هو حالة خاصة من الإبداع، ترجم بكلماته شعرا ونثرا أفراح وأحزان المصريين، في انتصاراتهم وآلامهم، وسعادتهم وأوجاعهم، وهو فنان موسوعي متعدد المواهب، لمع ككاتب غنائي، كاتب سيناريو، ورسام كاريكاتير وممثل أيضا، وهو واحد من أشهر وأبرز الشعراء والفنانين في العصر الحديث في مصر والوطن العربي، شاعر العامية الفصيح وشاعر الفن، كتب الأشعار والأغاني والسيناريو والحوار لجمهور الشاشات بالسينما والتلفزيون، فملأهم بالدفء والحنين، والحب، إنه وفيلسوف البسطاء والضاحك الباكي صلاح جاهين.
الميلاد والنشأة
ولد محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمي والمعروف بصلاح «جاهين» في 25 ديسمبر 1930م في شارع جميل باشا في شبرا، وعمل والده المستشار بهجت حلمي في القضاء، حيث بدأ كوكيل نيابة وانتهى به الأمر كرئيس محكمة استئناف المنصورة، التحق بكلية الفنون الجميلة ثم تركها ليلتحق بكلية الحقوق بناءً على رغبة والده، والذي كان يعمل بسلك القضاء.
بداياته الشعرية .. رثاءً للشهداء
بدأ صلاح جاهين أولى قصائدة عام 1936 في رثاء الشهداء بمظاهرات الطلبة في المنصورة، أظهر ابداعه أول مرة فى قصيدة كتبها عن بلدته المنصورة بانتفاضة فبراير عام 1946 حينما فقدت المحافظة خيرة شبابها من الطلاب فى مظاهرات احتجاجية طلابية وعمالية ضد الاحتلال الإنجليزي، والتى تصدى لها الأمن المصرى ووقع على إثرها عشرات الضحايا.
كتاباته النثرية
بدأ «جاهين» بنشر عدد من المجموعات الشعرية بالعامية المصرية، حيث بدأ حياته العملية فى جريدة «بنت النيل»، ثم جريدة «التحرير» وفى هذه الفترة أصدر أول دواوينه «كلمة سلام» فى عام 1955، وأعقبها بدواوين مثل «موال عشان القنال» و«الرباعيات» في عام 1963، وبعد ذلك بعامين «قصاقيص ورق»، وقصيدته الشهيرة، «على اسم مصر»، و«البيانولا».
وقدّم بعد ذلك عدة دواوين شعريه أهمها:« أوراق سبتمبرية، رباعيات صلاح جاهين، القمر والطين»، وجمعت هذه الدوواين في مجموعتين: أشعار العامية المصرية وأشعار صلاح جاهين، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1992، والأعمال الكاملة، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة 1995، ونشرت له جريدتا الأهرام، وصباح الخير، وغيرهما من الجرائد المصرية والعربية العديد من القصائد.
وجاء شعر صلاح جاهين الفصيح منحصرًا في فضاء واسع لشعره العامي، حيث أنه في سياقةٍ خاصه أصدر قصيدته الملحمية على اسم مصر، فروح، وبالنسبة لأغنياته الوطنية فقد قدم عدد كبير من المفردات اللغوية التي كانت تستخدم فقط في المقالات السياسية داخل الأغنيات التي كتبها ، وألف مايزيد عن 161 قصيدة، منها قصيدة «تراب دخان» التي ألفها بمناسبة نكسة يونيو 1967م
في فن الكاركاتير
لم تظهر موهبة الرسم الكاريكاتيري عند «جاهين» إلا في سن متأخرة، وفى منتصف الخمسينيات بدأت شهرته كرسام كاريكاتير فى مجلة روز اليوسف، ثم فى مجلة «صباح الخير» التى شارك فى تأسيسها عام 1957، وابتكر العديد من شخصياته الكاريكاتورية الشعبية مثل «قيس وليلى»، «قهوة النشاط ، «الفهامة»، «درش» وأثار برسوماته معارك سياسية وفكرية كبيرة، وكان يهمه في فنه وكلماته ن يعبر عن هموم الناس، فلقب بـ«فيلسوف البسطاء»، و«الضاحك الباكي»
مؤلف«الليلة الكبيرة»
وكان «جاهين» أيضا من رواد الكتابة لمسرح العرائس، «حسن الداهية» عام 1958 ، «فدان حرية» ،«مطحنة الشيطان»، وهو مؤلف أيقونة مسرح العرائس في مصر والوطن العربي، الأوبريت المسرحي الغنائي الشهير «الليلة الكبيرة» وقدم لحن الأوبريت سيد مكاوي وعرائس دكتور ناجي شاكر للمخرج صلاح السقا.
