الخميس 24 يوليو 2025

مقالات

وطن الإخوان.. في كتاب الشيطان الأعور

  • 28-6-2025 | 10:34
طباعة

 

إذا أردنا إعراب كلمة "وطن" إعرابًا نحويًا ثم سياسيًا في العبارة الآتية: (هل للإخوان وطن؟) حينئذ سنضطر إلى إعراب العبارة كلها، فسنكتب: "هل: أداة استفهام، اللام: حرف جر، الإخوان: اسم مجرور باللام وعلامة جره الكسرة، وطن: مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة، والتقدير النحوي الكامل هو: هل وطنٌ للإخوان؟ ولكن قُدِّم الجار والمجرور".

أما الإعراب السياسي فهو: "هل: أداة تأكيد، للإخوان: اسم مجرور بقوى خارجية، وطن: مبتدأ مرفوع من فقه الإخوان وأدبياتهم، وعلامة رفعه حسن البنا، وذلك وفق المدرسة النحوية للنحوي الكبير سيد قطب".

ما سلف هو حقيقة إخوانية لا جدال فيها، ويبدو أننا كنا في حاجة إلى التعمق في دراسة فقه الإخوان، وهو فقه يختلف عن فقه المسلمين. لذلك يجوز لنا أن نقول إن جماعة الإخوان هي مذهب ديني متطرف لا علاقة له بمذاهب المسلمين الكبرى، فالفكر الذي يقوم على التقيّة والمداراة هو فكر غير صحيح شرعًا، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون كل فقه جماعة الإخوان قائمًا على باطن لا يعرف عنه أحد شيئًا.

وقد خلط الإخوان في مذهبهم الإخواني بين الإيمان والانتماء، فالإيمان إنما يكون للدين، للعقيدة، للملة، ولكن الانتماء يكون للوطن، والإثنان يسيران في خطين متوازيين لا يجور فيه أحدهما على الآخر. ولكن الإخوان خلطوا بين الاثنين، فجعلوا علاقتنا بالدين هي علاقة انتماء، وعلاقتنا بالوطن هي أيضًا انتماء، ووضعوا قاعدة مفادها أن الانتماء للدين أولى من الانتماء للوطن، وهم في ذلك ضلّوا ضلالًا كبيرًا.

فالفرد الحر يختار دينه لأنه يؤمن به، ويعتقد أن دينه هو الصواب نفسه. ولكن الفرد الحر لا يختار وطنه، فسواء كان وطنه هو أعلى الأوطان قدرًا في العالم أو أقلها شأنًا، إلا أنه ينتمي إليه. فهذا هو الوطن الذي وُلد فيه، ونشأ بين ربوعه، وفيه أهله ورفاقه وتعليمه، وفيه جاهد، وتحت أرضه وُورِي آباؤه وأجداده، ومع العمر تكوّنت فيه ذكرياته.

الانتماء يتكون منذ مولد الإنسان، ثم تقوى أواصره شيئًا فشيئًا، ولكن الإيمان لا ينشأ إلا عندما ينضج عقل الإنسان فيستطيع أن يفكر ويميز ويقارن، ومن ثم يؤمن.

هذا الانتماء يجعل من يشترك معه في الوطن يتماثل معه في كافة الحقوق والواجبات. ولذلك فإن علاقة الانتماء بالوطن تختلف حتمًا عن علاقة الإيمان بالدين. وبسبب الخلط بين الانتماء للوطن والإيمان بالدين استخرج منظّرو الإخوان فكرة "الولاء والبراء"، استنبطوها من كتب الأقدمين، ووضعوها في غير موضعها، إذ جعلوا علاقة المسلم بدينه هي علاقة انتماء وإيمان في آنٍ واحد.

لذلك أصبح خطاب جماعات الإسلام السياسي، وأولهم الإخوان، يجعل من العلاقة بين مسلم الهند ومسلم مصر أقوى وأبقى وأنقى وأفضل من علاقة مسلم مصر بمسيحي مصر، الذي يجاوره في السكن ويشترك معه في تاريخ مشترك وذكريات واحدة وجهاد عن الوطن كانا فيه يدًا واحدة، وسالت فيه دماؤهم معًا لتروي أرضها وهم يجاهدون ضد المحتلين الذين تعاقبوا على البلاد.

