نتوقف الآن بهذه الكتابة أمام المفكر المصري العربي الدكتور عبد الوهاب المسيري، ابن دمنهور بمحافظة البحيرة. وقد عرفته باعتباره بلدياتي من البحيرة.
ثم أعجبت بموقفه من العدو الإسرائيلي والمشروع الصهيوني. وحرصت على زيادة التعرُّف به وعلى قراءة مقالاته والكتابة عنه.
والمسيري صاحب موقف ضد العدو الصهيوني ومواقف كثيرة لا تنتهي مع الحق الفلسطيني المشروع والذي مازال مشروعاً حتى الآن ويتعرض لمؤامرات من أمريكا وبعض دول الغرب التي تناست تاريخها وقضاياها وقررت الوقوف مع العدو الصهيوني.
إن فلسطين قضية وجدت لتبقى ووطن لابد أن يعود لأهله وأصحابه. وعبد الوهاب المسيري كان من أوائل الذين نبهوا لهذا الحق ووقفوا معه وطالبوا الدنيا كلها أن تقف مع الفلسطين ضد العدو الإسرائيلي.
اسمه بالكامل عبدالوهاب محمد المسيري، وُلِدَ في أكتوبر 1938 وتوفي في 3 يوليو 2008. وهو مفكر وعالم اجتماع. بالإضافة إلى أنه مؤلف موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين. واستطاع من خلالها برأي البعض إعطاء نظرة جديدة موسوعية موضوعية علمية للظاهرة اليهودية بشكل خاص، وتجربة الحداثة الغربية بشكل عام.
ولد المسيري في مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة إحدى محافظات الوجه البحري في بر مصر في أكتوبر عام 1938. وقد تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في دمنهور. وفي عام 1955 التحق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وتخرج عام 1959 وعُيِّن فيها معيداً عند تخرجه.
سافر بعد ذلك عام 1963 إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث حصل على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كلولومبيا بنيويورك عام 1964، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة رتجرز بنيوجيرسي عام 1969.
عند عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس، وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية الشقيقة الفترة من 1983 حتى 1988، كما عمل أستاذاً زائراً في أكاديمية ناصر العسكرية، والجامعة الإسلامية العالمية في دولة ماليزيا، وعضو مجلس الخبراء في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية من 1970 – 1975، ومستشاراً ثقافياً للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك (1975 – 1979). وكان عضو مجلس الأمناء في جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية ببليسبرغ بولاية فيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
كتاباته عن الحركة الصهيونية
صدرت للدكتور عبدالوهاب المسيري عشرات الدراسات والمقالات عن إسرائيل والحركة الصهيونية ويُعتبر واحداً من أبرز المؤرخين العالميين المتخصصين في الحركة الصهيونية.
انتمى المسيري إلى اليسار المصري وبالتحديد الحزب الشيوعي. وفي عام 2004 انضم لحزب الوسط الديني ليُصبح من أوائل المؤسسين. وقبل وفاته شغل منصب المنسق العام لحركة كفاية التى تأسست في نهاية 2004 للمطالبة بإصلاح ديمقراطي في مصر. ونظمت سلسلة مظاهرات احتجاجاً على إعادة انتخاب الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك لولاية خامسة في عام 2005، وقد تعرض للاعتقال أكثر من مرة.
في يناير 2007 تولى منصب المنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير: كفاية. وهي الحركة التي عارضت في تلك الفترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وسعت لإسقاطه من الحكم بالطرق السلمية.
سيرته الذاتية
* ليسانس أداب “أداب إنجليزي” من جامعة الإسكندرية عام 1959.
* ماجستير في الأدب الإنجليزي والمقارن – جامعة كولومبيا – بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1964.
* دكتوراه في الأدب الإنجليزي والأمريكي والمقارن من جامعة رتجرز بنيوجيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1969.
* رئيس وحدة الفكر الصهيوني وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام 1970 – 1975.
* المستشار الثقافي للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك 1975 – 1979.
* أستاذ الأدب الإنجليزي والمقارن – جامعة عين شمس عام 1979 – 1983، وجامعة الملك سعود من 1983 – 1988، وجامعة الكويت 1988 - 1989، وكان يعمل أستاذاً غير متفرغ بجامعة عين شمس 1988 - 2008، كما عمل أستاذاً زائراً بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا في كوالا لامبور وبأكاديمية ناصر العسكرية.
* المستشار الأكاديمي للمعهد العالمي للفكر الديني بواشنطن 1992 – 2008.
* عضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في ليسبرج في فيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية 1993 – 2008.
* عضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية “واشنطن” بالولايات المتحدة الأمريكية 1997 – 2008.
* مستشار تحرير عدد من المطبوعات التي تصدر في مصر وماليزيا وإيران وأمريكا وانجلترا وفرنسا.
من أقواله
* الله سبحانه وتعالي هو الركيزة الأساسية لكل شيء، الركيزة الأساسية للتواصل بين الناس، لضمان أن الحقيقة حقيقة.
* إن الإيمان لم يولد داخلي إلا من خلال رحلة طويلة وعميقة، إنه إيمان يستند إلى رحلة عقلية طويلة، ولذا فإنه إيمان عقلي فهو يستند إلى عجز المقولات المادية عن تفسير الإنسان وإلى ضرورة اللجوء إلى مقولات فلسفية أكثر تركيبية.
