ربطت مصر واليونان علاقات تاريخية على مر التاريخ، تعود الروابط بينهما للحضارات القديمة في البلدين، وعلى مر السنوات الماضية تطورت العلاقات المصرية اليونانية، حيث يحرص القادة في البلدين على تعزيز التواصل والتنسيق والتعاون المشترك في كل المجالات.
ووصل الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم إلى العاصمة اليونانية أثينا، في مستهل زيارته، حيث التقى بالرئيس اليوناني كونستانتينوس تاسولاس، حيث شهد اللقاء التأكيد على الزخم الذي تشهده العلاقات بين البلدين، والذي يتجسد في عقد الإجتماع الأول لمجلس التعاون رفيع المستوى بين مصر واليونان خلال الزيارة، إلى جانب التوقيع على الإعلان المشترك بشأن الشراكة الإستراتيجية بين البلدين وعدد من الإتفاقيات التي تعزز التعاون في مجالات مختلفة، مما يعكس الإرادة المشتركة للإرتقاء بالعلاقات إلى مستويات أكثر عمقًا واتساعًا.
تاريخ العلاقات المصرية اليونانية
ويعود الإرث التاريخي بين القاهرة وأثينا، إلى ما قبل الميلاد بنحو 300 عام، منذ نشأة الإسكندرية من قبل الإسكندر الأكبر، ومع مر العصور المتتالية تنوعت أوجه التعاون والعلاقات بين البلدين، ولا يزال حتى الآن يوجد مجتمع يوناني كبير في مصر لسنوات عديدة، ففي العصر الحديث تعمقت أوجه العلاقات والتعاون بي البلدين وتطورت منذ القرن الثامن عشر ميلادية ويتمتع البلدان بتعاون وثيق على مستوى متعدد الأطراف فى سياق المنظمات الدولية وفى إطار الشراكة الأور ومتوسطية.
وعلى مستوى العلاقات الدبلوماسية، فهي ترجع إلى عام 1833، وتقاربت الرؤى بين البلدين إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية بشكل عام، بفضل الروابط التاريخية والجغرافية والثقافية بين البلدين، ووشهدت العلاقات المصرية اليونانية نقلة نوعية على مختلف الأصعدة السياسية، الاقتصادية والثقافية وأصبحت نموذجًا يحتذى به في التعاون الثنائي لمصلحة الشعبين، وتعزيز الاستفادة من الثروات الطبيعية في شرق المتوسط وحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.
ومنذ 2014 شهدت العلاقات المصرية اليونانية نقلة نوعية على الصعيد السياسى وتوالت الزيارات الرئاسية والدبلوماسية بين البلدين، سواء في إطار التعاون الثنائي بين القاهرة وأثينا أو فى إطار القمم الثلاثية بين مصر واليونان وقبرص، التى تستضيفها الدول الثلاث بالتناوب.
كذلك شهدت البلدان تشكيل مجلس التعاون رفيع المستوى بقيادة رئيسيهما، وبعضوية عدد من الوزراء من كلا الجانبين، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن يعقد اجتماعه الأول في أثينا.
وزار الرئيس السيسي اليونان عدة مرات، كذلك استقبلت القاهرة قادة اليونان، حيث وصل اليوم إلى اليونان وأجرى خلال الزيارة لقاءً مع الرئيس اليوناني، بالإضافة إلى عقد جلسة مباحثات مع رئيس الوزراء اليوناني.
كما سيترأس السيسي الجانب المصري في الاجتماع الأول لمجلس التعاون رفيع المستوى بين مصر واليونان، وذلك بمشاركة رئيس الوزراء اليوناني، السيد كيرياكوس ميتسوتاكيس، الذي سيترأس الجانب اليوناني في الاجتماع، حيث من المقرر أن يناقش المجلس سبل مواصلة تعزيز وتنمية العلاقات الثنائية وتطويرها في مختلف المجالات، خاصة في مجالات الطاقة، التبادل التجاري، والتعاون الاقتصادي.