وبسبب هذا الخلط المتعمد، قال مرشد الإخوان السابق مهدي عاكف إنه يقبل أن يحكم مصر مواطن ماليزي، وقال عبارته الشهيرة: "طظ في مصر وفي أهل مصر". ولذلك أيضًا أصبحنا نعرف جميعًا أن الإخوان يعتبرون الوطن حفنة تراب عفنة.

وفي أدبيات الإخوان نجد شعرًا ينشدونه في كل المناسبات جاء فيه:

ولست أرى سوى الإسلام لي وطنًا

الشام فيه وبلاد النيل سيّانِ

وكلما ذُكر اسم الله في بلدٍ

عددتُ أرجاءه من لبّ أوطاني

وكان حسن البنا دائمًا في خطبه ينشد شعرًا يقول فيه:

أبي الإسلام لا أبَ لي سواه

وإن افتخروا بقيسٍ أو تميمِ

وحين أنشأ البنا جماعته لم يكن هدفه الإصلاح الاجتماعي للبلاد، أو حتى الإصلاح السياسي، أو محاربة الإنجليز وإرغامهم على الجلاء، ولكنه أنشأ الجماعة – كما يقول – لاستعادة الخلافة مرة أخرى.

تلك الخلافة التي كانت بمثابة المخدر لأجيال عديدة، توهموا أنها من الإسلام أو من أعلى فرائضه، وهي لا علاقة لها بالإسلام أبدًا، غاية الأمر أنها كانت نظام حكم ارتضاه الأولون لأنفسهم. ومن عجب أن يقبل مصريون أن تتسيد عليهم دولة أخرى وتسوسهم وترسم مستقبلهم وتستولي على ثرواتهم، وهم من بعد كل ذلك يفتخرون بالمحتل الذي يسلبهم أقواتهم لمجرد أنه يسمي نفسه الخليفة، ودولته تسمي نفسها دولة الخلافة!

ولذلك كانت الخلافة بالنسبة لحسن البنا ولجماعته "رمز القومية الإسلامية"، وبناءً على ذلك يرفض البنا فكرة الوطنية التي تقوم على حدود للوطن، فيقول في رسالة من رسائله: "الإخوان المسلمون لا يؤمنون بالقومية، ولا بأشباهها، ولا يقولون فرعونية وعربية وسورية". ولذلك، ومن أجل تلك الأفكار، يصبح الوطن عند البنا مجرد مرحلة أولية، كل قيمتها أنها تقودنا للوطن الأوسع، ألا وهو "وطن الإسلام".

وقد أجمل البنا فكرته للوطن بأنه يبدأ من القطر المصري، الذي هو مجرد سلم ليس إلا، وهذا السلم يقود إلى الدولة الإسلامية التي تضم بين جوانحها كل الأوطان المسلمة، وهذا هو الوطن الحقيقي، وطن الإسلام. ولكن لكي يكون وطنًا حقيقيًا يجب أن تكون الخلافة عليه إخوانية، وممثل تلك الخلافة الإخوانية هو التنظيم الدولي للإخوان.

ومن هذا نعرف أنه إذا تعارضت مصلحة الوطن الأصغر "مصر" مع المصلحة المرجوة وهي "وطن الإخوان"، فإن الإخوان في هذه الحالة يضحون بالوطن الأصغر من أجل تحقيق الوطن الأكبر والأصلي والحقيقي، وطن الخلافة الإخوانية. ومن بعد أن يصل الإخوان إلى إقامة وطن الإسلام، فإنهم بعد ذلك يظنون أنهم سيتسيدون العالم ويحصلون على أستاذيته.

هذا هو مفهوم الوطن ودرجاته عند البنا، ولذلك فإننا نستطيع القول إن فكرة الخلافة الإسلامية لدى الإخوان، من نشأتهم إلى الآن، ارتبطت بفكرة العقيدة الدينية لا بفكرة الأرض والحدود والمواطنين المتشاركين في هذا الوطن.

