؟

الإجابة: الهدف هو أن يكون سعر الصرف انعكاسا للعرض والطلب، ولا نتوقع استمرار التقلبات، وسيكون الحفاظ على المرونة أمرا مهما للتكيف مع التغيرات فى البيئة الاقتصادية.

السؤال الثامن: وماذا عن التضخم؟

الإجابة: على المدى القصير، يمكن أن يرتفع التضخم مع التحول إلى سعر صرف أكثر مرونة، فتصبح تكلفة الواردات أعلى. غير أن هذا الأثر سيكون محدودا فى تقديرنا، لأن الأسعار ستكون إلى حد كبير انعكاسا لسعر الصرف الأكثر انخفاضا الذى يشترى به الكثيرون النقد الأجنبى بالفعل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن البنك المركزى والحكومة على استعداد لتعديل السياسات الاقتصادية الكلية لإبقاء التضخم تحت السيطرة إذا ما استمرت الضغوط التضخمية لفترة أطول من المتوقع.

السؤال التاسع: ما رأى الصندوق فى زيادة أسعار الوقود التى أعلنتها الحكومة؟

الإجابة: تنفيذ الحكومة المصرية للمرحلة الثانية من إصلاح دعم الوقود، والذى بدأته فى يوليو ٢٠١٤ إجراء مهم فى جدول أعمال الإصلاح الذى وضعته السلطات المصرية. فقد كان هذا الدعم يفيد الأغنياء أكثر من الفقراء، كما أنه ساهم فى زيادة عجز الموازنة والدين العام، مما أدى إلى انخفاض الإنفاق على الاحتياجات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.

تنفيذ إصلاح دعم الوقود يشكل جزءا من برنامج الإصلاح الشامل الذى وضعته السلطات المصرية. وسيساهم هذا الإصلاح فى تخفيض عجز الموازنة ويتيح موارد عامة للإنفاق الاجتماعى الضرورى على الصحة والتعليم والاستثمارات الداعمة للنمو. وسيتم استخدام جانب من الوفر الذى يحققه الإصلاح فى دعم البرامج الاجتماعية الموجهة للمستحقين، مثل برنامج “تكافل وكرامة”، من أجل حماية محدودى الدخل. وسيؤدى إصلاح الدعم أيضا إلى زيادة جاذبية الاستثمار فى الأنشطة كثيفة العمالة، مما يسهم فى خلق مزيد من فرص العمل.

السؤال العاشر: هل يُشترط وجود تمويل من مصادر أخرى للموافقة على قرض الصندوق؟

الإجابة: كل البرامج الاقتصادية التى يدعمها الصندوق ينبغى أن تكون ممولة بالكامل على الأقل فى أول سنة بعد موافقة المجلس التنفيذي، حتى يتوافر الدعم اللازم للبلد المقترض بينما تجرى السلطات الإصلاحات المقررة. وفى حالة مصر، يتطلب هذا وجود تأكيدات من مانحين مختلفين بتقديم تمويل يتراوح بين ٥-٦ مليارات دولار أمريكي، بالإضافة إلى التمويل الذى يقدمه الصندوق فى السنة الأولى وقدره ٤ مليارات دولار. وسيعمل الصندوق مع السلطات المصرية فى الأسابيع القادمة لمساعدتها فى الحصول على هذا التمويل. وجدير بالذكر أن المبلغ الكامل الذى يلتزم الصندوق بتقديمه فى فترة البرنامج البالغة ثلاث سنوات يصل إلى ١٢ مليار دولار أمريكي.

السؤال الحادى عشر: ما وجه الاختلاف بين هذا البرنامج وغيره من البرامج التى يدعمها الصندوق فى المنطقة؟

الإجابة: صحيح أن بعض البلدان قد تواجه تحديات متشابهة، كالبطالة المرتفعة مثلاً، ولكن الظروف التى تقف وراء هذه التحديات تختلف من مجتمع إلى آخر. ومن أهم الدروس المستفادة مع استمرار التطور أنه لا يوجد حل واحد يناسب الجميع. فعلى كل بلد أن يجد مساره الخاص فى التعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية، حتى إن كانت هناك دروس مهمة يمكن استخلاصها من تجارب البلدان الأخرى بشأن السياسات التى عادة ما تنجح فى تحقيق هدف ما. والبرامج التى يضعها البلد بنفسه وتتبناها السلطات الوطنية بالكامل هى التى يرجح استكمال تنفيذها بنجاح. ذلك أن فرض سياسات من الخارج لا يحقق النجاح المطلوب فى العادة. والصندوق يدعم البرامج التى تضعها السلطات الوطنية وتقوم بتصميمها على نحو يلبى احتياجات بلدانها.

السؤال الثانى عشر: هل سيساعد قرض الصندوق على تشجيع الحوكمة الرشيدة وزيادة الشفافية فى مصر؟

 الإجابة: يشجع الصندوق الحوكمة الرشيدة والشفافية عند إقراض أى بلد عضو لدعم برنامجه الاقتصادى. ونظرا لأن ضعف الحوكمة قد يضر بالنشاط والرخاء الاقتصاديين، يمكن معالجة هذا الضعف باتخاذ إجراءات محددة فى إطار برنامج اقتصادي، إذا دعت الحاجة. كذلك يتم التركيز على تحسين الحوكمة فى عدد كبير من الإصلاحات الهيكلية ضمن البرامج التى يدعمها الصندوق فى مختلف بلدان العالم، وهو ما يتحقق بطرق منها تحسين مراقبة مصروفات المالية العامة، ونشر الحسابات المدققة للأجهزة الحكومية ومؤسسات الدولة، وترشيد إدارة الإيرادات والحد مما تسببه من تشوهات، وتحسين إنفاذ الرقابة المصرفية.

وبالإضافة إلى ذلك، يشجع الصندوق الحوكمة الرشيدة من خلال تعزيز الشفافية فى نشر الوثائق، بما فى ذلك نشر التقارير كافة التى يعدها خبراؤه، فضلا عن الالتزام بمعايير الشفافية الدولية. ويقوم الصندوق أيضا بتقييم أطر الحوكمة والشفافية فى البنوك المركزية للبلدان التى يقدم لها القروض، وفى سياق هذه التقييمات، يشجع الصندوق جودة الإشراف، والرقابة الداخلية، وتدقيق الحسابات، وآليات إعداد تقارير المالية العامة فى هذه المؤسسات المالية التى تتسم بأهميتها البالغة. وفى حالة مصر، سيتم تعزيز الإدارة المالية وشفافية المالية العامة لتحسين الحوكمة وتقديم الخدمات العامة، وتعزيز المساءلة فى صنع السياسات، ومكافحة الفساد.

السؤال الثالث عشر: كيف يستطيع المصريون توصيل آرائهم بشأن مشاركة الصندوق فى جهود مصر؟

 الإجابة: الصندوق ملتزم بمراعاة الشفافية فى عمله، وبتوضيح مواقفه، والاستماع إلى الناس. وفى هذا الإطار، يتواصل خبراء الصندوق بانتظام مع ممثلين لمختلف جماعات المجتمع المدني، بالإضافة إلى (أعضاء البرلمان)، والأكاديميين، والقيادات الشابة، من خلال تبادل المعلومات، والحوار، والتشاور على المستويين العالمى والوطني. ويطبق الصندوق أيضا سياسات لضمان إمداد جمهوره على مستوى العالم بمعلومات مفيدة ودقيقة ، سواء عن دوره فى الاقتصاد العالمى أو عن اقتصادات بلدانه الأعضاء.

ونحن ملتزمون بهذا المنهج فى مصر على غرار البلدان الأخرى، كما أننا نهدف من خلال الدعم المالى لبلدان الأعضاء إلى تحسين المستويات المعيشية لمواطنيها وحماية الشرائح الفقيرة ومحدودة الدخل. وسيتم الاسترشاد بهذه المبادئ فى أى برنامج نشارك فيه لدعم مصر.

مما سبق يشكل تفاصيل الاتفاق بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولى وكم كنا نتمنى أن تبادر الحكومة بنشر هذه التفاصيل الهامة على المستويات كافة فهى تهم رجل الشارع والمتخصص ومتخذ القرار ... ويأتى السؤال المهم... هل حكومتنا قادرة على تنفيذ الالتزامات الواردة بهذا الاتفاق وأقصد المهام اللازمة لزيادة معدلات التشغيل، وخفض عجز الموازنة، وخفض الدين العام، وخفض معدلات التضخم، وخفض نسب البطالة، وزيادة فرص العمل، وزيادة حجم الاستثمار الأجنبى المباشر ... كل ذلك خلال ٣ سنوات؟.. وأين السياسات والآليات والإجراءات وخطط العمل التى تؤدى إلى ذلك ....

أعتقد أنه سؤال يبحث عن إجابة !!!

 

    الاكثر قراءة