الأربعاء 8 يناير 2025

مقالات

ثقافة الأجيال


  • 5-1-2025 | 10:35

د. يوسف نوفل

طباعة
  • د. يوسف نوفل

في الثالث والعشرين من يناير2025 نلتقي ـ كعادتنا كل عام ـ بالكتاب والمعرفة والعلوم والفنون وتراث الإنسانية في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والخمسين حتى الخامس من فبراير 2025، وهذا المعرض من أقدم معارض الكتاب وأكبرها في الشرق الأوسط، وقد حدث في عام 2006 أنْ قام استفتاء حول أكبر المعارض عالميا  فكان معرض القاهرة الدولي للكتاب ثاني أكبر المعارض على مستوى معارض العالم كله، تاليا بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وحدث أنْ زاره في دورته الخامسة والخمسين نحو خمسة ملايين زائر، وبلغتْ إصداراته عددا هائلا من الإصدارات في مختلف المعارف والثقافات. 

والأجمل في هذا الأمر اختيار شخصية المعرض لهذا العام، ألا وهى شخصية العالم والمفكر الكبير الدكتور أحمد مستجير المولود في ديسمبر 1934، والمتوفى في 17 من أغسطس 2006، ذلك العالم الجليل المولود في ريف مصر،  في قرية الصلاحات مركز دكرنس دقهلية المتخصص في التكنولوجيا الحيوية، والذي طوّر أبحاثا في زراعة القمح بالمياه المالحة، وهو عالم الهندسة الوراثية والشاعر، وبذلك جمع بين فن الشعر والأدب، من ناحية، والعلوم ، من ناحية أخرى، وقد تعددتْ مؤلفاته العلمية ومنها: طبيعة الحياة الصادر عن سلسلة عالم المعرفة بالكويت عام 1988، والشفرة الوراثية الصادر عن سلسلة عالم المعرفة بالكويت عام 1997، واللولب المزدوج 2004، ولغة الجينات 1995، والتاريخ العاصف لعلم وراثة الإنسان 1993. ولم يقتصر على تخصصه الدقيق فحسب. بل جدد في مجال موسيقى الشعر في مجال الشعر بكتابه الذي وصل فيه إلى تجديد موسيقى الشعر: في بحور الشعر 1980.

ومن هنا أقول إن أهمية المعارض عامة، تنبع من تعدد فوائدها وتلوّن ثمارها؛ فهي ساحة واسعة لنشر الثقافة، ونشر الأفكار والابتكارات، وهي وعاء ضخم للمعرفة، وهي مشجع كبير للناشئة، ومؤيد كبير للمبدعين في روافد المعرفة التي لا تعدّ ولا تحصى، وهي مرآة صادقة، ومنارة باذخة تمنح النابهين والنخبة من العلماء والباحثين والمبدعين باختيارهم شخصيات رامزة واعدة مشرّفة، وفوق ذلك كله تذكرنا، دوْما، أنها ظلت وستظل موطن الإبداع والحضارة؛ استمرارا لماضيها التليد، وحاضرها الواعد، والأهم من ذلك أن المعرض استمرار لاهتمام الإنسان بالثقافة والمعرفة منذ أقدم عصور التاريخ، هي عمْر البشرية، حيث ظل الإنسان عاكفا على كتاب الكون، وصفحات التاريخ يستعيد أخبار السابقين، وعلومهم، ومعارفهم، وخبراتهم، ونتاجهم، اقترابا من المعنى السامي في قوله، سبحانه وتعالى، في كتابه الكريم: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق)، وتشجيعا للفكر والتفكير ، تلك الكلمات التي وردتْ في القرآن الكريم تسع عشرة مرة، وحيث ورد ذكر القلم والأقلام أربع مرات، كما وردتْ مادة (كتب ـ الكتاب) مرات عديدة، وفي ذلك كله ما يؤكد أهمية القراءة، والكتابة والكتاب، لاسيما بعد تدفق ألوان المعارف وتكاثرها، وبلوغ عصر السرعة، وعصر التواصل الاجتماعي، في عالم صار قرية صغيرة، تتزاحم فيه المعرفة الإلكترونية بشتى وجوهها، وتنوع مصادر المعرفة والثقافة، وسبيلهاـ بلا جدال ـ المكتبة، سواء أكانت في صورتها التقليدية القديمة(الكتاب: مخطوطا ومطبوعا)، أم كان في صورته الحديثة المعاصرة (الكتاب الإلكتروني، والنشر الرقمي).