أبدع أشهر شخصيات العرائس للأطفال مما دفع وزارة الثقافة إلى تكليفه بتشكيل لجنة لثقافة الطفل في سبتمبر 1962 م
صلاح جاهين .. كاتب وشاعر ومممثل
في مجال صناعة السينما كان صلاح جاهين منتجا وكاتب سيناريو وممثل، وكتب أيضاً فوازير رمضان للتليفزيون لعدة أعوام حققت نجاحا كبيرًا .
وأنتج صلاح جاهين العديد من الأفلام التي تعتبر خالدة في تاريخ السينما الحديثة منها: « أميرة حبي أنا»، «عودة الابن الضال»، وكتب سيناريو فيلم «خلي بالك من زوزو»، والذي مثل أحد أكثر الأفلام رواجًا في السبعينيات بالقرن الماضي، إذ تجاوز عرضه حاجز 54 أسبوعًا متتاليا.
وكتب أيضا أفلام: «عودة الابن الضال، أميرة حبي أنا، شفيقة ومتولي، والمتوحشة» وشارك بالكتابة مع فيصل ندا في «شيلني واشيلك»، كما شارك في كتابة مسلسل «هي وهو».
وقام صلاح جاهين بالتمثيل في العديد من الأفلام منها.. «اللص والكلاب»1962، «شهيدة الحب الإلهي» عام 1962، وجسد شخصية الصديق «بدير» في فيلم «لا وقت للحب» عام 1963م، وشخصية «السيد» في فيلم «المماليك» 1965، وقدم شخصية «في فيلم «من غير ميعاد» 1962، كما شارك في فيلم «المعلم طرزان».
كان أشهر ما قدم المبدع وفنان الكاريكاتير وشاعرنا صلاح جاهين، كما يرى النقاد والمفكرين هو «الرباعيات» أو كما عرفت «رباعيات صلاح جاهين»، والتي تجاوزت مبيعات إحدى طابعات الهيئة المصرية العامة للكتاب لها أكثر من 125 ألف نسخة في غضون بضعة أيام، وهذه الرباعيات التي لحنها الملحن الراحل سيد مكاوي وغناها الفنان علي الحجار، كما سجلها صلاح جاهين بصوته.
و ارتبط صلاح جاهين بالعديد من الفنانين في حياته، مثل سعاد حسني التي اعتبرته الأب الروحي لها، وقدمت بطولة أغلب سيناريوهاته، وكانت سببا في حماسه لتجربة الإنتاج، وأثر كثيرًا في الفنان الراحل أحمد زكي، والفنان علي الحجار الذي قدم له الرباعيات بصوته.
المرض والرحيل
فى آواخر أيامه، عانى صلاح جاهين الذي عرف بـ «الضلحك الباكي» من اكتئاب نفسى حاد، وتوفى صلاح جاهين فى 21 أبريل من عام 1986، واختلف كثيرون على حقيقة وفاته منتحرًا أم أنه توفى بشكل طبيعي.
احتفاء بفيلسوف البسطاء
عرض التلفزيون المصري الرسمي مسلسلا يتحدث عن رباعيات صلاح جاهين في 21 أبريل 2005، وذلك بمناسبة مرور 21 عامًا على وفاته، احتفى موقع جوجل بالذكرى الثالثة والثمانين لميلاد جاهين في 25 ديسمبر 2013، بوضع شعار جوجل يمثل مشهدا شعبيا من وحي مؤلفات المبدع المتفرد صلاح جاهين.