تُعد قصيدة «ألم تَرَ مُذْ عامينِ أملاكَ عصرِنا»، للشاعر الثعالبي، إحدى أهم القصائد التي عرفها تاريخ الشعر العربي، والتي حفظها العرب، وتناقلوها فيما بينهم.
ويعرف «الثعالبي» كأحد أبرز الشعراء في العصر العباسي، الذين كتبوا قصائد تميزت بالغزل والمدح والفخر، وعلى رأسها قصيدة «ألم تَرَ مُذْ عامينِ أملاكَ عصرِنا».
وتعتبر قصيدة «ألم تَرَ مُذْ عامينِ أملاكَ عصرِنا»، من أبرز ما قيل في الشعر العربي، ومن أشهر القصائد، وتحتوي على 25 بيتًا، علاوة على تميز شعر الثعالبي، بسلاسة الألفاظ وسهولة المعاني وصدق العاطفة كما جاء بالقصيدة.
نص قصيدة «ألم تَرَ مُذْ عامينِ أملاكَ عصرِنا»:
ألم تَرَ مُذْ عامينِ أملاكَ عصرِنا
يصيحُ بهِمْ للموتِ والقتلِ صائحُ
فنوحُ بنُ منصورٍ طوَتْهُ يدُ الرَّدى
على حسراتٍ ضُمِّنَتْها الجوانِحْ
ويا بؤسَ منصورٍ وفي يومِ سرخسٍ
تمزَّقَ عنهُ مُلْكُهُ وهْوَ طامِحُ
وفُرِّقَ عنهُ الشَّمْلُ بالسَّمْلِ فاغْتَدى
أسيراً ضريراً تعتَريهِ الجوائِحُ
وصاحبُ مصرٍ قد مضى لسبيلهِ
ووالي الجبالِ غَيَّبَتْهُ الصفائِحُ
وصاحبُ جُرْجانِيَّةٍ في ندامةٍ
ترصَّدَهُ طَرْفٌ من الحَيْنِ طامِحُ
تساقَوْا كؤوسَ الراحِ ثم تشَارَبُوا
كؤوسَ المنايا والدماءُ سوافِحُ
وخوارِزْمُ شاهٍ شاهَ وجهُ نعيمِهِ
وعنَّ لهُ يومٌ من النَّحْسِ كالِحُ
مكانَ علا في الأرض يخبِطُها أبو
عليٍّ إلى أن طوَّحَتْهُ الطوائِحُ
فعارضَهُ نابٌ من الشرِّ أعصلٌ
وعَنَّ له طيرٌ من الشؤمِ بارِحُ
وصاحبُ بُسْتٍ ذلكَ الضيغمُ الذي
براثِنُهُ للمشرقَيْنِ مفاتِحُ
أناخَ بهِ من صدمةِ الدهرِ كلكلٌ
فلم يُغْنِ عنهُ والمقدَّرُ سانِحُ
خيولٌ كأمثالِ السيولِ سوابحٌ
فيولٌ كأمثالِ الجبالِ سوارِحُ
جيوشٌ إذا أربَتْ على عددِ الحَصى
تَغُصُّ بها قيعانُها والصَّحاصِحُ
ودارتْ به على صمصامِ دولةِ بُويَهٍ
دوائرُ سوءٍ قبلهنَّ فوادِحُ
وقد جازَ والي الجَوْزَجانِ قناطرَ ال
حياةِ فوافَتْهُ المنايا الطوامِحُ
وفائقٌ المحبوبُ قد جُبَّ عمرُهُ
فأمسى ولم يَنْدُبْهُ في الأرضِ نائِحُ
مضَوْا في مدى عامينِ واخْتَطَفَتْهُمُ
عقابُ إذا طارتْ تَخِرُّ الجوارِحُ
وكانَ بنو سامانَ أطوادَ عِزَّةٍ
فأضحتْ بصرفِ الدَّهْرِ وهيَ أباطِحُ
أما لكَ فيهمْ عِبْرَةٌ مستفادَةٌ
بلى إنَّ نهجَ الاعتبارِ لَوَاضِحُ
تَسَلَّ عنِ الدُّنيا ولا تَخْطِبنَّها
ولا تَنْكَحنْ قتَّالةً من تناكِحُ
فليسَ يفي مَرْجُوُّها بمَخُوفِها
ومكروهُها إمَّا تَدَبَّرْتَ راجِحُ
لقد قالَ فيها الواصفونَ فأكثرُوا
وعندي لها وصفٌ لعَمْرُكَ صالِحُ
سلافٌ قصاراها زعافٌ ومركبٌ
شهيٌّ إذا اسْتَلْذَذْتَهُ فهو جامِحُ
وشخصٌ جميلٌ يعجبُ الناسَ حسنُهُ
ولكنْ له أسرارُ سوءٍ قَبَائِ