السبت 10 مايو 2025

مقالات

المسرح الغنائي في مصر منذ نشأته حتى منتصف العشرينيات

  • 19-4-2025 | 12:28
طباعة

يُعد المسرح الغنائي المصري ساحة نضال بالكلمة واللحن والعرض الجماهيري، وكان له دور كبير في الحراك الاجتماعي والسياسي المصري والعربي على السواء، في وقت اقترن فيه النضال ضد المستعمر البريطاني، وضد الدولة العثمانية ذاتها، بأسماء وطنية اعتمدت على الكُتاب والمثقفين في توجيه الجماهير.

وهو ما جعل للمسرح الغنائي دوراً وظيفيًا حيويًا في المجتمع المصري، يجتمع حوله العوام والمثقفون على السواء. 

لقد حمل المسرح الغنائي في مصر العديد من المفاهيم التي ترتبط بالجمهور، والذي يُعد هدفًا من أهداف مبدع النص الشعري المغنى. فمن خلال الألحان حملت النصوص مفاهيمها التي تمثل تواصلاً بين المبدع والمستقبل للعمل الفني، ليتحول الفن لمرآة للأحداث المتلاحقة على الساحة المصرية والعربية.

 إن المسرح الغنائى أو فن الأوبريت هو شعر يُلقى بشكل غنائى على أنغام موسيقية وسط نص مسرحى تمثيلى.. ليصبح النص المسرحى منظومة تحتوى على النص الشعرى والنظم الموسيقى فى حبكة درامية تقدم بشكل تمثيلى. 

تاريخ المسرح الغنائي المصري

بدأت محاولات المسرح الغنائى العربى في لبنان، على يد (مارون النقاش) الممثل والملحن والمخرج في عام 1847، وكان منزله هو المسرح وأسرته هم المؤدون.

وما لبث أن أصبح هناك فرق عديدة بين القاهرة والشام، استقر بعضها في مصر، لتبدأ التجربة المصرية ، والتي تميزت لتؤسس للمسرح الغنائى المصري، و هذه الفرق التي استقرت هي: 

ـ فرقة إسكندر فرح: وكانت تعتمد على نصوص مقتبسة من التاريخ أو الروايات الأجنبية أو تعتمد على التعريب، وقد توفى فى أغسطس 1916.

ـ فرقة أحمد أبو خليل القبانى:  قـدم البطولات القومية العربية والإسلامية، وكانت نصوص المسرحية من تأليفه أو معربة عن نصوص أجنبية.توفى بسوريا عام 1912م، وخرج من عباءته الشيخ سلامة حجازي .

وعن أهم الفرق المسرحية التى قدمت مسرحيات غنائية في مصر فهى: 

فرقة القبانى، فرقة إسكندر فرح. فرقة سليمان الحداد، فرقة سليمان القرداحى، فرقة يوسف الخياط، وغيرها من فرق الشوام.

لقد كانت الفترة من عام 1912 إلى 1927 هي أزهى فترات المسرح الغنائي المصري، حيث أفرزت الساحة المصرية كتابها، و هي الفترة التي أرخت لأحقاب سياسية مهمة، على رأسها ثورة الأزهر 1912، الثورة السعدية 1919، كما أنها كانت الفترة التي شهدت الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية، مما جعلها ترسخ للمد الثوري الذي يرنوا لاستقلال المملكة المصرية، ويدعم القوى الوطنية بكل أطيافها.

أنماط نصوص المسرح الغنائي

فى مصر ومع بداية القرن العشرين كان للفكر الغربى السيطرة على النصوص المسرحية،  سواء كان النص المسرحى (عن نص أجنبى) أو ممصراً (أى تم تحويل أسماء الأشخاص والأماكن فى القصة الأصلية إلى أسماء مصرية مع الاحتفاظ بالسياق الدرامى الموجود فى النص الأصلى)، أو مقتبساً (أى أخذ سياق حدث تاريخى أو قومى وبناء سياق درامى عليه) فإنه فى النهاية ليس مصرياً خالصاً.

ولا تتوافر فى هذه النصوص المسحة المصرية الشعبية الخالصة وقد أسهم رواد المسارح من الأجانب المقيمين فى القاهرة أو الأثرياء أو كبار التجار فى التركيز على النصوص غير المصرية.

