في الوقت الذي يحتفل فيه المسيحيون في أرجاء وجميع دول العالم بـ«أحد السعف» رمز السلام والانتصار، تعيش فلسطين وحدها منفردة وعاصمتها القدس لحظات عصيبة ومتناقضة تمامًا لهذا المعنى، وهذا الحدث وتقف المدينة المقدسة، مهد الديانات السماوية، تنزف تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، وبدل من غصن الزيتون والسعف، تُقابل الصلوات بالحصار، والفرح بالدموع، وبالشهداء على أرض غزة الحبيية الأبية المقاومة لجرائم الاحتلال.
و«أحد السعف» في القدس ليس مجرد مناسبة دينية، للإخوة المسيحيين، فحسب، لكنه يوم مقدس شاهد حي على صمود شعب أعزل، يحاول أن يعيش إيمانه، ويتمسك بجذوره رغم كل القمع والاضطهاد، ويحاصر الشعب كله بسلاسل من القيود الأمنية المشددة، إلى منع وصول المصلين للكنائس، وتتجدد آلام المدينة المقدسة في أسبوع الآلام، في المدينة القوية التي لاتنحني و صامدة رغم كل شيء.
تحت وطأة الاحتلال
ونحن جميعا نشهد ما يعانيه أهل القدس من منعهم للوصول للكنائس، من المئات، وأحيانًا الآلاف، يُمنعون من الوصول إلى كنيسة القيامة، يُطلب منهم تصاريح، يُوقفون عند الحواجز، وكأنهم غرباء في مدينتهم، كبار سن، رهبان، وراهبات، يتعرضون للإهانة والعرقلة بدلا من أن يعيشون لحظات الإيمان.
كما يشهد العالم عاما وراء عام انتهاك للمقدسات،و كثيرًا ما تشهد المدينة خلال هذه المناسبة اقتحامات من قبل قوات الاحتلال الغاشم، وتوترات في محيط الأحياء المقدسية القديمة، ويختلط صوت الترانيم بصوت صفارات الإنذار والرصاص المطاطي، و الهجوم بالأسلحة.
و نشهد بأعيننا عبر الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي عاما بعد عام، صورة تختصر المعاناة مصلون يحملون سعف النخيل ودموعهم في آنٍ واحد.. يدخلون من حارات ضيقة وتحت أنظار الجنود، ليصلوا إلى كنائسهم محاطين بالجدران وليس بالأمان.
ولكن، ورغم كل هذا...سيبقى أهل القدس، بمسلميه ومسيحييه، جسدًا واحدًا، وروحًا واحدة، يقاومون بصمودهم، وإيمانهم، وحقهم التاريخي. فـ«أحد السعف» في القدس لا يُحتفل به فقط، بل يُعيشه الناس كفعل مقاومة، كتمسك بالأرض، كقول واضح: «نحن هنا.. وسنبقى هنا». صامدين ضد القوى الغاشمة .
أحد السعف
«أحد السعف» أو «أحد الشعانين»، والذي تحتفل به الكنيسة الأرثوذكوكسية اليوم، فب العالم كله، مناسبة دينية ممتدة الجذور ترمز إلى دخول السيد المسيح، عليه السلام إلى مدينة القدس قبل بدء أسبوع الآلام، وهو الأحد السابع من الصوم الكبير، وبداية من هذا اليوم، يأخذ مسيحيي العالم في التردد على الكنيسة للصلاة فيها، وحاملين سعف النخيل وأغصان الزيتون والورد.
المرجع التاريخي والديني
ويعود أصل عيد «أحد السعف» إلى روايات الأناجيل الأربعة، التي تذكر أن السيد المسيح كان راكبًا على جحش، وفرشوا له ثيابهم وأغصان الشجر على الطريق، في تعبير رمزي عن استقبال ملك السلام، و استُقبل حينها السيد المسيح بسعف النخيل وغصون الزيتون المزينة، وأناشيد الفرح، في مشهد تحوّل إلى طقس سنوي يُحييه الملايين حول العالم.
وكلمة شعانين من «هو شيعه نان» ومعناها «يا رب خلص»، ومنها الكلمة اليونانية «أوصنا»، وهى الكلمة التي كانت تصرخ بها الجموع منتظرين السيد المسيح، أثناء خروجهم لاستقبال موكبه وهو في الطريق إلى أورشليم.
الكلمة نفسها «شعانين» مأخوذة من الصيغة العبرية «هوشعنا»، أي «خلصنا»، والتي كانت هتافًا شعبيًا للفرح والرجاء، منذ القرون الأولى للمسيحية، بدأ المؤمنون بإحياء هذه الذكرى من خلال المواكب والصلوات، وكانت القدس «أورشليم» مركزًا مهما لهذه الاحتفالات.
ومع مرور الزمن، انتشرت طقوس العيد في مختلف بقاع العالم المسيحي، واحتفظت برمزيتها الغنية: النخيل والزيتون يرمزان إلى النصر والسلام، والموكب الكنسي يعيد تمثيل دخول المسيح كملك روحي لا دنيوي.
الأهمية الدينية
يُعتبر «أحد الشعانين» مدخلًا روحيًا إلى «أسبوع الآلام»، وهو الأسبوع الذي يسبق عيد الفصح أو القيامة، وفيه يتأمل المسيحيون في آلام السيد المسيح وصلبه وقيامته، ما يجعله أحد أبرز المحطات في السنة الليتورجي.