أصبح معرض القاهرة الدولي للكتاب منذ تأسيسه عام 1969 علامة مضيئة، وضرورة ثقافية في حياتنا، فهو يحتوي في أجنحته وسراياه وصالاته على معظم الإنتاجات والطروحات الفكرية والثقافية والعلمية والاجتماعية والسياسية والفنية والرياضية.. إلخ.
وكنا – ونحن طلاب - نقوم برحلات إلى هذا المعرض خلال إجازة نصف العام الدراسي من الإسكندرية إلى القاهرة، ونعود محملين بالكتب والذكريات الجميلة. وعندما بدأتُ العمل بعد ذلك كنت في شركتي من منظمي رحلات المعرض لزملائي في العمل، وكنا نقضي يومًا جميلا في ربوع المعرض عندما كان يُقام في منطقة الأوبرا الحالية.
إلى أن جاء الوقت الذي شاركتُ كشاعر في أمسيات المعرض، وأتذكر ذلك جيدا، عندما كان الدكتور أحمد هيكل وزيرًا للثقافة، لأنني شاركتُ بقصيدة عن شاعر من جنوب إفريقيا اسمه "بنجامين مونوليز" أُعدم شنقا في أكتوبر من عام 1985. وكانت القصيدة بعنوان "معذرة إفريقيا.. معذرة بنجامين" قوبلت بالاستحسان من د. هيكل الذي حضر تلك الأمسية، وجمهور المعرض الكرام.
وظللتُ أشارك في المعرض كل عام – عدا الأعوام التي كنتُ أعملُ فيها خارج مصر – وعاصرتُ انتقال المعرض من مكانه القديم على أرض الأوبرا الحالية، إلى مكانه في أرض المعارض بمدينة نصر، ثم مكانه الحالي بمركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية. وفي كل عام كنتُ أجدُ إضافاتٍ جديدة في المعرض، وبرامج مختلفة، سواء في طريقة العرض أو الأمسيات والندوات. كما كنتُ أشاهدُ الكثير من القراء والمشاركين في الأمسيات والندوات من الأشقاء العرب الذين يعترفون دائما أن معرض القاهرة الدولي للكتاب هو المعرض الأم والمعرض الأهم، باعتباره المعرض الأقدم والأكثر ازدحاما وتأثيرًا.
وكانت من شكاوى المعرض في مكانه القديم هو الأرض الترابية التي كانت تقام عليها سرايا وصالات العرض أو الخيام التي تُقام فيها أجنحة الكتب، أو عدم وجود أدلة وإرشادات لأجنحة المعرض المختلفة. وكان التخوّف قائمًا بعد انتقال المعرض إلى مكان جديد وبعيد عن منطقة وسط البلد أو مدينة نصر، ورغم ارتفاع صوت الشكوى في السنة الأولى من بُعد المعرض عن العمران، فإن هذه الأصوات خفتتْ بعد ذلك، فقد تم تجهيز أتوبيسات أو باصات وميكروباصات على مدار الساعة تذهب من وسط البلد سواء من موقف عبدالمنعم رياض أو رمسيس إلى المعرض مباشرة.
ولا شك أن مجالات الاستفادة كثيرة من معرض القاهرة الدولي للكتاب، من أهمها التعرف على أحدث الكتب في المجالات المختلفة، وحتى الكتب القديمة التي نحتاجها من الممكن العثور عليها سواء من أجنحة الكتب الجديدة، أو أماكن عرض الكتب القديمة التي تسمى "الأزبكية" بالمعرض. أيضا التعرف إلى ناشرين مشاركين سواء من مصر أو الدول العربية، بالإضافة إلى لقاء الكثيرين من الكتَّاب والأصدقاء في ردهات المعرض وطرقاته المختلفة، فضلا عن المشاركة في أنشطة المعرض وندواته الشعرية والنقدية، والتعرف إلى مبدعين وكتاب من الوطن العربي يأتون إلى المعرض إما للتسوّق أو المشاركة في الأمسيات والندوات الثقافية.
قبل ذهابي للمعرض أدوّن أسماء الكتب التي أريد شراءها، وأرقام أجنحة الناشرين حتى لا يمضي الوقت في البحث والتنقيب. وهذا ما كان يحدث في السنوات الأولى للمعرض حيث لم تكن هناك خريطة واضحة للمعرض نسير على هديها.
