يحل علينا، ابتداءً من غدٍ السبت، النصف الثاني من شهر شعبان، مما يثير الكثير من التساؤلات حول حكم الصوم فيه، في ضوء قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"إذا انتصف شعبان فلا تصوموا".
الصوم في نصف شعبان
وحول ذلك، يوضح الأزهر الشريف، بعد أن يستشهد بقول الله -تبارك وتعالى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، [الأحزاب: 21]، أنه قد ثبت عن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يكثر من الصيام في شهر شعبان، فعن عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ"، [مُتفق عليه]، وهذا في شهر شعبان مُطلقًا.
أما ابتداء الصوم بعد انتصاف شهر شعبان، فيقول الأزهر، إن الفقهاء قد اختلفوا في حكمه بعد اتفاقهم على جواز الصيام في النصف الأول منه، لتعدد روايات الحديثية الواردة في صيام النصف الثاني من شهر شعبان، فمنها أحاديث تدل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم أكثر أيام شهر شعبان مطلقًا كالحديث السابق ذكره، ومنها أحاديث تدل على جواز الصيام في النصف الثاني من شهر شعبان لمن كانت عادته الصوم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:"لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ"، [مُتفق عليه]، ومنها أحاديث تدل على عدم جواز الصوم في النصف الثاني من شعبان، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا".
ويشير إلى أن الإمام الشافعي قد ذهب إلى الجمع بين هذه الأحاديث إلى القول بتحريم صيام التطوّع في النصف الثاني من شعبان إلا صومًا اعتاده الشخص، أو وصله بصوم قبله في النصف الأول، أو كان عن نذر أو قضاء، ولو كان قضاءً لنفل أو كفارة، فإن كان كذلك فلا حرمة.
بينما ذهب جمهور الفقهاء، كما يقول الأزهر، "إلى إباحة التطوع بالصوم في النصف الثاني من شعبان، ولو لمن لم يعتده الإنسان ولم يصله بالنصف الأول منه، ولا يكره إلا صوم يوم الشك، وقالوا: إن الحديث الذي ورد عن أبو هريرة، هو حديث ضعيف، لأنه خلاف ما روى عن النبي -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم-:"أنه كان يصل شعبان برمضان".
وأضاف الأزهر، أنه يُرد على الجمهور بأن الحديث الذي استدل به الشافعية (قد صححه ابن حبان وابن حزم وابن عبد البر... والعلاء بن عبد الرحمن احتج به مسلم وابن حبان وغيرهما ممن التزم الصحة، ووثقه النسائي، وروى عنه مالك والأئمة، ورواه عن العلاء جماعة: عبد العزيز الدراوردي وأبو العميس وروح بن عبادة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وزهير بن محمد وموسى بن عبيدة الربحي وعبد الرحمن ابن إبراهيم القاري المديني")، وبالتالي، فالحديث صحيح، والجمع بينه وبين باقي الألة أولى من إهمال أحدها.
واستشهد بقول ابن حجر الهيتمي -رحمه الله تعالى- في التوفيق بين الأدلة: "هذه الأحاديث لا تنافي الحديث المحرِّم لصوم ما بعد النصف من شعبان؛ لأن محل الحرمة فيمن صام بعد النصف ولم يصله؛ ومحل الجواز بل الندب فيمن صام قبل النصف وترك بعد النصف أو استمر؛ لكن وصل صومه بصوم يوم النصف؛ أو لم يصله وصام لنحو قضاء أو نذر أو ورد"، وهكذا يعلم الجواب.
من جانبها، قالت دار الإفتاء المصرية، إنه "يجوز صيام النصف الثاني من شعبان، خاصة إذا وافق عادة للمسلم كصيام يوم الاثنين والخميس أو قضاء أيام فائتة أو نذر أو غيرها من أنواع الصيام التي لها سبب".