بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.
هذا هو الفصل الرابع من مذكرات مؤسس "الهلال" جرجي زيدان، وفيها يتحدث عن هوايته في مستهل صباه للعلم والأدب وميله إلى الإطلاع والمعرفة، وكيف تعلم حسابات الدوبيا، وتعرف إلى بعض مشاهير العلماء والأدباء.
الفصل الرابع: مجلة المقتطف
وكنت قد اشتركت في مجلة (المقتطف) لأطالعها، فصرت أفخر بذلك وأحب أن يعرف الناس أني أطالعها، ثم أردت أن أكون ممن يكتبون فيه أيضا، فكتبت مقالة بالغت في تنقيحها وتنميقها على قدر استطاعتي، ولم أكن حتى ذلك الحين على شيء من علوم اللغة، ولكني كتبت تلك المقالة عن إحساس صادق، وانتقدت فيها الآباء الذين يهملون تعليم أولادهم في صغرهم، فيشب هؤلاء الأولاد جهالا، وتفوت الفرصة لتعليمهم، وتلك كانت حالي في ذلك الحين، ثم أرسلت هذه المقالة إلى (المقتطف) باسم (شاهين مكاريوس) مديره، وترقبت نشرها في أول عدد يصدر منه، فصدر عدد وآخر من غير أن تظهر، وعجبت لذلك كثيرا لاعتقادي أنها مفيدة.
واتفق بعد أشهر أن جاء مدير (المقتطف) للغداء عندنا مع بعض أصدقائه، وكنت قد تعرفت إليه، فلما حياني متلطفا في الحديث معي، أكبرت تواضعه، وتجرأت فسألته عن مقالتي وهل وصلت أم لم تصل، فقال: "إنها وصلت، وعسى أن تكون المقالة الثانية أحسن منها" ففهمت أنها لم تنشر لضعفها، واتخذت من ذلك درسا لنفسي، ولم يخطر ببالي مطلقا أن مدير الجريدة ظلمني، أو أنه احتقرني أو قصد إساءتي لغرض من الأغراض، كما هو شأن الكثيرين ممن يكتبون للصحف ولا تنشر مقالاتهم، بل اعتقدت أني لم أصر بعد أهلا لنشر مقالاتي، ولم أكتب لأية صحيفة منذ ذلك الحين إلا بعد أن درست الطبيعيات ودخلت مدرسة الطب حيث تفقهت في بعض فروعه، ومع ذلك بقيت كتابتي للصحف حتى ذلك الوقت لا تتعدى الاشتراك في بعض المناظرات