تخطط إندونيسيا لإزالة وكسح مساحات شاسعة من الغابات، تزيد على مساحة دولة بلجيكا، بهدف إنتاج وقود الإيثانول الحيوي المستخرج من محصول قصب السكر والأرز وغيره من المحاصيل الغذائية الأخرى، الأمر الذي قد يفضي إلى تهجير جماعات السكان الأصليين، الذين يعتمدون في معيشتهم على تلك الأراضي.
ونقلت محطة "إيه بي سي نيوز" الأمريكية عن مجتمعات محلية قولهم إنهم يتعرضون للضرر فعلياً من الحكومة التي تدعم المشروع، الذي قالت جمعيات بيئية لمراقبة الغابات، إنه أكبر عملية إزالة غابات يجري التخطيط لها حالياً على مستوى العالم.
وتضم دولة إندونيسيا، ذلك الأرخبيل الشاسع الممتد عبر خط الاستواء، ثالث أكبر غابات مطيرة عالمياً، وتتمتع بتنوع بيولوجي هائل، ولديها العديد من الكائنات الحيوانية والنباتية البيولوجية المهددة بالانقراض، من بينها إنسان الغاب، والفيلة، والأزهار العملاقة، التي لا يوجد مثيل لها في أي بقعة أخرى من العالم.
وشيدت إندونيسيا نموذجا لدولة زراعية كبيرة، بمساحات استزراع هائلة صممت لتحسين الأمن الغذائي للبلاد على مدار عقود طويلة، وحققت في هذا السياق نجاحات بمستويات متفاوتة. وقد تم إحياء هذا المفهوم إبان حكم الرئيس السابق جوكو ويدودو أثناء فترات حكمه من 2014 إلى 2024.
وتقول المحطة الأمريكية إن الرئيس الإندونيسي الحالي، برابوو سوبيانتو، توسع في تلك المشروعات لتشمل محاصيل زراعية تخصص لإنتاج وقود الإيثانول الحيوي، ذلك الوقود المتجدد الذي يُستخلص من نباتات مثل قصب السكر أو الذرة، وذلك في إطار طموحات حكومة جاكرتا لتحسين مزيج الطاقة لديها بتطوير المزيد من مصادر الطاقة المتجددة.
وكان الرئيس برابوو أكد في أكتوبر 2024 أنه "على ثقة بأنه خلال أربع أو خمس سنوات على الأقل، سوف نحقق اكتفاءً ذاتياً من الغذاء، وينبغي أن يكون لدينا كفاية من الطاقة ولدينا القدرة على إنجاز ذلك."
من جهتها، أكدت وكالة الطاقة الدولية أن الوقود الحيوي، مثل الإيثانول الحيوي، له دور مهم في التخلص من الكربون من خلال تقديم حلول منخفضة الانبعاثات الكربونية للقطاعات التي تعتمد بكثافة على الوقود الأحفوري مثل الشاحنات البرية، والسفن، والطيران. لكنها حذرت أيضاً من التوسع في استخدام الوقود الحيوي الذي يتعين أن يكون في حدوده الدُنيا، بحيث لا يلقي بتداعياته على استنزاف الأراضي، والغذاء، وغيرها من العوامل البيئة الأخرى، من أجل تحقيق التنمية على نحو مستدام.
ويعد ذلك مصدر قلق عميق إذ تعرضت أكثر من 74 مليون هيكتار (285 ألفا و715 ميلاً مربعاً) من الغابات المطيرة في إندونيسيا- وهي أراضٍ تصل ضعف مساحة ألمانيا- للتجريف والحرق والإزالة لتطوير زراعة زيت النخيل، والأوراق والمطاط، ومناجم النيكل وغيرها من المعادن، منذ خمسينيات القرن الماضي، حسبما تؤكد تقارير منظمة "مراقبة الغابات العالمية" (جلوبال فورست ووتش).
