الأحد 4 مايو 2025

مقالات

ليس باللجان تزدهر الدراما!

  • 4-5-2025 | 14:30
طباعة

ثمة إجماعٌ مصريٌّ على تراجع الدراما المصرية، خاصة الدراما التليفزيونية، ويشمل هذا الإجماع الحاكمين والمحكومين معًا.. ولكن ثمة اختلافًا في رؤى النهوض بهذه الدراما واستعادة ازدهارها الذي تميزت به قبل عقود مضت!.

ففور انتقاد الرئيس السيسي للدراما الحالية التي تُقدَّم للمشاهد، سارعت الحكومة إلى تشكيل لجنة حكومية للنهوض بالدراما.. غير أن ذلك لا يراه كثيرون هو السبيل لإنقاذ الدراما وحمايتها من التراجع الذي تعرضت له في السنوات الأخيرة، حتى باتت لا تُعبِّر عن المجتمع المصري بهمومه وشواغله واهتماماته وتطلعاته، وإنما صارت تُعبِّر عن فئةٍ محدودةٍ وضَيِّقةٍ جدًا من أبناء وبنات هذا المجتمع، وأضحت بذلك تُشوِّه صورة البلاد، وصارت كما قال الأرشيف: "تجارةً" ولم تعد "صناعةً" كانت تنفرد بها مصر في المنطقة العربية.

ومن يرون أن اللجان الحكومية لا تنفع في إنقاذ الدراما يستندون في ذلك إلى أن الدراما، مثل الأدب والإعلام والصحافة، هي نوعٌ من الإبداع، يقوم به من هم مبدعون، وليس موظفين إداريين، حتى ولو كانوا مسؤولين كبارًا.. ولذلك، إذا كنّا نبغي ازدهارًا حقيقيًا للدراما المصرية وعودتها للتعبير عن المجتمع وترجمة صورةٍ صادقةٍ وسليمةٍ له، يتعين أن نترك هذه المهمة للمبدعين الحقيقيين الذين يُجيدون صناعة دراما جيدة وناجحة ومعبرة عن المجتمع وأبنائه. إن المهنية الحقيقية هي مفتاح أبواب ازدهار الدراما.. الدراما الجيدة والناجحة يصنعها من يُجيدون صناعتها من المبدعين الحقيقيين.

وهذا ما كان موجودًا من قبل، حينما كانت تُقدَّم دراما مزدهرة وناجحة في عقودٍ سابقة، وكان بالتالي المشاهدون يتابعونها بشغف.. وكانت شوارع القاهرة تخلو من الناس وقت إذاعتها تليفزيونيًا، لتجمعهم في المنازل لمشاهدتها، مثلما حدث عند مشاهدة مسلسل "رأفت الهجان" أو "ليالي الحلمية"، على غرار ما كان يحدث عند إذاعة المسلسل الإذاعي من قبل، بعد إذاعة نشرة أخبار الخامسة مساءً.

ولذلك يجب أن نُوكل مهمة النهوض بالدراما للمبدعين الذين يُجيدون صناعة دراما حقيقية وناجحة.. فهؤلاء هم القادرون على حماية الدراما المصرية من التراجع، وجعلها تسترد مكانتها العربية التي فقدتها، حينما تفوقت عليها في البداية الدراما السورية، بما قدَّمته من أعمال تليفزيونية حصلت على مشاهدات كبيرة، ثم سبقتها دراما عربية أخرى.

وأيضًا، يتعين أن نمنحهم كل الحرية لتقديم أعمال درامية ناجحة، بدلًا من تلك الأعمال التي تعتمد على ورش صناعة المسلسلات التليفزيونية التي انتشرت في البلاد خلال السنوات الأخيرة، والتي تُقدِّم أعمالًا درامية على عجل، لم يُتح لها أن تنضج، وتُقدِّم أعمالًا درامية على مقاس بعض النجوم من الممثلين، لضمان ترويجها في سوق الدراما التليفزيونية العربية، وجذب أكبر كمية من الإعلانات لبثها خلال عرض هذه المسلسلات الدرامية. وهكذا نحن نحتاج، للنهوض بالدراما، إلى أمرين مجتمعين معًا: الأول، أن نُطلق أيدي المبدعين الحقيقيين ونعتمد عليهم وندعمهم في صناعة الدراما الوطنية.

والأمر الثاني، هو عدم تقييد إبداعهم رقابيًا بوضع العديد من المحظورات على ما يُقدِّمونه ويصنعونه من أعمال درامية.. أي أننا نحتاج إلى المهنية والحرية معًا لإنقاذ الدراما المصرية، وحمايتها من التراجع الذي تعرضت له، والنهوض بها مجددًا. إن المهنيين مسؤولون، ويُقدِّرون قبل غيرهم ما يُقدَّم وما لا يُقدَّم، أو ما يُعرض على شاشات الفضائيات وما لا يُعرض، ولذلك يتعين ألا نخشى من إبداعهم.. فلا إبداع بدون مساحة مناسبة من الحرية، مثلما لا إبداع بدون مبدعين يصنعونه.

أما ترك هذه المهمة للجان حكومية، فلن يُسفر عن إنقاذ الدراما، حتى ولو وافقنا على إنفاق مزيدٍ من الأموال على صناعة الدراما المصرية، لأن مشكلة الدراما المصرية الحقيقية الآن، أنها لا يُصنعها المبدعون، وحتى إن شاركوا أحيانًا في صناعتها، تُقيِّد الرقابة أيديهم، ولا تُتيح لهم تقديم إبداعاتهم للمشاهدين.

أما إذا أرادت الحكومة أن تلعب دورًا حقيقيًا ومؤثرًا وفاعلًا في النهوض بالدراما المصرية واستعادة مكانتها العربية، فعليها أن تُفسح السبيل للمبدعين للقيام بذلك، وتمنحهم كل الحرية في الإبداع.. فلا إبداع بدون مبدعين، وبدون حرية إبداع.

الاكثر قراءة