في ذكرى ميلاد الفنانة المصرية الكبيرة منيرة المهدية، نستعرض حياة واحدة من أبرز أيقونات الفن المصري، التي حملت ألقاباً كثيرة منها "سلطانة الطرب" و"غريمة كوكب الشرق أم كلثوم". كانت منيرة المهدية أول من غنى في الراديو، وأول مطربة عربية تسجل أغانيها على أسطوانات، كما أسست فرقة مسرحية باسمها، وكانت رائدة في المسرح الغنائي المصري منذ أوائل عشرينيات القرن العشرين. ولم تقتصر شهرتها على الفن فقط، بل كانت عوامتها الشهيرة على ضفاف النيل مقراً للاجتماعات السياسية التي جمعت كبار المسؤولين والحكومة.
البحث عن قصة حياة استثنائية
جاء كتاب "مذكرات منيرة المهدية" للكاتبة المصرية عزة كامل ليكشف الستار عن تفاصيل حياة هذه الفنانة الكبيرة. بدأ المشروع بالصدفة، عندما عثرت الكاتبة أثناء بحثها في الأرشيف على مقتطفات نادرة من مذكرات منيرة المهدية، نشرتها مجلة "البوليس" عام 1958. استغرقت عزة أشهرًا في التحقيق والبحث في الصحف والمجلات القديمة، وزيارات متعددة لسوق الأزبكية ودار الكتب، لتجمع مادة غنية وثمينة عن مسيرة "سلطانة الطرب".

سيرة حياة مليئة بالتحديات والإنجازات
يروي الكتاب مسيرة منيرة التي ولدت باسم زكية حسن منصور بهجت في قرية المهدية بمحافظة الشرقية عام 1885، حيث بدأت مشوارها الفني وهي طفلة تبلغ من العمر ثماني سنوات. عملت في المسرح والغناء، وأسست لاحقًا فرقتها المسرحية الخاصة التي حققت نجاحًا كبيرًا. كسرّت منيرة احتكار الرجال على التمثيل، بل كانت أول امرأة تدير وتخرج مسرحية غنائية، منها "تاييس" التي تتناول قصة قديسة مصرية من الإسكندرية.
تحالفات فنية ووطنية
شهدت مسيرة منيرة تعاونًا مع كبار الموسيقيين والمبدعين مثل داوود حسني، كامل الخلعي، سيد درويش، ومحمد عبد الوهاب الذي بدأ مسيرته الفنية على خشبة مسرحها. إلى جانب نجاحاتها الفنية، كان لها دور وطني بارز في مقاومة الاحتلال الإنجليزي، حيث كانت عوامتها "هواء الحرية" ومقهى "نزهة النفوس" ملتقى للمثقفين والسياسيين لمناقشة قضايا الوطن، رغم محاولات الاحتلال لإغلاق هذه الأماكن.

صوت المقاومة
استخدمت منيرة صوتها في التعبير عن المقاومة الوطنية من خلال أغانيها الوطنية التي حثّت المصريين على النهوض ومقاطعة الاحتلال. ومن أبرز أغانيها "شال الحمام.. حط الحمام" التي أشادت بالزعيم سعد زغلول رغم منعه، وأغنيات أخرى توجهت إلى الفلاحين والنساء لدعم النضال الوطني.
اعتزال واحتجاب
اختتمت منيرة مسيرتها الفنية بالاعتزال، بعد أن باعت مقهاها وعوامتها وانتقلت إلى حي مصر الجديدة حيث عاشت منعزلة. في عام 1958، قُدمت لها فرصة كتابة مذكراتها بعد إقناعها من قبل صحفي مجلة "البوليس"، لتترك بذلك إرثًا شخصيًا وفنيًا يؤرخ لفترة مهمة من تاريخ مصر الحديث قبل وفاتها عام 1965.