وكانت النصوص تدور حول  المسرح السياسي أو الاجتماعي أو الترفيهي. 

مؤلفو النصوص المسرحية الغنائية في مصر

تنوعت النصوص في المسرح الغنائي فمنها المترجم ومنها المعرب، ومنها الممصر، ومنها المحلي.

وكان أهم المعرِّبين للروايات الأجنبية فى هذه الفرقة هم: 

فرح أنطون، إلياس فياض، نجيب الحداد، إلياس صيداوى، نجيب كنعان، فؤاد سليم.

أما المؤلفون الممصرون فكانوا: 

إسماعيل عاصم، خليل كامل، محمود واصف، سعد الله البستانى، بشارة كنعان، طانيوس عبده، محمد المغربى، ميشيل مرشاق.

نلاحظ أن أغلبهم من الشوام القادمين بنصوص وقصص مؤلفة لا تمس الحياة الشعبية المصرية. 

أما المؤلفون المصريون فكانوا كالتالي: 

 ـ الشيخ محمد يونس القاضي: وقد ارتبط اسمه بأغلب الفرق المسرحية، وكان صاحب أول النصوص المصرية الخالصة، التي تعالج قضايا سياسية أو اجتماعية.

ـ بديع خيري: ظهر بعد الشيخ يونس بعشر سنوات، اكتسب شهرة كبيرة في المسرح الغنائي، وكانت نصوصه شديدة المحلية، تعتمد على اللغة الدارجة. 

ـ بيرم التونسي: ويعتبر أهم من كتب الزجل بالعامية المصرية ، وله العديد من المسرحيات الغنائية.

ملحنو النصوص المسرحية الغنائية 

عمل أغلب ملحنو هذه المرحلة في المسرح الغنائي، وأشهرهم كامل الخلعي وداود حسني، وعلى القصبجي (والد محمد القصبجي)، ثم تصدر التلحين للمسرح الغنائي سيد درويش وبعده محمد عبد الوهاب. 
فرق المسرح الغنائي 

سنتعرض بشكل مختصر لفرق المسرح الغنائى، حيث اعتمد تقسيم الفرق على الإصدارات الصحفية للجرائد والمجلات مثل (مصر – المقطم – الوطن – الأخبار – الأفكار)، وعلى النصوص الأصلية الموجودة فى بعض مكتبات الأفراد، و أشهرها:

ـ فرقة سلامة حجازى: وتُعد أول فرقة مصرية مسرحية، تكونَّت فرقة سلامة حجازى فى فبراير 1905م ، واستمرت حتى وفاته.

ـ فرقة أولاد عكاشة: أولاد عكاشة (عبد الله، زكى، عبد الحميد، عبد الباقى) 1909م، وكان للفرقة دور كبير في ظهور ممثلين وملحنين وغيرهم لطول فترة عملهم حتى أفول المسرح مع ظهور السينما.

ـ فرقة منيرة المهدية: وهي الفرقة التي تناولت نصوص كل من: محمد يونس القاضى، حامد السيد، زكى إبراهيم، بديع خيرى، سليم النقاش، إبراهيم رمزى.

ـ فرقة أحمد الشامى.

ـ فرقة سيد درويش.

ـ  فرقة فيكتوريا موسى.

ـ فرق الصالات الغنائية التي تقدم (فصلا واحدا)، وأشهرها :صالة بديعة مصابنى، صالة المطربة ملك، صالة فتحية أحمد،صالة حياة صبرى، صالة رتيبة وإنصاف رشدى، صالة ببا عز الدين، صالة حورية محمد،صالة فتحية محمود.

مسرح الشيخ يونس القاضي 

نموذج للمسرح الغنائي المصري

يمثل مسرح يونس القاضى نموذجاً للمسرح الغنائي المصري، والمقصود هنا مؤلفاته التي تعاملت مع فرق عديدة، وكانت هي البداية لخيط مصرى صميم  في المسرح المصري.