الآن وجدت هذه الخريطة، فضلا عن وجود مرشدين من الشباب يقفون في مدخل البوابات ولديهم أجهزة كمبيوتر للإجابة عن أي سؤال لأي زائر عن جناح الناشر وأسماء الكتب التي يعرضها. وهذه خدمة رائعة بسبب كثرة الناشرين وكثرة الكتب المعروضة والتي تنمو سنة بعد سنة.
كما أن هناك خدمة التصوير الفوتوغرافي المجاني لأصحاب الكتب مع كتبهم الموجودة بالمعرض، وهو تقليد جديد وجميل لاحظتُه في السنتين الأخيرتين، وقد خُصّص لهذه الخدمة مكان بارز ما بين صالة 1 وصالة 2.
أحيانا يحتار الزائر إلي أين يذهب في المعرض، ومن أي مكان تبدأ الزيارة، وإذا لم يكن الزائر محددا هدفه منذ بداية اليوم، فقد يمر اليوم دون أن يستفيد من زيارته الاستفادة القصوى، خاصة مع وجود عروض مسرحية وغنائية أو حفلات توقيع أو عروض للأطفال في صالة عرض كتب الأطفال، وهكذا تتنوع الاحتفالات والكرنفالات في معرض القاهرة للكتاب، ليصبح بحق عيدًا للثقافة والمثقفين، والكتَّاب والأدباء والشعراء والفنانين.
والأمر لا يقتصر على الكتب الورقية فحسب، ولكن هناك عروضا للكتب الإلكترونية والمنصات الرقمية، ويقبل عليها الشباب إقبالا كبيرا لأنها تخاطب فيهم المعرفة الجديدة وطرق التسويق الحديثة.
فضلا عن وجود أجنحة للوزارات والمؤسسات والدول العربية والأجنبية، وبعضها يهدي كتبه ومجلاته بالمجان، كنوع من أنواع الدعاية والإعلان الملائمة لجمهور المعرض.
وليس هناك شك أن الندوات والأمسيات التي تقام بالمعرض، والتي كان يقال عنها قديما إنها على هامش المعرض، أصبحت الآن من متن المعرض وليست على هامشه، وأصبح هناك جمهور ومترددون على المعرض يحضرون خصيصا لهذه الندوات والأمسيات أولا، ثم لأجنحة الكتب ثانيا. ولذلك أصبحت أجندة المعرض متخمة بالفعاليات والندوات الثقافية والأمسيات الشعرية والمداخلات النقدية والاحتفال ببعض الكتب الجديدة وأصحابها.
ودائمًا يقفز إلى ذهني مشاركات قديمة لشعراء مصريين وعرب كبار في هذه الأمسيات من أمثال: نزار قباني ومحمود درويش وسميح القاسم وأدونيس وفاروق شوشة وأمل دنقل وعبدالمنعم الأنصاري وعبدالعليم القباني ومحمد إبراهيم أبو سنة ومحمد أبو دومة وعبدالمنعم عواد يوسف وبدر توفيق ويسري العزب وفؤاد طمان والمنجي سرحان وأحمد سويلم وفاروق جويدة وجمال الشاعر وعبدالرحمن الأبنودي وأحمد الشهاوي ومحمد الشهاوي وفوزي خضر وجميل عبدالرحمن وعزت الطيري وعبدالستار سليم ورمضان عبدالعليم وعبدالناصر علام، ووفاء وجدي وشريفة السيد، وغيرهم وغيرهم، وقد شاركتُ مع معظمهم في الأماكن الثلاثة التي انتقل فيها المعرض خلال سنواته السابقة.
ولا شك أن هذه التجمعات الأدبية والأمسيات الشعرية تجد جمهورًا نوعيًّا جاء طواعية للاستماع والاستمتاع، وكانت فرصة أيضا لبروز أسماء عدد من الشعراء الجدد وخاصة من محافظات مصر المختلفة.
أيضا يحتفي المعرض كل عام بشخصية ثقافية مؤثرة، وهو تقليد جديد، حيث تدور بعض الندوات عن تلك الشخصية الرئيسية التي تتصدر مطبوعات المعرض، ويكون اسمه ملء السمع والبصر، وتعاد طباعة أعماله بأسعار مخفضة لتكون موجودة بين أيدي القراء وزوَّار المعرض.
لا شك أن معرض القاهرة الدولي للكتاب يكتسب كل عام بُعدًا ثقافيًّا جديدا، وهو ما يجعله مستمرًا بنجاح، ومنافسًا ومتفوقًا على معظم معارض الكتب الأخرى في بلداننا العربية المختلفة.