مع اقتراب ذكرى المولد النبوي من كل عام، يحتدم الجدل والنقاش حول تاريخ ولادته -صلى الله عليه وسلم-، إذ تبرز فئة درجت على التشكيك في أنه -صلى الله عليه وسلم-، ولد في الـ12 من الربيع الأول، ورغم أن ذلك الخلاف ورد بالفعل في كتب السير، إلا أن هناك شبه إجماع على أنه "ولد لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول".
هل ثمة خلاف حول تاريخ ميلاد النبي الكريم؟
ويؤكد ابن كثير على أن النبي -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامه- ولد يوم الإثنين لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ».
وينقل ابن كثير -في كتابه البداية والنهاية- عن ابن عباس قوله:"أن رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عليه وسلم- وُلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ بُعِثُ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيهِ هَاجَرَ، وَفِيهِ مَاتَ"، مؤكدًا أن ذلك القول هو المشهور عند الجمهور، رغم أنه أورد أقوال أخرى في هذا الصدد.
فيما أورد ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ"، قول ابن إسحاق:«ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، وكان مولده بالدار التي تعرف بدار ابن يوسف».
من جهته، يشير الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء"، إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولد لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، وذلك ضمن أقوال أخرى، لكن المُشار إليه جاء في مقدمتها.
والخلاف حول مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- في كتب السير معلوم، حتى أن هناك من قال أنه ولد في شهر رمضان، لكن لابد في الأخير ألا يخرج ذلك عن سياقه، تماشيًا مع تيار رائج، لأن جُل الآراء التي وردت تشير إلى أنه -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامه- ولد في الـ12 من الربيع الأول.
ورجحت دار الإفتاء المصرية، القول الذي يشير إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولد في الـ12 ربيع الأول، من بين الآراء التي تذهب إلى أن موعد ميلاد النبي في شهر المحرم، ورأي آخر في شهر ربيع وثالث في شهر رمضان.
حكم الإحتفال بالمولد النبوي
وفي فتوى سابقة، أكد الأزهر الشريف، أن الاحتفال بميلاده -صلى الله عليه وسلم- تعظيم واحتفاء الجناب النبوي الشريف، وهو عنوان محبَّته التي هي ركن من أركان الإيمان.
ويوضح الأزهر أن المراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوي يقصد به تجمع الناس على الذكر، والإنشاد في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وسلم، وإطعام الطعام صدقة لله، والصيام والقيام، إعلانًا لمحبة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإعلانًا للفرح بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا، فميلاده كان ميلادًا للحياة، وبذلك فإن الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- جائز، وهو من سبل ظهار المحبة للرسول الكريم محمد.
وارتأت دار الإفتاء المصرية مثل ما ارتأى الأزهر حيث أكدت في فتوى سابقة ترجع لعام 2016، أنه من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي هو أصل من أصول الإيمان.
وتضيف:«صح عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (لا يُؤمِنُ أَحَدُكم حتى أَكُونَ أَحَبَّ إليه مِن والِدِه ووَلَدِه والنَّاسِ أَجمَعِينَ» رواه البخاري، كما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد سنَّ لنا جنس الشكرِ لله تعالى على مِيلاده الشريف؛ فكان يَصومُ يوم الإثنينِ ويقول: (ذلكَ يَومٌ وُلِدتُ فيه) رواه مسلم».
وتابعت في فتواها: «إذا انضمت إلى ذلك المقاصد الصالحة الأخرى؛ كإدخال السرور على أهل البيت وصلة الأرحام فإنه يصبح مستحبًّا مندوبًا إليه، فإذا كان ذلك تعبيرًا عن الفرح بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان أشد مشروعية وندبًا واستحبابًا».
وأردفت: «الوسائل تأخذ أحكام المقاصد، فكان القول ببدعيته -فضلًا عن القول بتحريمه أو المنع منه- ضربًا من التنطع المذموم؛ لأن البدعة المنهي عنها هي ما أُحدِثَ مما يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا؛ فهذه بدعة الضلالة، وادِّعاء أن أحدًا من الصحابة لم يحتفل بمولد النبي الكريم صلى الله عليه وآله ليس بصحيح أيضًا؛ لما ورد في السنة النبوية من احتفال الصحابة الكرام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع إقراره لذلك وإِذْنه فيه؛ فعن بُرَيدة الأسلمي رضي الله عنه قال: خرج رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم في بعض مغازيه، فلمَّا انصرف جاءت جاريةٌ سوداء فقالت: يا رسول الله، إنِّي كنت نذَرتُ إن رَدَّكَ اللهُ سَالِمًا أَن أَضرِبَ بينَ يَدَيكَ بالدُّفِّ وأَتَغَنَّى، فقالَ لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إن كُنتِ نَذَرتِ فاضرِبِي، وإلَّا فلا» رواه أحمد والترمذي».