أكد الدكتور أحمد مصطفى، أستاذ إدارة الأعمال والخبير الاقتصادي، أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين تدخل الآن منعطفًا جديدًا، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفتح تحقيق حول إمكانية فرض رسوم جمركية جديدة على واردات المعادن الحيوية، والتي تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على الصين في الحصول عليها.
واعتبر الخبير الاقتصادي خلال حديثة لبوابة "دار الهلال"، أن هذه الخطوة قد تمثل تراجعًا تكتيكيًا يُمهّد لانفراجة محتملة في مسار الصراع التجاري بين البلدين، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة والصين تمثلان معًا نحو 43% من حجم الاقتصاد العالمي، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي لعام 2024.
وأوضح مصطفى أن حجم التجارة في السلع بين القوتين الاقتصاديتين بلغ نحو 585 مليار دولار خلال العام الماضي، منها واردات أمريكية من الصين بقيمة 440 مليار دولار، أي ثلاثة أضعاف حجم الصادرات الأمريكية إليها، والتي لم تتجاوز 145 مليار دولار، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري قدره 295 مليار دولار مع الصين، ما يعادل نحو 1% من حجم اقتصادها، ويشكّل مصدر ضغط كبير على صانع القرار الأمريكي.

معادن نادرة.. وأوراق ضغط استراتيجية
وبيّن الدكتور مصطفى أن هذا التراجع الأمريكي في اللهجة قد يكون نابعًا من إدراك واشنطن لمدى هيمنة الصين على سلسلة توريد المعادن الأرضية النادرة، التي تُعد العمود الفقري لمعظم الصناعات التكنولوجية الحديثة، مثل الهواتف، السيارات الكهربائية، المعدات الطبية، والتقنيات العسكرية المتقدمة.
وأشار إلى أن هذه المعادن، وعددها 17 عنصرًا، توجد في دول عدة، بما فيها الولايات المتحدة، إلا أن استخراجها ومعالجتها صعب ومُكلف وملوّث للبيئة، ما جعل من الصين المورد الأول عالميًا، إذ تستخرج 61% من هذه المعادن وتُسيطر على 92% من عمليات معالجتها.
وأضاف أن الصين تستغل هذه السيطرة كأداة ضغط في صراعها التجاري، حيث علّقت تصدير تلك المعادن إلى الولايات المتحدة ردًا على رفع الرسوم الجمركية، في حين أقرت بعض الشركات الأمريكية بأنها تفتقر إلى مخزونات كافية لمواجهة هذا الانقطاع، ما يُبرز هشاشة سلاسل الإمداد الأمريكية في هذا المجال.
أدوات اقتصادية وتكتيكات التفاف
وحذر الدكتور مصطفى من أن استمرار التصعيد الجمركي قد يدفع بالصين إلى إغراق الأسواق العالمية بمنتجاتها بأسعار منخفضة، ما سيؤدي إلى تنشيط اقتصادها على حساب الصناعات الأمريكية، مشيرا إلى أن الصين تُنتج أكثر مما يستهلكه سكانها، وتحقق فائضًا تجاريًا يُقارب التريليون دولار، مدعومًا بالدعم الحكومي المباشر والمزايا التمويلية للشركات المحلية، الأمر الذي يُمكنها من تقديم أسعار تقل عن التكلفة الحقيقية.
وأشار إلى أن الصين قد تلجأ مرة أخرى إلى نقل عمليات التصنيع أو التجميع إلى دول أخرى لتفادي الرسوم الأمريكية، كما حدث سابقًا مع صناعة الألواح الشمسية عام 2018، عندما فرضت إدارة ترامب رسومًا بنسبة 30% على الواردات الصينية، فلجأت الشركات إلى دول كماليزيا وتايلاند وكمبوديا، ثم صدّرت المنتجات النهائية إلى الولايات المتحدة من هناك، متجنبة بذلك الإجراءات الجمركية العقابية.
وأكد أن كلا الطرفين يُدركان المخاطر المترتبة على استمرار التصعيد، إذ لا مصلحة لأي منهما في حرب تجارية شاملة قد تُبطئ نموهما الاقتصادي، أو تدفعهما إلى الركود، وتؤثر على سائر الاقتصادات العالمية، مشيرا إلى أن مؤشرات التراجع الأخيرة من جانب الولايات المتحدة قد تكون مقدّمة لوضع اتفاقية جديدة تُعيد التوازن للعلاقات التجارية وتحفظ حقوق الطرفين في ظل ترابط اقتصادي لا يُمكن تجاهله.