الشراكة الاستراتيجية
ومن جانبه، قال السفير محمد عبد الحكم، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن العلاقات بين مصر واليونان شهدت طفرة متميزة للغاية في كافة المجالات، وفي مقدمتها المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، موضحا أنه تعزز هذا بشكل كبير منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مسؤولية الحكم في يونيو 2014.
وأوضح أنه في سياق تطور العلاقات بين مصر واليونان، جاءت المبادرة التي قام بها الرئيس السيسي بشأن آلية التعاون الثلاثي بين مصر وقبرص واليونان في القاهرة في نوفمبر 2014، وكذلك القمة الثلاثية الأخيرة التي عقدت في يناير 2025، مشيرا إلى أن العلاقات بين مصر واليونان علاقات متميزة.
وأكد أنه تأتي أهمية الزيارة في الوقت الحالي في ضوء التحديات التي تواجه منطقة الشرق المتوسط وجنوب المتوسط، وفي مقدمة هذه التحديات الأوضاع المتوترة والحرب على قطاع غزة، بالإضافة إلى الملفات ذات الأهمية بالنسبة لليونان ومصر، وفي مقدمة هذه الأولويات القضية الفلسطينية والملف الليبي والتعاون في مجال الطاقة.
ولفت إلى أنه في إطار اهتمام الرئيس السيسي وإيلاء أهمية كبيرة لملف المصالح الاقتصادية لمصر، أو ما يعرف بـ "دبلوماسية التنمية الاقتصادية"، يحرص كل الحرص خلال زياراته الخارجية المتعددة وخلال استقبال رؤساء وملوك الدول في مصر على تعظيم مصالح مصر، موضحا أنه خلال الاجتماع الأول اليوم لمجلس التعاون بين مصر واليونان برئاسة الرئيس السيسي ورئيس وزراء اليونان، فإن الملف الاقتصادي سوف يتصدر المباحثات خلال هذا التعاون الوثيق بين مصر واليونان في مجال الطاقة، وبالذات يعني مشروع الربط الكهربائي بين مصر وقبرص واليونان، والذي يصب في النهاية لصالح الاتحاد الأوروبي.
وأشار إلى أن هناك تعاون وثيق أيضاً بين مصر واليونان في مجال التعاون العسكري والتدريبات العسكرية المشتركة الاستراتيجية، وتأتي أهمية التعبئة الاستراتيجية بين مصر واليونان التي سيتم التوقيع عليها اليوم أيضاً في كشف الإرادة المشتركة للرئيس السيسي ورئيس وزراء اليونان، موضحا أن هناك إرادة مشتركة لتعظيم وزيادة وتدعيم علاقات التعاون في كافة المجالات المختلفة بين مصر واليونان، وخاصة المجالات الاقتصادية والعسكرية والأمنية والسياسية.
وأضاف عبد الحكم أن اليونان تأتي في مقدمة الدول التي تدافع عن مصالح مصر وسياسات مصر ومواقف مصر خلال اجتماعات الاتحاد الأوروبي المختلفة، موضحا أن اليونان تبوأت مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن في يناير 2025 لمدة سنتين، وفي هذا الإطار هناك تنسيق مستمر بين مصر واليونان بالنسبة للقضايا الإقليمية والدولية المختلفة في كافة المحافل الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة.
وعن توقيع الإعلان المشترك بشأن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، لفت إلى أن مصر واليونان حريصتان كل الحرص على تدعيم علاقات التعاون بينهما في كافة المجالات، ولا بد من الإشارة أيضاً إلى التعاون في مجال الطاقة، وبالذات أيضاً الطاقة النظيفة أو الاقتصاد الأخضر وإنتاج الهيدروجين، واليونان مهتمة وعازمة على الاستثمار في هذا القطاع في مصر.
مجالات تعاون مشترك
وقال السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إنه تتسم العلاقات المصرية اليونانية بالمتانة والحميمية والود التاريخي، بالإضافة للأبعاد الاستراتيجية والاقتصادية الكبرى، موضحا أنه توجد روابط تاريخية اختلطت فيها الحضارتان المصرية واليونانية ليشكل معا وجدان الإنسانية، حيث عاشت في ربوع مصر وبين مدنها وأحيائها جالية يونانية كبرى صاغت ثقافة شعبية موروثة متقاربة.
وأكد، أن العلاقات دوما في متانة وحميمية، وانعكس ذلك في العديد من الجوانب، على رأسها المشروعات الاستراتيجية الكبرى كالربط الكهربائي بين مصر واليونان، والذي من خلاله يمكن لمصر أن تصدر الكهرباء إلى أوروبا، موضحا أن اليونان من الدول الأوروبية التي تقبل أيضا العمالة الموسمية من مصر، وتم الاتفاق على نحو 10 آلاف فرصة عمل.
وأشار إلى أن حجم التبادل التجاري وفقا لإحصاء عام 2024 وصل إلى 4 مليارات دولار، ثلاثة مليارات منها لصالح مصر ومليار دولار للواردات المصرية من اليونان، بارتفاع وصلت نسبته إلى 85% عما كان عليه الميزان التجاري عام 2014 وحتى 2021، بمعدل نمو سنوي هام للغاية وهو 9%، مضيفا أنه إضافة إلى العلاقات الثنائية المتينة، هناك أطر مؤسسية في إطار الشراكة الأورو متوسطية مع مصر واليونان، والعديد من الاتفاقيات على الصعيد الثنائي التي تجمع بينهما.
وأكد أنه بالإضافة إلى حجم استثمارات يونانية بقيمة 255 مليون دولار كاستثمارات مباشرة، تجعل اليونان الحادية عشرة بين دول الاتحاد الأوروبي المستثمرة في مصر من خلال 215 مشروعا بتمويل صناعي وخدمي وإنشائي وسياحي وزراعي واتصالات وتكنولوجيا المعلومات. بالإضافة للمشروعات الكبرى.
وشدد على أن زيارة الرئيس مكملة أيضا لسياق التعاون الاستراتيجي المصري اليوناني القبرصي، والذي تتبادل من خلاله البلدان الثلاثة التشاور بشأن القضايا والموضوعات الدولية، خاصة في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الدولية العديد من الاضطرابات الأمنية والعسكرية، كما هو الحال في غزة وروسيا وأوكرانيا، وعدم استقرار السوق العالمي بسبب انتهاج الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس ترامب سياسات حماية وفرض رسوم جمركية.
وأضاف أن اليونان ركيزة أساسية أيضا لدعم مصالح مصر لدى الاتحاد الأوروبي، خاصة في الشق التجاري والاستثماري، والذي تلعب فيه اليونان دورا هاما ورئيسيا، موضحا أنه سيطلع الرئيس على مسار الشريحة الأولى التي كان مقررا للاتحاد الأوروبي إطلاقها لمصر في حدود 4 مليارات دولار وفقا لاتفاق الشراكة الاستراتيجية الموقع بين مصر والاتحاد الأوروبي، موضحا أن اليونان هي الركيزة المتوسطية الجنوبية التي تدافع، بالإضافة لقبرص، عن مصالح مصر داخل الحد الأوروبي، والتي تعتمد مصر في التواصل المباشر مع دول الاتحاد والتعامل مع التجمعات الإقليمية كتجمع أوروبا المتوسطية ودول الشمال أو الاسكندنافية، والتي كان السيد الرئيس على تواصل مستمر مع قادتها، وآخرها زيارته للعاصمة الكيا كوبنهاجن مطلع العام.
ولفت إلى العلاقات المصرية اليونانية ركيزة لتعزيز العلاقات المصرية الأوروبية وأحد أدوات تحقيق أهدافنا السياسية الخارجية بحكم ثقل اليونان وقبرص في الاتحاد الأوروبي.