الثلاثاء 7 يناير 2025

مقالات

معرض القاهرة الدولي للكتاب.. نشأته وتطوره ودوره الثقافي في مصر


  • 5-1-2025 | 16:05

محمود السعيد

طباعة
  • محمود السعيد

في يناير من كل عام ومنذ عام 1969 تحرص الدولة المصرية على إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب، وينتظر جموع المصريين شهر يناير 2025 لحضور المعرض في دورته السادسة والخمسين.

وفي دوراته الخمس والخمسين التي تمت كان المعرض دائما من أهم الوسائل التي تشجع المصريين بكل طوائفهم على القراءة وزيادة وعيهم الثقافي من خلال الأنشطة والفعاليات التي تقام على هامشه.

وبصفة عامة فإن معارض الكتاب المقامة في شتى دول العالم تمثل حالة ثقافية صحية للشعوب، وتعد من أهم الفعاليات الثقافية والسياحية أيضا والتي تضيف للمدن المقامة بها مزيدا من البهاء والجمال والبهجة. وقد أصبح في عصرنا الحديث إقامة معارض للكتب من التقاليد الراسخة للعديد من الدول، ومنها بالطبع مصر حاضنة الثقافة العربية، وذلك لدورها المهم في التشجيع على القراءة من خلال الكتب المطبوعة، حتى في ظل تطور أساليب الوصول إلى المعرفة من خلال وسائل التكنولوجيا والاتصالات الحديثة.

كما تعتبر معارض الكتب أيضا من أهم الوسائل التي تساعد على تبادل الأفكار بين الشعوب وتفاعلها، وتجمع الكتّاب والأدباء والمفكرين من مختلف المدارس الفكرية من كل دول العالم في فعاليات مهمة لنشر الثقافة والفكر المعتدل، ولذا يعتبرها العديد من المتخصصين حاضنة للمدارس الفكرية الحديثة. حيث إن فكرة إنشائها لم ترتكز فقط على تسويق وبيع الكتب، وإنما أيضا الإسهام في تطوير الذوق العام من خلال القراءة، ورفع الوعي العام بالقضايا الفكرية والثقافية من خلال الفعاليات المقامة على هامشها.

 ومعرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يقام تحت إشراف الهيئة المصرية العامة للكتاب، يعتبر أحد أهم الأحداث الثقافية في مصر والعالم العربي ويعتبر ثاني أكبر معرض للكتاب في العالم بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب. حيث يقام سنويًا منذ تأسيسه في عام 1969، وقد أصبح منصة رئيسية ورسمية في مصر لتبادل الأفكار والآراء بين الكُتّاب والأدباء والمفكرين والناشرين والجمهور. وقد تأسس معرض القاهرة الدولي للكتاب باقتراح من وزير الثقافة الدكتور ثروت عكاشة في نهاية الستينيات من القرن الماضي، ليكون الحدث الثقافي الأهم في مصر والذي يعكس رؤية الدولة لدعم الثقافة ونشر المعرفة. ومنذ انطلاقه، شهد المعرض تطورًا كبيرًا من حيث المساحة، وعدد الناشرين، وحجم المشاركة المحلية والدولية، فقد بدأ كمعرض بسيط في أرض المعارض القديمة في حي الجزيرة، وانتقل لاحقًا في أرض المعارض بمدينة نصر، وحاليا يقام سنويا في مركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس لتلبية احتياجات النمو الكبير في الإقبال والمشاركين. وقد تطور المعرض مع مرور الوقت ليشمل مشاركات من معظم دول العالم العربي وبعض الدول الأجنبية، حيث أصبح ملتقى عالميًا يُعرّف الجمهور على أحدث الإصدارات والكتب في مختلف المجالات من مختلف دول العالم.

وقد لعب معرض القاهرة الدولي للكتاب دورًا محوريًا في نشر الثقافة والوعي بين مختلف طبقات المجتمع المصري والعربي. فقد كان وما زال متنفس العديد من المصريين لتعزيز هواية القراءة، وعرف الجمهور بالمؤلفين الجدد والأعمال الأدبية والفكرية المتميزة، والتي كانت ستكون هي والعدم سواء لولا الدور المهم لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في نشر الأعمال الفكرية. كما يساهم المعرض في تعزيز التبادل الثقافي بين مصر والدول الأخرى وخصوصا الدول العربية والإفريقية من خلال استضافة ضيوف شرف سنويًا وعرض كتب مترجمة من وإلى لغات مختلفة.

ويحظى معرض القاهرة الدولي للكتاب باهتمام كبير من المصريين والعرب منذ نشأته وحتى اليوم، حيث يجذب سنويًا ملايين الزوار، سواء كانوا من القراء، أو الكتاب، أو الباحثين عن المعرفة، أو حتى الأسر الراغبة في تعريف أطفالها بالقراءة وقضاء وقت ممتع في أروقة المعرض وفعالياته الثقافية المميزة. كما أنه يلقى اهتمامًا إعلاميًا واسعًا، حيث تُغطى فعالياته من قبل وسائل الإعلام المحلية والدولية، مما يعكس دوره كمحور ثقافي بارز.

وبالنسبة للأنشطة الثقافية التي اعتاد المسؤولون عن المعرض إقامتها فقد شهد المعرض في كل دوراته السابقة العديد من الأنشطة الثقافية المتميزة. ومن أهم هذه الأنشطة هي الندوات والحوارات الأدبية لمناقشة القضايا الثقافية والاجتماعية المعاصرة بمشاركة كبار الكُتّاب والمفكرين من أمثال الأديب العالمي نجيب محفوظ، والعالم المصري الكبير أحمد زويل، والأدباء والشعراء العظام من أمثال: يحيى حقي، صلاح جاهين، يوسف إدريس، محمود درويش، نزار قباني، سميح القاسم، سعدي يوسف، وغيرهم الكثيرون من أهل العلم والفن والثقافة. هذا الحضور المتميز كل عام من قامات الفكر والعلم جعل المعرض وبحق بيئة جاذبة للفكر والثقافة بين أبناء الشعب المصري والعربي.

وبخلاف الندوات الثقافية فيشهد معرض الكتاب دائما حفلات لتوقيع الكتب الجديدة والتي من خلالها يمكن للقراء لقاء المؤلفين والاستماع منهم عن فكرة الكتاب وهدفه، وشراء نسخ موقعة من كتبهم. ويقام أيضا العديد من ورش العمل في مجالات الكتابة والترجمة والفنون للأطفال والكبار، والتي يكون لها مردود كبير على رواد المعرض وتعتبر للعديد منهم تجربة حياتية فريدة. كما يتم في المعرض أيضا الاحتفاء بالكتاب الشباب، وهو تقليد مهم لدعم المواهب واحتضانهم، حيث يخصص المعرض مساحات خاصة لدعم الكتاب الشباب وإبراز أعمالهم. وأيضا تقام معارض فنية وثقافية لعرض اللوحات الفنية والتحف الثقافية التي تعكس التنوع الثقافي لمصر والدول المشاركة.

وختاما أؤكد أن معرض القاهرة الدولي للكتاب كان منذ نشأته في 1969 وما زال حتى يومنا هذا ليس مجرد حدث ثقافي عابر، بل هو انعكاس لحركة ثقافية مستمرة تسعى لنشر المعرفة وتأكيد دور مصر كمركز للثقافة والفكر. من خلال دعم القراءة والإبداع، يُسهم المعرض في بناء مجتمع أكثر وعيًا وتطورًا، ويبقى حدثًا ينتظره المصريون والعرب بشغف كل عام.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة