يقول هيرودوت « لقد سبق المصريون الشعوب إلى إقامة الأعياد العامة والمواكب العظيمة وعنهم تعلم اليونانيون» والمصريون لا يحتفلون مرة واحدة فى السنه بعيد شعبى عام ولكن أعيادهم العامة كثيرة.
فقد احتوت السنة المصرية القديمة العديد من الأعياد، منها ما ارتبط بتقويم السنة ( أول السنة، نصف الشهر، بداية الفصول)، ومنها ما ارتبط بالزراعة (البذر، الحصاد، الفيضان)، ومنها ما ارتبط بالملك (التتويج، العيد الثلاثينى).
ووصلتنا أخبار عن أعياد الآلهه من خلال حجر بالرمو( وهو حجر يعود إلى عصر الأسرة الخامسة يذكر عليه أسماء ملوك مصر من مافبل الأسرات حتى الأسرة الخامسة ومسجل أمام كل ملك أهم الأحداث التى تمت فى عصره) ويذكر الحجر أعياد الإله حورس، سكر، مين، أنوبيس، سشات، كما ذكرت قوائم بالأعياد فى مصر القديمة على جدران معابد كوم أمبو، ادفو، إسنا، دندره، وفى صالة الأعياد بمعبد الكرنك ومناظر عيد أوبيت الخاص بالإله أمون على جدران معبد الأقصر.
وتنقسم الأعياد إلى عدة أنواع:- - أعياد رسمية : يتم الاحتفال بها فى مصر كلها مثل عيد رأس السنه الجديدة، بداية المواسم، عيد الفيضان، عيد تتويج الملك. - أعياد زراعية مرتبطة بمواسم الزراعة والحصاد.
- أعياد محليه خاصة بكل مدينة او إقليم.
- أعياد شعبية تتعلق بفئة معينة أو مناسبة معينة مثل أعياد الميلاد وأعياد الزواج. وقد صور المصريون على جدران مقابرهم مناظر احتفالاتهم بالأعياد فنرى من مظاهر الاحتفالات أن الرجال والنساء يبحرون معا ويحمل كل قارب عددا كبيرا من الجنسين وتقوم بعض النسوة بالتطبيل على الطبول التى بأيديهن، وبعض الرجال يزمرون طول الطريق أما باقى النساء والرجال فيغنون ويصفقون، وعند وصولهم إلى مكان الاحتفال يقدون الأضحيات والفواكه والطعام ويستهلكون من النبيذ أكثر مما يستهلكون بقية العام، وكانت تقام العروض الفنية والمسرحيات المقتبسة عادة من قصة إيزيس وأوزوريس، وتزين المعابد والمنازل، ويستمتع الناس بالموسيقى فى أجواء احتفالية.
وأثناء الاعياد كانت ترتل الأناشيد وتزين المعابد وتضاء، ومن أهم الطقوس فى الاحتفالات الدينية أن يرى الشعب تمثال المعبود والذى كان يزين ويطهر بالعطور ويخرج من المقصورة وينتقل إلى مكان ظاهر حتى تراه جموع الشعب.
وسوف نتناول عددا من الأعياد مع ذكر بعض مظاهر الاحتفال فى كل عيد: الأعياد الزراعية احتفل المصرى بعدد لابأس به من الأعياد الزراعية مثل أعياد النيل، أعياد الحصاد وكان يحتفل بها فى كل أنحاء مصر احتفالا رائعا، وكان يتم فى تلك الأعياد الاحتفال بالآلهة المرتبطة بالزراعة مثل عيد الإلهة رننوتت إلهة الحصاد. فكانوا فى هذا الاحتفال يقدمون وعاء به ماء تعلوه حزمة من سنابل القمح وتعلق سيقانه كقربان للآلهة، وفى أثناء عيد الإله مين إله الخصوبة والذى يقام فى الشهر الأول من فصل الحصاد كان الملك يقوم بإطلاق مجموعة من الطيور فى الاتجاهات الأربعة (شمال، جنوب، شرق، غرب) كرمز لتجديد قوته. كما كان يقام فى شهر كيهك أعياد مرتبطة بحرث الأرض. وأقام المصريون طقوس واحتفالات خاصة بالإله " نبر" رب الحصاد .