وتشير المنظمة إلى أن إندونيسيا لديها قدرات هائلة لإنتاج وقود الإيثانول الحيوي نظراً لتمتعها بمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، لكنها تفتقر حالياً لمخزونات الغذاء المغذية لتلك الصناعات، مثل قصب السكر والكاسافا. وكانت محاولة سابقة لإنتاج مزيج الإيثانول المخلوط في عام 2007 لم تكتمل بعد مضي عدة أعوام للافتقار لمخزون الحاصلات المغذية لتلك الصناعة.
ومنذ ذلك الحين، سرّعت الحكومة من إجراءاتها لتنفيذ مشروعها العملاق للمواد الغذائية المخصصة للطاقة، الذي امتد على مساحة 4.3 مليون هيكتار (حوالي 10.6 مليون فدان) في جزر بابوا وكاليمانتان. ويقول خبراء إن المساحة المجمعة للمواقع الهائلة التي يمتد عليها عمليات الاستزراع، تجعل من المشروع أكبر مشروع لإزالة غابات في العالم.
وأكبر المواقع ضمن هذا المشروع، يطلق عليه "ميراوكا المتكامل لأراضي الغذاء والطاقة"، وسوف يغطي مساحة أكبر من 3 ملايين هكتار (بما يعادل 7.4 مليون فدان) في أقصى شرقي منطقة بابوا، وفق تقارير أعدتها منظمة "مايتي إيرث" البيئية الدولية.
وتتقاطع تلك المنطقة مع منطقة "ترانس فلاي" الغنية بغابات الكاسافا، والعديد من الثدييات المهددة بالانقراض والطيور النادرة والسلاحف، إضافة إلى العديد من جماعات السكان الأصليين الذي يعتمدون في حياتهم على تلك المنطقة لكسب قوت عيشهم.
وتعلق رئيسة مجلس إدارة منظمة "مايتي إيرث" العالمية، جلين هوروفيتز، قائلة "تصوروا أن كل بقعة خضراء في تلك المساحة تم القضاء عليها تماماً.. لقد محوا كل الأشجار والحياة البرية من المشهد وحل محله نوعية واحدة من المزروعات. لقد خلقوا منطقة موت في واحدة من أكثر بقاع الأرض ثراءً وحيوية".
وقدرت دراسة جدوى حكومية غير منشورة، اطلعت عليها وكالة "اسوشيتيد برس"، انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من أراضي الغابات التي جرفت في المشروع بإجمالي 315 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون المعادل. وفي تقييم مستقل أعده "مركز الدراسات الاقتصادية والقانونية" البحثي ومقره إندونيسيا، قدرت تلك الانبعاثات بضعف ما ذكرته الحكومة.
وتؤدي عمليات إزالة الغابات إلى تآكل وتدمير التنوع البيولوجي في تلك المناطق، فضلاً عن تهديدها للحياة البرية والبشرية الذين يعتمدون على موارد الغابات، وتفاقم الكوارث الناجمة عن تقلبات الطقس الحرجة.
من جانبه، قال هاشم دجوجوهاديكوسومو، شقيق الرئيس سوبيانتو، ومبعوثه للطاقة والبيئة، إن الحكومة ستعيد زراعة غابات على مساحة 6.5 مليون هيكتار (بما يوازي 16 مليون فدان) من أراضي الغابات المجرفة والمتضررة.
وأضاف "وهكذا، فإن برنامج أراضي الغذاء يتواصل بينما نسعى لتخفيف الآثار السلبية ببرامج جديدة، أحدها هو إعادة زراعة الغابات".
بيد أن خبراء حذروا من أن إعادة استزراع الغابات، رغم ضرورته، لا يمكن أن يضاهي المنافع البيئية للواقع البيولوجي والبيئي القديم، الذي يختزن كميات هائلة من الكربون في الأراضي والكتلة الحيوية البيولوجية، وتنظم دورات المياه، وتدعم التنوع البيولوجي.