الثلاثاء 7 يناير 2025

مقالات

الالتزام بالقوانين ليس عبئا بل واجب وطني

  • 5-1-2025 | 13:44
طباعة

إن ما شهدناه في اليومين الأخيرين من العام الماضي من فتح مئات الآلاف من الهواتف المحمولة بهدف التهرب من الرسوم الجمركية ليس مجرد حادثة عابرة بل هو انعكاس لواقع اجتماعي واقتصادي معقد وهذا السلوك يكشف عن فجوة حيث يرى البعض أن التحايل على القوانين هو الوسيلة الأسرع لتحقيق المكاسب وتجنب التكاليف الباهظة لكنه في الوقت ذاته يحمل تداعيات خطيرة أبرزها حرمان الدولة من موارد ضرورية يمكن استثمارها في تحسين الخدمات العامة والبنية التحتية فالتهرب الجمركي بهذا الشكل الواسع يشير أيضا إلى ضعف الردع القانوني وربما غياب الثقة في جدوى التزام الأفراد بالقوانين ما يجعل من الضروري أن تتخذ الحكومة خطوات عاجلة لاستعادة هذه الثقة من خلال سياسات شفافة وعادلة لكن المسئولية لا تقع على عاتق الدولة وحدها فالتجار وغيرهم ممن يلجأون إلى هذه السلوكيات يتحملون مسئولية أخلاقية تجاه المجتمع والالتفاف على القوانين لتحقيق مكاسب شخصية يضر الجميع بما في ذلك الفئات الأكثر احتياجا التي تعتمد على الخدمات التي تمولها هذه الرسوم والمطلوب اليوم ليس فقط تشديد الرقابة وتطبيق القوانين بل أيضا إطلاق حوار وطني حول أهمية الالتزام بالمسئوليات المشتركة بين الدولة والمواطن لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة والتحايل ليس حلا بل إشكالية تتطلب مواجهة جادة ومسئولة فالالتزام بالقوانين ليس عبئا بل واجب وطني ومسئولية مشتركة لضمان مستقبل أفضل للجميع.

والشئ المؤسف أن هذا السلوك ليس نتيجة شعور التجار أو الأفراد بغياب العدالة أو الشفافية في فرض الضرائب أو الجمارك ما قد يدفعهم إلى اتخاذ ممارسات مخالفة لتجنب التكاليف الإضافية بل هي رغبة في التهرب من المسئولية فالتهرب في حالة الهواتف ليس المرة الأولي بل هو سلوك يتكرر في مواقف كثيرة ويؤدي إلى خسارة الدولة لعائدات مهمة يمكن أن تستخدم لتحسين الخدمات العامة أو الاستثمار في التنمية مما يساهم في زيادة الضغط الاقتصادي على الموازنة العامة وهذه الظاهرة قد تؤدي إلى تعميق الفجوة بين الفئات الاجتماعية حيث إن الأفراد أو الشركات التي تلتزم بالقوانين قد تجد نفسها في وضع تنافسي أضعف مقارنة بمن يتجنبون الرسوم وبتفحص الأرقام نجد أنه في عام 2023 أعلنت مصلحة الجمارك عن إحباط محاولات تهرب جمركي بقيمة 8.5 مليار جنيه خلال هذا العام وفي الفترة من يناير إلى يونيو 2023 تم تسجيل 12.493 محضر تهرب جمركي ما يعكس زيادة في محاولات التهرب خلال هذه الفترة وفي ديسمبر 2022 حررت الإدارة العامة لمكافحة التهرب الجمركي بالمنطقة الشرقية 361 محضر تهرب جمركي لبضائع متنوعة بقيمة جمركية بلغت 285.9 مليون جنيه وشهد شهري مايو ويونيو من 2018 تم تسجيل 3.247 محضر تهرب جمركي بقيمة 662.19 مليون جنيه وبلغت مستحقات الجمارك من الضرائب والغرامات نحو 1.12 مليار جنيه ولتقليل هذه الظاهرة عملت الدولة على تحسين الشفافية والعدالة في فرض الضرائب والجمارك لتقليل الشعور بالظلم وكذلك نشر الوعي بأهمية الالتزام بالقوانين وآثار التهرب على المجتمع والاقتصاد وفي الوقت ذاته يتم تطبيق القوانين بشكل صارم لضمان تحقيق العدالة والمساواة بالإضافة إلى اتخاذ خطوات للإصلاح الجمركي ومن بينها تخفيض الرسوم الجمركية أو إعادة النظر فيها لتقليل الدافع للتهرب ومعالجة تحديات هذه الظاهرة والتي تحتاج إلى معالجة شاملة تجمع بين الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي .

فيا كل من يرى في التهرب الجمركي مجرد حيلة ذكية أو وسيلة للربح السريع دعونا نتحدث بصراحة ووضوح التهرب الجمركي ليس مجرد خرق للقانون بل هو خيانة للوطن بأكمله إن ما تعتبرونه مكسبا شخصيا هو في الواقع خسارة جماعية تلحق بالاقتصاد الوطني وتؤثر على حياة ملايين المواطنين والتجارة العادلة والالتزام بالقوانين الجمركية هما أساس بناء اقتصاد قوي ومستدام وعندما تتجنب دفع الرسوم الجمركية فإنك تسلب الدولة مواردها التي يمكن أن تستخدم لتحسين التعليم وتطوير الصحة وبناء البنية التحتية التي تخدم الجميع أليس ذلك ضررا يلحق بنا جميعا والتفكير بأن التهرب الجمركي لا يضر أحدًا هو خطأ فادح فالحقيقة أن كل جنيه تسرقه من الدولة هو نقص في مستشفى يحتاج إلى أجهزة طبية أو مدرسة تنتظر تمويلا لتحسين خدماتها أو طريق يحمي أرواح المارة.

إن الالتزام بالقوانين ليس عبئا كما يراه البعض بل هو واجب وطني وأخلاقي يساهم في تعزيز العدالة الاجتماعية ودعم اقتصاد أكثر شفافية وقوة لذلك أذكر نفسي وأذكركم بأن الوطن الذي تريد أن تزدهر فيه حياتك وحياة أبنائك يحتاج إلى التزامك فكن جزءا من الحل لا المشكلة وقاوم الإغراءات العابرة وكن مواطنا يفتخر بمسئوليته تجاه بلده.

 

الاكثر قراءة