في تصعيد جديد للحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، برزت المعادن الأرضية النادرة كسلاح مهيمن في يد بكين، والذي عزز من قوتها في مواجهة واشنطن، هذه العناصر الكيميائية البالغة الأهمية، والتي تدخل في تصنيع كل شيء من الهواتف الذكية والطائرات المقاتلة إلى السيارات الكهربائية والمعدات الطبية، ستصبح المهيمنة في المعركة التكنولوجية الكبرى القادمة.
الصين تستخدم المعادن الأرضية النادرة كورقة ضغط على الاقتصاد الأمريكي
تسيطر الصين اليوم على 61% من الإنتاج العالمي للمعادن الأرضية النادرة، والأهم أنها تتحكم في 92% من عمليات معالجتها، وهذا نتيجة ثمرة استثمارات بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، حين وظفت بكين العمالة الرخيصة والتساهل البيئي والتكنولوجيا لذلك قال دينغ شياو بينغ، رئيس المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني سابقًا "بينما يوجد النفط في الشرق الأوسط، تمتلك الصين معادن أرضية نادرة".
استخدمت الصين هذه الهيمنة كورقة ضغط استراتيجية، وفرضت قيودا على تصدير المغناطيسات النادرة المستخدمة في الصناعات الغربية الحيوية، ونتيجة ذلك تسبب في ارتباك بسلاسل الإمداد الأميركية والأوروبية، على عكس الرسوم الجمركية، ومنذ إدارة ترامب، بدأت الولايات المتحدة محاولات جادة لبناء سلسلة توريد محلية للمعادن النادرة، لكن التحديات جسيمة.
هيمنة الشركات الصينية تقف حاجزًا في وجه الاقتصاد الأمريكي
ورغم تخصيص وزارة الدفاع أكثر من 439 مليون دولار، لا تزال الشركات الناشئة مثل Phoenix Tailings وUSA Rare Earth في مراحلها الأولى من الإنتاج، الذي يبقى بعيدًا عن سد الفجوة الهائلة أمام الهيمنة الصينية.
الأكثر خطورة هو تحكم الصين الكامل في ما يُعرف بـ"المعادن النادرة الثقيلة"، وهي الأكثر أهمية وصعوبة في المعالجة، فباتت الشركات الغربية تحتاج لموافقة بكين لتصدير هذه المواد، مما يضعها في موقف ضعف واضح، رغم جهود بناء مصانع جديدة في تكساس وغيرها، وهي مشاريع تحتاج إلى سنوات واستثمارات ضخمة لتُؤتي ثمارها.
وبرغم هذه الهيمنة الصينية، يرى بعض الخبراء أن الأزمة تمثل فرصة للولايات المتحدة لإعادة تأسيس استقلالها الصناعي، وتسريع تطوير سلاسل إمداد محلية مستقلة، لكنها معركة سباق زمني وتكنولوجي، لا تحتمل التأخير.
الرئيس الصيني: يجب العودة لفكرة الأسرة الإسلامية في مواجهة السياسات القائمة على القوة
يشن الرئيس الصيني شي جين بينغ حرب دبلوماسية نشطة لتعزيز تحالفات بلاده في جنوب شرق آسيا، وذلك خلال جولة شملت فيتنام وكمبوديا وماليزيا، حيث روج لفكرة "الأسرة الآسيوية"، مؤكدًا أن التضامن الإقليمي هو السبيل لمواجهة الهيمنة الغربية، في تلميح مباشر للسياسات الأمريكية.
وجاءت زيارة الرئيس الصيني لماليزيا تتويجا لهذه الجولة، حيث أعلن عن شراكة استراتيجية جديدة، تشمل التعاون في الاقتصاد الرقمي وسلاسل التوريد وتبادل المهارات.
أما في مقال له نشر في وسائل إعلام كمبودية، فقد شن هجومًا مبطنًا على واشنطن قائلًا: "يجب أن نقف معا في مواجهة الهيمنة والسياسات القائمة على القوة".
وفي سياق آخر، اتهمت السلطات الصينية وكالة الأمن القومي الأميركية (NSA) بتنفيذ هجمات إلكترونية متطورة خلال دورة الألعاب الآسيوية الشتوية، مستهدفة البنية التحتية في قطاعات الطاقة والنقل والاتصالات، وحتى مؤسسات الدفاع.
وزعمت الشرطة الصينية أن ثلاث جامعات أمريكية شاركت في تلك الأنشطة، في اتهام غير مسبوق.
ورفضت واشنطن التعليق على هذه الاتهامات وصعدت هي الأخرى اتهاماتها لبكين بدعم قراصنة إلكترونيين يستهدفون الوزارات الأميركية، ما يظهر أن المعركة لم تعد فقط على الأرض أو في الأسواق، بل أصبحت تمتد إلى الفضاء السيبراني.
وخلال هذا التصعيد، أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصريحات تؤكد أن الولايات المتحدة ستتوصل إلى اتفاق ممتاز مع الصين، لكن خلف الكواليس، لا يزال الجمود يسيطر على مسار المفاوضات، في وقت يبدو فيه أن بكين تعزز أوراقها على مختلف الجبهات، من المعادن إلى السياسات الإقليمية، مرورًا بحرب التكنولوجيا.