وهو اتجاه قد استقر بعد ذلك، وتظهر المحلية من قضايا تلك المسرحيات، كما تظهر في أسماء المسرحيات ومحتواها.. حيث أسهم (فن الزجل) الذى احترفه فى كتاباته الصحفية فى جعل جمهور المسرح لا يقتصر على المثقفين من محبى شكسبير وفيكتور هوجو بل تعداها ليصل إلى العامة من (ولاد البلد).. وكما نقول (الذى يفهمها وهى طايرة) وهو ما جعل يونس القاضـى يستخدم بعض التورية والرموز فى المسرح السياسى..

وعند الحديث عن مسرح الشيخ/ يونس القاضى فنجده وضع نصوصاً للعامة والفلاحين والعمال ولمس مشكلات مصر الاقتصادية بكل جرأة فقد أكد على أهمية الصناعة واحتكار الأموال والاتحاد وقد أسهمت مفاهيـم (مصطفى كامل) التى كانت فى وجدانه على تشكيل نصوص قائمة فى سيـاق درامى على هدف وطنى يحث الناس على العمل والتعاون وإقامة النقابـات وتخفيف التعاون مع الأجانب.. وكانت عروضه أحياناً فكاهية فى شكلها أو اجتماعية معتمدة على قصة إنسانية أو دراما عاطفية ولكنها كانت تحمل فى طياتها تورية للوصول إلى هدف سياسى دون المرور على مشكلات مع (الرقابة البريطانية)..
وبالطبع كانت الظروف السياسية التى مرت بها مصر فى تصاعد وهو ما أسهم فى تزايد الانفعال مع هذه العروض لنجد المظاهرات تخرج عقب انتهـاء العروض المسرحية فى الوقت الذى سادت فيه مسرحيات تقدم المبتذل وكانت مسرحيات يونس القاضى تنفرد بالانفعال الوطنى المصرى الخالص.. 

وقد شاركت ألحـان داود حسنى وكامل الخلعى وسيد درويش ومحمد عبد الوهاب فى وصول النص المسرحى الذى كتبه يونس القاضى إلى هدفه وهو نتيجة تعاون بين الأبطال والمؤلف والملحن.. هكذا عاشت ألحان ومسرحيات من تأليف شيخنا يونس القاضى للآن.. خرج النص المسرحى المصرى من عباءة التمصير ليسير فى خطى ثابتة ويخرج كتَّاباً متميزين كالأستاذ بديع خيرى وبيرم التونسى وغيرهما من الزجالين المتفهمين لطبيعة الروح المصرية وتميز ثقافتها مما يسيطر عليه ملامح الوجدان الشعبى.. 

أشهر ممثلي المسرح الغنائي 

كانت منيرة المهدية هي أول ممثلة مسرح مصرية من الريف المصري، وهي السيدة التي كتب عنها الكثيرون، كما كانت فتحية أحمد مطربة القطرين، وحملت اللقب بعد زواجها من سوري، وقدمت عروضها بين مصر والشام، وكل من أسس فرقة حملت اسمه من المؤدين لأدوار التمثيل والغناء كان ضمن رواد هذا الفن، ومنهم: فيكتوريا موسى، وأبناء عكاشة (عبدالله، زكى، عبدالحميد، عبدالباقى)، ونجيب الريحاني، بديعة مصابنى، ملك، حياة صبرى، رتيبة وإنصاف رشدى، ببا عز الدين، حورية محمد، فتحية محمود، وغيرهم.

الفيلم الغنائي وتراجع المسرح الغنائي في نهاية عشرينيات القرن العشرين

ترجع أسباب انهيار أغلب الفرق المسرحية المصرية إلى ظهور فن السينما، حيث حملت الأفلام السينمائية أنماطاً عديدة منها (الفيلم الغنائي) ، والذي جذب الجمهور لدور السينما، وليفقد المسرح الغنائي جمهوره، وتتراجع الفرق وتنحل، وتزداد الأعباء ويصعب الاستمرار للفرق الكبرى في تأجير المسارح، ودفع أجور الفنانين الملحنين والكتاب، وتنتهي مرحلة البريق لهذا المسرح الكبير، ويتوارى فنه الجماهيري، والذي قدم الكثير من المغنين والملحنين لشاشة السينما، وكان أهمهم على الإطلاق: الأستاذ/ محمد عبد الوهاب، و مطربة القطرين/ فتحية أحمد، والملحن الكبير/ فريد الأطرش، والعبقري/ محمد فوزي.

الاكثر قراءة