عيد المشاعل أو المصابيح:- وهو من الأعياد الزراعية التى احتفل بها المصريون حيث كانوا يقومون فى تلك الاحتفالات بجمع سنابل القمح وربطها وتعلقها على أبواب المنازل، وكان هذا العيد يحتفل به المصريون عند الانقلاب الشتوى وربما مرتبط بموسم البذر وكان يسهر فيه المصريون ويسبحون فى نهر النيل. كما كان المصريون فى هذا العيد يجتمعون ويشعلون جميعا مصابيح عديدة فى الهواء الطلق على شكل دائرة حول منازلهم ، وهذه المصابيح عبارة عن أوان مسطحة مملوءة بالملح والزيت ويطفون على سطحها فتيلا يشتعل طول الليل.
عيد فيضان النيل:
- اعتقد المصرى أنه إن لم تقم الاحتفالات لوفاء النيل فى حينها فإن الفيضان سيمتنع عن الزيارة ولن يغمر الأرض، وفى اللحظة التى يرتفع فيها منسوب النيل كانت تقدم القرابين للإله حعبى إله النيل، وكانت التراتيل تنشد خلال تلك الاحتفالات. كان الاحتفال بعيد الفيضان يقام على طول الوادى، ولكن الاحتفال الرئيسى كان يتم بالقرب من أسوان، وكان احتفالا دينيا كبيرا لدعوة النيل إلى الفيضان، وخلال الاحتفال كانت تكتب بردية تضم قائمة قرابين تتضمن عجلا صغير السن وأوز وطيورا وتحوى صلوات للمعبود حعبى تدعوه ليأتى وتلقى تلك القائمة فى النيل، وكان الكهنة يعتقدون أن للكتابة التى فى البردية ذات قوه سحرية قادرة على أن تستدعى الفيضان.
كما كانت تلقى فى هذه الاحتفالات مجموعة من تماثيل سيدات، وكانت تغنى الأناشيد على شرف النيل ليسرع بالمجئ. وتخبرنا بردية هاريس الأولى من عصر الملك رمسيس الثالث عن بعض مظاهر الاحتفال بهذا العيد حيث ذكرت قائمة ما كان يقدم من وجبات بمناسبة قدوم الفيضان تتمثل فى أنواع من الخبز والغلال وبقر وماعز وطيور وأنواع من النبيذ والزيوت والفاكهة والزهور، كما تصف مناظر الشباب والأطفال وهم يقومون بالاحتفالات على المراكب.
وعند ارتفاع منسوب مياه النيل كان يتم وضع قدر من المياه الوافدة مع الفيضان فى الوعاء الذهبى الخاص بالمعبودة إيزيس وينشد الناس فى مديح المعبودة، ويقيمون احتفالات لا تتوقف. الأعياد الدينية عيد الأوبت :- هو عيد انتقال الإله آمون من معبده في الكرنك إلى معبده في الأقصر ثم يعود مرة أخرى إلى معبد الكرنك.
يستمر الاحتفال بهذا العيد مده تتراوح مابين 11 إلى 24يوما. حيث يبدأ الاحتفال بالعيد فى شهر بؤونه من اليوم الثانى عشر من فصل الفيضان وينتهى اليوم الثانى عشر من الشهر الثالث من شهر الفيضان. وعرفنا عن هذا العيد من خلال مناظر منقوشة في معبد الأقصر ترجع لعهد الملكين توت عنخ آمون وحورمحب من ملوك الأسرة الثامنة عشرة.
يبدا الاحتفال بخروج زوارق مخصصة لثالوث الكرنك ( أمون وموت وخنسو) فى مراكب محمولة على أكتاف الكهنة وتتقدم الموكب الموسيقى العسكرية ويصطحب الملك الموكب وقد أحاطت به حراسة من أتباعه، ثم نجد أسطولا عند المرسي حيث تربط كل سفينة بالحبال ويصطحب البحارة الذين يسحبون السفن المنشدون والموسيقيون يرددون الأناشيد.
وتصل المراكب إلى ميناء الأقصر ويسير الموكب وسط حوانيت مليئة بالأطعمة، حيث كانت تقام الأسواق حول المعبد والتى كانت تحوي العديد من البضائع والطعام وهو مايشبه ما يقام من أسواق حول مساجد الأولياء فى الموالد حاليا. ويظهر القصابين وهم ينحرون الأضاحى، وكدست فى فناء المعبد الحلوى والخضروات والفاكهة، وتقوم الراقصات بأداء الرقصات تمثيلية يصحبهم اخرون يقومون بالتصفيق. وكانت تقام خارج المعبد احتفالات شعبية، حيث يظهر المصريون فرحتهم من خلال الطعام والشراب والضوضاء والهتاف، وكان الاحتفال يفيض بالحيوية وتعم الفرحة الغامرة المصريين، ويشبه بعض الباحثين ما يقام من احتفالات فى مولد أبوالحجاج بالأقصر بأنها تشبه ما كان يقام من احتفالات فى عيد أوبيت. وفى اليوم الأخير يأتى الملك فى موكب عظيم ليعود بالإله آمون إلى معبد الكرنك. عيد اللقاء الجميل:- هو العيد الذي كانت تتجه فيه الإلهة حتحور من معبدها في دندرة لتقضي خمسة عشر يوما في معبد إدفو مع زوجها حور. كان ذلك يتم كل عام و كان يشترك الشعب في هذا الاحتفال. حيث كانت الإلهة حتحور تترك معبدها قبل خمسة أيام من اكتمال القمر وتتحرك في مركبها مع عدد من الكهنة تصطحبها مجموعة أخرى من المراكب على رأسها مركب حاكم المدينة.
عيد السنة الجديدة:
- ظهرت مناظر الاحتفال بهذا العيد فى أدفو ودندرة وكان يتم الاحتفال به فى جميع المعابد، يبدأ العيد في الليلة التي تسبق السنة الجديدة حيث يتوجه كبار الكهنة بقيادة كبير الكهنة ويبدأون في النزول الى القبو حتى يصلون إلى المقصورة التى يوجد بها تمثال الآلهة . ثم يحملون التمثال ليصعدوا به حيث تنتظرهم مجموعة من حملة الأعلام، يبدأ الموكب في التحرك إلى غرفه تجري فيها مجموعة من الطقوس التي يطلق عليها ترتيب التيجان ثم يتم تبخير و تعطير تمثال الآلهة و تقدم لها القرابين.
يصعد الموكب إلى سطح المعبد حيث نرى حملة الأعلام والكهنة يسبقهم الملك والملكة، وتتلى الأناشيد المصاحبة للعيد ويوضع تمثال الآلهة في المقصورة الخاصة بها على سطح المعبد هنا يتم الاتحاد مع قرص الشمس والذي يحدث عند بزوغ أشعة الشمس في أول أيام العام الجديد.
عيد الوادى الجميل :
- سمى بهذا الاسم لأن الموتي يقضون يوما جميلا مع الأحياء من أقاربهم وأصدقائهم. بدأ الاحتفال بهذا العيد منذ عصر الأسرة الحادية عشرة في عهد الملك منتوحتب ونجد إشارة للاحتفال بهذا العيد في معبد مدينة هابو (معبد الملك رمسيس الثالث بالأقصر). عيد تتويج الملك:- ومن الاحتفالات الهامة أيضا كان الاحتفال بعيد تتويج الملك وجلوسه على العرش والذى كان يبدأ باحتفالات بخروج الملك فى مركب فى نهر النيل وكانت تتلى فى العيد صلوات خاصة وتجرى طقوس دينية متوارثة، وحرص الملك فى هذا اليوم أن يظهر على رأس موكب عظيم يحمل الكهنة فيه تماثيل الملوك الذين وحدوا البلاد وبدأوا عصور نهضتها الكبرى وهم منى ومنتوحتب وأحمس.
وفى هذا الاحتفال يظهر الملك أمام شعبه الذى يقوم بالتهليل والدعاء للملك، وكانت تقام الولائم فى القصر وتوزع العطايا على أفراد الشعب. ويتضح لنا مما قمنا باستعراضه من بعض الأعياد التى احتفل بها المصرى القديم نجد أن المصرى كان حريصا على المساهمة فى الأعياد ويستقبلها بمظاهر البهجة والسرور ويكون حريصا على المشاركة بها ويخرج مع أسرته لمشاهدة المواكب وينشد الأناشيد مع المنشدين، وكانت تقام المآدب ويستمتعون بالموسيقى والغناء والرقص.