* إن الطبيعة الوظيفية لإسرائيل تعني أن الاستعمار اصطنعها لتُنفِّذ وظيفة معينة، فهي مشروع استعماري لا علاقة له باليهودية.
* قال في إحدى المقابلات الصحفية: المثقف لابد أن يكون في الشارع.
* إن المطلوب هو حداثة جديدة تتبنى العلم والتكنولوجيا ولا تضرب بالقيم الإنسانية عرض الحائط، حداثة تحيي العقل ولا تُميت القلب. تُنمِّي وجودنا المادى ولا تُنكر الأبعاد الروحية لهذا الوجود، تعيش الحاضر دون أن تنكر التراث.
إن من أبرز أطروحات المسيري الفكرية ما طرحه حول المجتمع التراحمي والمجتمع التعاقدي وإسقاطه لهذه الأطروحة على حياته ابتداءاً من نشأته في مصر إلى انتقاله إلى أمريكا لإكمال دراسته. حيث يوضح أن المجتمع التراحمي باختصار هو المجتمع الذي تقوم علاقاته على التراحم والتعاطف بين أفراده، على النقيض من المجتمع التعاقدي الذى تقوم العلاقات فيه على أساس تعاقدي ومصلحي.
نستطيع أن نرى المجتمع التراحمي في المجتمعات التقليدية، حيث يذكر المسيري مثالاً على ذلك نظام مساعدة العريس “النقطة” في الأفراح المصرية، حيث يُعطى المال في يد العروس للمساعدة، بحيث لا يراه أحد، وفي إطار هذه العملية التبادلية يتم توزيع الثروة بين المجتمع، فعطاء الأثرياي يكون عادة أكثر من عطاء الفقراء.
ويذكُر مثالاً آخر وهو علاقته مع عامله المصري عندما كان يدرس بالمملكة العربية السعودية، فقد كان عامله الذي يُنظف منزله كل أسبوع يُصِر على أن يقول عند لحظة تقاطي الأجر: “بلاش يا بيه، خليها علىَّ هذه المرة” وهو في واقع الأمر – برأي المسيري – يقول: برغم أنني أعمل خادماً عندك وأدخل معك في علاقة تعاقدية فإننا من الناحية الإنسانية متساويان.
ولابد أن ندخل في علاقة تراحمية تتجاوز عمليات التبادل الاقتصادية (خدمات مقابل نقود). ولهذا فلا داعي لأن تدفع لي هذه المرة. ولذا يقوم المسيري بإخباره عمداً عن عدم وجود نقود وتأجيل دفع الأجرة للأسبوع التالي لإعطاء العامل فرصة أن يكون دائناً. لكي يتم تحقيق التساوي الإنساني التراحمي.
وحتى فض غلاف الهدية يمكن أن يوضح مفهوم التراحم والتعاقد. ففي مصر كما يقول المسيري، حينما يحصل الإنسان على هدية، فإنه لا يفُض غُلافها، فهي قيمة إنسانية بذاتها ولا يهم محتواها. لكن في أمريكا أشاروا له بضرورة فض غلاف الهدية أو إظهار الإعجاب بها مباشرة أمام المُهدي. وهذا في نظر المسيري يجعل الهدية تتحول من قيمة إنسانية بذاتها إلى ثمن محدد (كم) أي من إطار تراحمي إلى إطار تعاقدي، ففي المجتمع التعاقدي ثمنها وكميتها وقدرها كلها عوامل مؤثرة في قيمة الهدية، عكس ما يحصل في المجتمع التراحمي، حيث لا يوجد إلا القيمة الإنسانية للهدية كهدية. وليست كمحتوى وكمية وثمن.
من أعماله المنشورة
* نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني (مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة 1972، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979) وفي عام 1972 جاء هذا الكتاب قبل 28 عاماً من تأليف المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما لكتاب يحمل نفس العنوان. لكن الفرق بين النظرتين أن رؤية فوكوياما تعتبر أن نهاية التاريخ تعنى انتصار الولايات المتحدة الأمريكية على الاتحاد السوفييتي، بينما يرى المسيري أن نهاية التاريخ فاشية اخترعتها الدول الغربية للسيطرة على العالم.
* موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية: رؤية نقدية (مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة 1975.
* العنصرية الصهيونية (سلسلة الموسوعة الصغيرة، بغداد 1975.
* اليهودية والصهيونية وإسرائيل: دراسة في انتشار وانحسار الرؤية الصهيونية للواقع (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1975).
* مختارات من الشعر الرومانتيكي الإنجليزي: النصوص الأساسية وبعض الدراسات التاريخية والنقدية (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979).
* الفردوس الأرضي: دراسات وانطباعات عن الحضارة الأمريكية (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979).
* الأيديولوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت عالم المعرفة، القسم الأول – ديسمبر، القسم الثاني – يناير 1983.
كان المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري مفكراً ضد جرائم الصهيونية، أوقف حياته على دراسة هذا الموضوع وتتبعه في كل مساراته. لدرجة أنه يُمكن أن يُقال عنه ما قيل عن الدكتور جمال حمدان العدو الجوهري الذي ناصر العداء للعدو الصهيوني بعد اغتصابه فلسطين ومحاولة وتغيير الأيدلوجيات الراهنة.
كان مفكراً وطنياً كبيراً – يرحمه الله رحمة واسعة -