الجمعة 18 اكتوبر 2024

رفاعة الطهاوي.. رافع راية النهضة والتنوير

رفاعة الطهاوي

ثقافة15-10-2024 | 15:54

فاطمة الزهراء حمدي

"رائد التنوير"، حمل بين يديه صولجان أنار به الحياة والنهضة والفكر التنويري في مصر، إنه رفاعة رافع الطهطاوي، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، ويُعد مؤسس مدرسة المترجمين والتي سميت فيما بعد بمدرسة "الألسن"، وصاحب نهضة ثقافية كبيرة، ووضع الأساس لحركة النهضة الكبرى سواء في التعليم أو الثقافة، فكان له رؤية مستقبلية، واستمر ذلك التطوير الذي أنجزه إلى يومنا هذا.

كما ترجم متون الفلسفة والتاريخ الغربي، ونصوص العلم الأوروبي المتقدِّم؛ وجمع الآثار المصرية القديمة ودافع عن التعليم للجميع وحقوق المرأة وضرورة النهوض بالمجتمع من خلال العلم والمعرفة، وكان يرى أن الإسلام لا يتعارض مع التقدم، بل يحث على المعرفة والعلم.

رفاعة رافع الطهطاوي

وُلد رفاعة رافع الطهطاوي في 15 أكتوبر 1801، بمدينة طهطا إحدى مدن محافظة سوهاج بصعيد مصر، تلقى الاهتمام من والده، وحفظ القرآن الكريم، كما حظى على عناية كبيرة من أخواله فكانوا شيوخ وعلماء وحفظ على يدهم المتون التي كانت متدولة في ذلك الوفت.

بجانب اهتمام اسرته بتلقيه العلم، التحق رفاعة وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر في عام 1817، ودرس في الأزهر الحديث والفقه والتصوف والتفسير والنحو والصرف، وغير ذلك، كما تتلمذ على يد العديد من علماء الأزهر.

وبعد الانتهاء من دراسته الأزهرية، قرر أن يستكمل عمله داخله أيضًا، واتجه للتدريس فيه سنة 1821، وهو في الحادية والعشرين من عمره، وانتهل منه الطلاب علوم المنطق والحديث والبلاغة والعروض، ثم ترك التدريس بعد عامين والتحق بالجيش المصري النظامي الذي أنشأه محمد علي إماماً وواعظاً لإحدى فرقه، وتعلم  الدقة والنظام.

سافر الطهطاوي عام 1826 إلى فرنسا لدراسة العلوم والمعارف الإنسانية، بعدما قررت الحكومة المصرية إيفاد بعثة علمية إلى هناك، وقرر محمد علي أن يصحبهم ثلاثة من علماء الأزهر الشريف لإمامتهم في الصلاة ووعظهم وإرشادهم

 

وكان رفاعة الطهطاوي واحدا من هؤلاء الثلاثة، حيث رشحه للبعثة شيخه حسن العطار، ومن هناك بدأ تعلم اللغة الفرنسية، ولذلك قررت الحكومة المصرية ضم رفاعة إلى بعثتها التعليمية، وأن يتخصص في الترجمة، وتقدم الطهطاوي للامتحان النهائي وكان ترجم اثني عشر عملاً إلى العربية.

عاد الطهطاوي إلى مصر محملا بروح التجديد وإفاده بلده، وعمل بأولى الوظائف التي تولاها العمل مترجماً في مدرسة الطب، ثم عمل عام 1833 في مدرسة الطوبجية "المدفعية" لكي يعمل مترجماً للعلوم الهندسية والفنون العسكرية.

 كان الطهطاوي يأمل في إنشاء مدرسة عليا لتعليم اللغات الأجنبية، وقدم اقتراحه إلى محمد علي ونجح في إقناعه بإنشاء مدرسة للمترجمين عرفت بمدرسة الألسن، وقد تخرجت الدفعة الأولى في المدرسة في 1839.

كان الطهطاوي صاحب نهضة ثقافية كبيرة، حيث وضع الأساس لحركة النهضة الكبرى سواء في التعليم أو الثقافة، فكان له رؤية مستقبلية، فاستمر ذلك التطوير الذي أنجزه إلى يومنا هذا، كما ترجم متون الفلسفة والتاريخ الغربي، ونصوص العلم الأوروبي المتقدِّم؛ وجمع الآثار المصرية القديمة وأصدر أمراً لصيانتها ومنعها من التهريب والضياع.

وعندما تولى الخديوي عباس الأول الحكم أغلق مدرسة الألسن وأمر بإرسال رفاعة إلى السودان، ثم عاد إلى القاهرة بعد وفاة عباس وتولى نظارة المدرسة الحربية ، ثم سعى إلى إنجاز أول مشروع لإحياء التراث العربي الإسلامي.

 نجح الطهطاوي في إقناع الحكومة بطبع عدة كتب من عيون التراث العربي، ولكن أغلقت تلك المدرسة، وفي عهد الخديوي إسماعيل تولى نظارة الترجمة عام 1863 لترجمة القوانين الفرنسية، ثم عهد إليه إصدار مجلة روضة المدارس عام 1870، وظل يكتب فيها مباحث ومقالات حتى توفي .

قام الطهطاوي بترجمه ما يزيد عن خمسة وعشرين كتاباً، وذلك غير ما أشرف عليه من الترجمات وما راجعه وصححه وهذبه، كما آلف الكثير من الأعمال ومنها: تخليص الإبريز في تلخيص باريز، مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية، المرشد الأمين في تربية البنات والبنين، أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيل، نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز.

كما لعب الطهطاوي دورًا كبيرًا في نشر الفكر التنويري في مصر، حيث دافع عن التعليم للجميع وحقوق المرأة وضرورة النهوض بالمجتمع من خلال العلم والمعرفة، وكان يرى أن الإسلام لا يتعارض مع التقدم، بل يحث على المعرفة والعلم.

بعد حياة مليئة بالعطاء والإسهامات، رحل رفاعة الطهطاوي في 27 مايو 1873، بعدما استمر خلال سنواته الأخيرة في دعم التعليم والإصلاح، وظل مهتمًا بقضايا التنوير والنهضة.