وإذا كان حسن البنا يشكل الرافد الأول من روافد عقيدة الإخوان، فإن سيد قطب شكل بأفكاره الرافد الثاني للإخوان، ولم يختلف سيد قطب في كثير أو قليل عن حسن البنا. بل وضع سيد قطب دائرة أخرى للوطن، هي دائرة "المؤمنين"، وهم ينتسبون مع بعضهم البعض في وطن "الإيمان"، الذي يشاقق ويخالف وطن "أهل الجاهلية"، ولو كانوا من المسلمين.

وفي هذا يقول سيد قطب: "إن المجتمع الإسلامي وحده هو المجتمع الذي تمثل فيه العقيدة رابطة التجمع الأساسية، والذي تعتبر فيه العقيدة هي الجنسية بين الأسود والأبيض والأصفر والأحمر والعربي والرومي والفارسي والحبشي وسائر الأرض في أمة واحدة ربها الله".

ولم يهتم سيد قطب بإقامة دولة الخلافة، وفي ذلك كان يختلف عن حسن البنا، إذ كانت تصوراته تقوم على إعادة الإسلام للحياة أولًا ليكون منهجًا، وتكون فيه كلمة الله هي العليا، وبعد ذلك ستنشأ دولة الخلافة وحدها، وتكون رابطتها بين من يؤمنون بتصورات الإخوان العقائدية، بمعنى أنها ستكون خلافة ليست على نهج النبوة الأولى، ولكن خلافة على نهج الإخوان، وطريقة سيد قطب، وفكرة حسن البنا، فهي إذن خلافة إخوانية، وسيكون وطنهم حينئذ ليس هو الإسلام كما قال البنا، ولكن وطنهم هو الإخوان.

وعبر تاريخهم في زمن سيد قطب وجدنا أن مرشدهم حسن الهضيبي يقف بكل قوة جماعته ضد مفاوضات جمال عبد الناصر مع الإنجليز من أجل الجلاء، وكان الهضيبي يأمر قيادات الجماعة بتسيير وتنظيم المظاهرات الإخوانية التي تناهض اتفاقية الجلاء، ومن أجل إفشال هذه المفاوضات سعى الإخوان لاغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية، وللأسف فإن كثيرا من المؤرخين الذين أرخوا لهذه العملية الفاشلة يظنون أن محاولة الاغتيال هذه كانت من أجل إزاحة عبد الناصر من الحكم وتمكينهم هم، والحقيقة مختلفة عن ذلك بعض الشيء، إذ لو نجحت هذه العلمية لوجد الإخوان أمامهم مجلس قيادة الثورة، وفيه شركاء عبد الناصر في الثورة والحكم، وهم لن يتركونها للإخوان أبدا، فقد كانوا جميعهم يتمنون القضاء التام على الإخوان ولكن عبد الناصر هو الذي كان يكبح جماحهم، ولكن الهدف الحقيقي من محاولة اغتيال عبد الناصر هو إفشال المفاوضات التي يقودها عبد الناصر، وساعتئذ كان لبريطانيا المحتلة أن تتحجج باضطراب أحوال البلاد مما يهدد مصالحها ويلزمها باستمرار وجودها العسكري بمصر، ولكن الله سلَّم وفشل الإخوان كعادتهم في الفشل.

ولك أن تتعجب!! هل هذه تصرفات من ينتمي فعلا للوطن؟! هل يسعى مواطن بكل قوته لإبقاء احتلال أجنبي لبلاده، ولكن قد يتبدد عجبك عندما تعلم أن جماعة الإخوان نشأة بقرار من المخابرات البريطانية ودعم من شركة قناة السويس التي كانت تحت الإدارة الفرنسية والإنجليزية، وظلت صلة الإخوان بالإنجليز إلى الآن، وظلت علاقتهم بالمخابرات البريطانية قائمة كعلاقة المتبوع بتابعه، لا يفارقه ويظل لصيقا به كظله، لذلك أثناء العدوان الثلاثي على مصر، وكان بعض الإخوان قد هربوا إلى لندن، إذا بالحكومة الإنجليزية تنشأ لهم إذاعة موجهة إلى مصر، وفيها قام الإخوان بواجب التابع الذليل لسادتهم الإنجليز وشنوا هجوما ضاريا على مصر وقائدها جمال عبد الناصر، ولكن الله نصرنا وهزمهم وباءوا بغضب من الشعب .