هذه الصورة الحديثة لمعارض الكتاب هي البديل، أو المكمّل لما ورثناه عن القدماء وعن السلف من تنوع صور المكتبة بين:

المكتبة الشخصية، ومنها مكتبات الأفراد، وحديثها في التراث يطول ويطول، ومثالها الحي المشرف في عصرنا مكتبة العلامة أحمد تيمور، أو (خزانته) تلك التي تبرع بها لدار الكتب والوثائق القومية في القرن الماضي، ومنها مكتبات الجماعات، والهيئات، والمؤسسات، وفي ذلك تاريخ زاهر باذخ مبهر، يذكر ابن خلكان أن ابن شهاب الزهري كان إذا جلس في بيته، وإذا جلس في مكتبته شغلتْه عمّن حوله، ومعروفة حياة الجاحظ بين الكتب والمكتبات،  وفي هذا المجال، إذا كنا قد أشرنا إلى المكتبة التيمورية ـ ومثلها كثير ـ فإن تاريخ تراثنا يذْكر من مكتبات ما لا حصر له، ومنها:

خزانة بيت الحكمة، تلك التي أنشأها هارون الرشيد، ومكتبة المأمون، ومكتبة المدرسة النظامية ببغداد، ومكتبات الخلفاء والحكام، والمدارس ومكتبات المدارس.

يقوم الناشرون في زماننا بنشر الكتاب ـ برغم صعوبة ظروف النشر الآن، وأزماته ـ على نحو يذكّرنا بما عرف ب(الرّاقين) ـ يذكرنا بخبر تراثي عن كتاب الأغاني للأصفهاني الذي اشتهر، آنذاك، حتى أرسل "الحكم"ـ بتحريك الحاءـ من الأندلس إلى المؤلف مبلغا ضخما هو ألف دينار من الذهب مقابل نسخة منه، وذلك قبل أن يخرج الكتاب إلى العراق.

وهكذا نجد الكتاب الآن رسولا للمعرفة والثقافة، في الثقافة العامة، وفي التعليم، سواء أكان التعليم على مستوى التعليم الجامعي أم كان على المستوى قبل الجامعي، ذلك أن الدارس في بداية حياته الثقافية. بل في أزهى مراحل حياته، تلك التي تؤسس لمستقبله، تكوينا، وبناء، وصقلا في عصر تنامت فيه الثقافات والمعارف، وتعددتْ مشاربها، وفي ذلك نجد وسيلته للمعرفة الكتاب والقراءة، وسبيل ذلك معارض الكتاب، وهنا تكمن

أهمية معرض القاهرة الدولي للكتاب، وتتبعه المعارض التي تقام في الأقاليم؛ لأنها تقدم المعرفة للصغير والكبر، ويهمنا هنا الناشئة، وطلاب الجامعات، وطلاب البحث العلمي، وهنا أنتهز الفرصة، وأقدم اقتراحا هو:

أن يتمتع طالب الجامعة، وطلاب الدراسات العليا بخصم خاص، هذا الخصم الخاص يشجع أبناءنا على اقتناء الكتاب، ومن ثم التحصيل والتثقيف، عسانا نظفر من الأجيال القادمة بمثل ما ظفرنا به من أعلام الفكر والفن والأدب والاجتماع والعلوم، ومنهم ـ على سبيل المثال ـ شخصية العام: العالم الأستاذ الدكتور: أحمد مستجير.

الاكثر قراءة