السبت 5 اكتوبر 2024

مذكرات جرجي زيدان| الفصل الرابع «حسن السيرة» (8-5)

جرجي زيدان

ثقافة4-10-2024 | 14:31

بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

هذا هو الفصل الرابع من مذكرات مؤسس "الهلال" جرجي زيدان، وفيها يتحدث عن هوايته في مستهل صباه للعلم والأدب وميله إلى الاطّلاع والمعرفة، وكيف تعلم حسابات الدوبيا، وتعرف إلى بعض مشاهير العلماء والأدباء.

الفصل الرابع: حسن السيرة

على أنني اكتسبت شيئا من استقلال الفكر، فخرجت من دائرة الانقياد الأعمى، وصرت أعتد بما يكون لي من رأي خاص، وإن خالف آراء من حولي، ونما ذلك تدريجيًا حتى صرت أنتقد آراء الآخرين أو أعمالهم، وأحرص على صون كرامتي الشخصية، وأغالي في ذلك كثيرًا، كما أدافع عن رأيي ولا أقبل رأيا غيره إلا بعد بحث واقتناع، وكان لهذا أثره في اتجاهي العملي في الحياة، فجعلت نصب عيني دائمًا أن أحافظ على نقاء سيرتي، وأن أتجنب الكلام البذيء، ومعاشرة غير الأدباء، وأمسكت عن المزاح إمساكًا تاما، فغلب الجد على أقوالي وأعمالي، وبالغت في الابتعاد عن مواطن الشبهات حتى أصبحت لا أرفع عيني إلى وجه امرأة، ولا أمر بشارع فيه بيت يخوض الناس في سيرة إحدى ساكناته، وكان صديقي (شاول) من هذا الطراز أيضا، فتوطدت الألفة بيننا، واشتهر ذلك عنا بين البيروتيين

حتى شربوا به الأمثال، وكان الآباء ينصحون لأولادهم بأن يقتدوا بنا وكلما سمعت إطراء هذه الخطة زدت تمسكا بها، ولا أخشى أن أصرح بأني قضیت ثماني سنوات في ذلك الوسط الخطر الذي وصفته، ثم خرجت منه طاهر الذيل نقي الآزار، ولا أنكر أني أوشكت أن أقع في الخطر غير مرة، ولكني سرعان ما كنت أمسك نفسي، وأواصل طريقي وفقا لخطتي، إلى أن صار ذلك فطرتي.

الاكثر قراءة