«نوستالجيا» كلمة جذرها يونانى، معناها معجميا الحنين للماضى، في زمن ماض «نوستالجيا» كانت تعد من حالات المرض النفسي، من أعراض الاكتئاب، ولكنها باتت حالة مزاجية مسيطرة على العقل الجمعى.
حزب الحنين إلى ماض تولى، أخشى ألا يدرك أنه يتوق إلى أطلال، هذا أن كثيرين ممن يتمنون عودة الأيام الخوالي، ولو ليوم واحد، هم من البسطاء والعامة (العوام لغويا وليس توصيفا طبقيا)، و ربما يحن قليلون من المتعلمين أو حتى المثقفين سرا إلى يوم من أيام "الأبيض والأسود" يحمل ذكرى عزيزة على قلوبهم البيضاء، لكنهم قطعا يدركون أن هذا هو المستحيل بعينه فيكتمون ما يتوقون إليه.. يحنون سرا!
ربما منطقى أن يقف الشعراء قديما فى بادية العرب على أطلال الأحباء، يقف الشاعر منهم على أطلال بيت المحبوبة، ويقرض شعرا عذبا، مفعما بالحنين.
البادية محل طبيعى للأطلال، لكن مصر بلد متحضر لا ينتظر أن يكون فيه أطلال، صعب جدا تحت مظلة العمران التى تمددت حتى بلغت البادية وجود أطلال، والسؤال مشروع : ما المعضلة فى الحنين إلى الماضى؟
أخشى فحسب هجر الحاضر بألوانه البهيجة والتموضع فى زمن الأبيض والأسود ما يكلفنا استشراف المستقبل.
لا ضير فى هذا الحنين، إن كان من يمارسون هذا الطقس النوستالجي، يعيشون أصلا فى الخيال ، يمنون أنفسهم بعودة الشيخ إلى صباه؟!
منطقى أن يقول "عنترة بن شداد" قبل ألف وخمسمئة سنة "يَا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِـي.. وَعِمِّى صَبَاحاً دَارَ عبْلةَ واسلَمِي"، لكن ليس من المنطق أن يرفع مصريون صور ماض تولى على صفحاتهم الإلكترونية فى حنين جارف مع عقد مقارنات ظالمة مع حاضر واعد.
والحق أن أحدا لا يعطى "حزب الحنين إلى الأطلال" فرصة لكى يلتقط أنفاسه مستردا واقعيته، إذ تعمل كل الأطراف المجتمعية على وضع الماضى فى الصورة.. والأمثلة فى هذا السياق تكاد تكون يومية..!
فلو حاول "حزب الحنين" تناسى زمان.. ظهر فى الفضائيات من يترحم على أيام الملكية، ولا يخجل كجمهورى قح من ترديد سرديات الملكية الفجة وليالى الأنس فى فيينا، فيتذكر المتذكرون، ويرفض الرافضون، ويهتف المشتاقون.. البعض يعتوره الحنين إلى ماض تولى !!