وعندما أنشأ الإخوان تنظيمهم الدولي عام 1982 كان ذلك من أجل أن يكون هناك وطن حقيقي للإخوان في كل العالم، هو الوطن البديل أو قل الوطن الحقيقي لهم ولكل إخوان العالم، وفي ذلك يقول أحد قادة التنظيم الدولي: "إن التنظيم نشأ كفكرة وكمشروع مستقبلى فى أدبيات وتراث الإمام حسن البنا، الذي اعتبر هذا المشروع خطوة وهدفا من الأهداف نحو وحدة الأمة الإسلامية" هم يعرفون إذن أن وطنهم ليس مصر ولا سوريا ولا السودان ولا فلسطين، وطنهم هو "الإخوان".

ولكن ما معنى أن يتجاوز الإخوان في مفهومهم للوطن الحدود والأرض والتاريخ والمواطنة؟ معناه أن فكرة الإخوان فكرة أممية ومن ثم يكون ولاء المنتسب للإخوان ليس لوطنه، بل لتنظيمه، فله أعطى بيعة لا يستطيع الفكاك منها وإلا مات ميتة جاهلية كما يعتقدون، وينسحب ولاءهم لرئيس بلدهم إلى مرشدهم فهو صاحب البيعة وهو رئيس التنظيم الذي حل محل الدولة، وبالتالى يثور التساؤل حول التعارض بين الانتماء للوطن والانتماء للتنظيم العالمي، إذ يُفترض في أن المواطن، أن يكون ولاؤه فقط لوطنه، فإذا ما تعارض ذلك مع ولاء أخر، فإن هذا يعد من قبيل الخيانة العظمى.

ولعلنا نجد حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال تضع شروطا لجنسيتها، من أهمها أن يقسم المواطن الحاصل على الجنسية بالولاء للولايات المتحدة الأمريكية، فإذا ثبت بعد ذلك أنه أقسم قسم الولاء لدولة أخرى سقطت عنه الجنسية بل من الممكن اتهامة بالخيانة العظمى .

كل هذه الأمور داخل دولة الإخوان تم ترجمتها بشكل علني أمام الرأي العام المصري من خلال فلتات لسان قادة ذلك التنظيم أو قل تلك الدولة الموازية، فمهدي عاكف مرشد الإخوان السابق والشهير بفلتات اللسان المتكررة سبق له وأن قال عبارة شهيرة هي :"طظ في مصر" وكانت تلك العبارة القبيحة تترجم رأي أعضاء هذا التنظيم في الوطن الذي من المفترض أنهم ينتسبون له، وبعد ذلك قال مهدي عاكف في موقف آخر: "نحن نقبل أن يحكم مصر مسلم ماليزي" وتلك العبارة هي ترجمة حقيقة لأفكارهم، فليست العبرة بالمواطن المصري الذي لا يجيز لسواه أن يحكم مصر، ولكن العبرة عنده بالعقيدة، وقد ظن البعض أن مهدي عاكف كان يقصد أنه يقبل أن يحكم مصر أي مسلم ماليزي، ولكن الحقيقة أنه يقبل هو و الإخوان أن يحكم مصر مسلم إخواني ماليزي، فالإخوانية هي التي تمثل عندهم النقاء العقائدي.

ولكن أين ستجد عنوان وطن الإخوان؟ ستجده في كتاب الشيطان الإعور، صفحة: اقتلوا وطن المصريين وأبيدوا أهله.

حسن البنا

كانت الخلافة عند حسن البنا وجماعته "رمز القومية الإسلامية"، وبناءً على ذلك يرفض فكرة الوطنية التي تقوم على حدود للوطن

حسن الهضيبي

سيد قطب

وضع سيد قطب دائرة أخرى للوطن، هي دائرة "المؤمنين" في وطن "الإيمان"، الذي يشاقق وطن "أهل الجاهلية"، ولو كانوا من المسلمين

ولاء المنتسب للإخوان ليس لوطنه، بل لتنظيمه، فله أعطى بيعة لا يستطيع الفكاك منها، وإلا مات ميتة جاهلية كما يعتقدون

أخبار الساعة

الاكثر قراءة