لم يكن شهر رمضان مجرد وقت للصيام والعبادة فحسب، بل أصبح رمزًا للتجديد الروحي والتواصل الاجتماعي، حيث يعد من أعظم الشهور في الإسلام، وقد نال مكانة مميزة في قلوب المسلمين عبر العصور، كما أُلهِمَ قلوب الشعراء وحرِّك مشاعرهم، ليُعبروا عن جلاله وعظمته بأجمل الكلمات وأرقى الأبيات.
وتناول الشعراء شهر رمضان من زوايا متعددة؛ فمنهم من ركَّز على معاني الصبر والتقوى والإيمان، ومنهم من عبَّر عن فرحته بقدومه وحزنه على رحيله، ومنهم من أضاء جوانب التواصل والمودة بين الناس خلال هذا الشهر الفضيل.
كما صوّروا ليله المضاء بنور الإيمان ونهاره المفعم بعبق العبادة والخشوع، كما عبر الشعراء عن اشتياقهم الدائمٍ لقدومه، فكان لرمضان مكانة مميزة في ديوان الشعر العربي، وخلَّده الشعراء عبر الأزمان.
وتقدم بوابة «دارالهلال» طوال شهر رمضان المبارك 1446 هجريا، أبرز القصائد، ومنها قصيدة ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه، للشاعر «أبو الحجاج يوسف بن علي»، وللقصيدة قصة حينما دخل الخليفة المعز لدين الله إلى مصر ليلا قادما من المغرب عن طريق الجيزة احتشد الناس والأطفال لاستقباله على الطريق من الجيزة إلى حي الجمالية (10)، وفي أيديهم الشموع والفوانيس لإضاءة الطريق للخليفة حين يمر، وكان الأطفال في ذلك العصر يعجبهم ويسعدهم أن يمسكوا بالفوانيس ليلا من أجل إضاءة الطريق أمام أهلهم ليلا عند الخروج إلى المسجد أو عند زيارة الأهل والأصدقاء خاصة في رمضان، إذ يسهر أغلب الناس حتى الفجر، فكان يجتمع الشعراء في محاولة لوصف الفانوس، يقول الأديب المصري علي بن ظافر المتوفى سنة 613، اجتمعنا ليلة في رمضان فجلسنا بعد انقضاء الصلاة للحديث في جامع عمرو بالفسطاط، وقد أُوقِد فانوس للسحور، فاقترح بعض الحاضرين على الأديب أبو الحجاج يوسف بن علي أن يضع فيه شعرا، فأنشد:
ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه .. ولكنه دون الكواكب لا يرى
ولم أر نجمًا قط قبل طلوعه .. إذا غاب ينهى الصائمين عن الفطر
وقال:
هذا لواء سحور يستضاء به .. ويسكر الشهب في الظلماء جرار
والصائمون جميعًا يهتدون به .. كأنه علمٌ في رأسه النار