يوم 30 يونيو (عيد ميلادي بالمصادفة) هو يوم عظيم من أيام مصر، عبّرت فيه الإرادة الشعبية عن رفضها لما يمكن أن أسمّيه "فتنة الإخوان الإرهابية"، التي دفعت البلاد إلى حافة أسوأ فتنة طائفية عرفتها مصر منذ الفتح العربي، وأبشع صور الطغيان باسم الدين، وممارسات أخرى كان من شأنها في ذلك الوقت رسم سيناريو عبثي للعلاقات بين الدول في منطقة الشرق الأوسط، وربما أيضًا في العالم كله. كانت ثورة يونيو هي الامتداد المنطقي لثورة يناير 2011 وتصحيحًا لمسارها.
وأتذكر جيدًا، عقب الإعلان يوم 3 يوليو من العام نفسه عن انتهاء حكم جماعة الإخوان الإرهابية وتسليم دفة القيادة إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور، أن امتلأت الصحف الأجنبية وإذاعاتها وتلفزيوناتها وصفحات التواصل الاجتماعي باتهام ما حدث بأنه "انقلاب"، وهو ما جعلني أبذل جهودًا مضنية في الرد على ما أُثير. وتقريبًا كانت الجملة المتكررة التي استخدمتها للرد: "إنها ليست انقلابًا، بل هي تعبير عن إرادة شعب". وتعجبت وقتها -ولا زلت أتعجب- كيف للدول الأجنبية، وخاصة دول أوروبا القريبة منا والتي تعرف كل شيء عنا، أن تتخذ هذا الموقف من ثورة الشعب في 30 يونيو، ولم تهتز لها شعرة عندما كان الإخوان يعملون على "أخونة" مصر، ويرتبون لأعمال إرهابية طالتهم هم مثلما طالتنا وزيادة. وكيف أن موقفهم لم يكن شجاعًا في عدد من الانقلابات الدستورية التي قادها مكتب الإرشاد ونفذها رئيس الجمهورية الإخواني في ذلك الوقت. وكان موقفهم متخاذلًا في الدفاع عن الأقباط ضد كل ما كانت تمارسه السلطة الإخوانية (كان من الصعب التفريق بين مؤسسات الدولة الرسمية ومؤسسات جماعة الإخوان ومرشدها وحزبها الشكلي) ضد أقباط مصر، من إقصاء وتكفير بدأ بالعنف، واستمر في منحنى متصاعد، ربما كانت هناك مخاوف مبرّرة من أن يصل إلى التطهير الديني.
ولكني اليوم أقول: ما أشبه الليلة بالبارحة! فها هي الدول نفسها تقف مع إسرائيل، عكس إرادة شعوبها، في عبثها الدموي في المنطقة كلها، في فلسطين المحتلة وسوريا واليمن، وتهديدها للأمن القومي لمعظم بلادنا العربية. إن عبث إسرائيل في المنطقة، واستراتيجيتها الخافية أو الظاهرة في السيطرة، وأن تكون اللاعب الوحيد -أو الرئيسي- في المنطقة، فيه تهديد صريح لأمن مصر القومي. وفي مثل هذه الظروف تتحد الإرادة الشعبية المصرية مع قيادتها السياسية والعسكرية لمواجهة أية تهديدات محتملة -وربما أيضًا متوقعة- ضد مصر ودورها الدولي والإقليمي.
لقد تعاظم دور مصر الدولي والإقليمي بعدما شهدت السياسة الخارجية المصرية تحولًا ملحوظًا بعد ثورة 30 يونيو، فاتجهت مصر نحو سياسة خارجية أكثر نشاطًا ذات توجه عربي وأفريقي. كما سعت إلى تحقيق توازن في علاقاتها مع مختلف القوى الدولية، بما في ذلك القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا. وقد أولت مصر اهتمامًا خاصًا لقضايا الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب على المستوى الدولي. وتميزت العلاقات مع دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بأنها كانت محورًا هامًا في السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة. وقد لعبت هذه الدول دورًا داعمًا لمصر في مختلف المجالات. كما كان لمصر دور في بعض الصراعات الإقليمية، مثل الأزمة في ليبيا واليمن.
على صعيد المنظمات والقوى الدولية، حصلت مصر على عضوية غير دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما حافظت على علاقاتها مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية الكبرى. بالإضافة إلى ذلك، أولت مصر اهتمامًا لمبادرات التنمية في أفريقيا، خاصة في منطقة حوض النيل.
ولابد من التأكيد على التحول المبرمج في السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة، بعيدًا عن العزلة المتصورة خلال حكم مرسي، نحو مشاركة أكثر توازنًا ونشاطًا مع الدول العربية والأفريقية، بالإضافة إلى تنويع الشراكات الدولية. هذا يشير إلى إعادة توجيه استراتيجي لتعزيز مكانة مصر الإقليمية وحماية مصالحها. وكذلك التأكيد على استعادة دور مصر القيادي في المحيطين العربي والأفريقي، إلى جانب جهود بناء علاقات مع دول خارج الحلفاء الغربيين التقليديين، يشير إلى قرار واعٍ بانتهاج سياسة خارجية أكثر استقلالية ومتعددة الأطراف.
تركيز مصر على مبادرات التنمية في أفريقيا، وخاصة في حوض النيل، يؤكد على أهمية القارة لأمن مصر القومي، خاصة فيما يتعلق بالموارد المائية والاستقرار الإقليمي. يهدف هذا الانخراط إلى تعزيز العلاقات وتعزيز التعاون في قضايا ذات اهتمام مشترك، إدراكًا للترابط بين أمن مصر ورفاهيتها مع جيرانها الأفارقة، لتعزيز الاستقرار ومعالجة التحديات المشتركة.
لقد أكدت مصر يونيو، استمرارًا لنهج مصر يناير، على شعار "مصر أولًا"، وهو الشعار الذي بدا أن نظام الإخوان لا يعترف به، في مقابل سعيه نحو إحياء الخلافة! وقرارات مصر في السياسة الخارجية غالبًا ما تكون متشابكة مع الحاجة إلى تأمين الشرعية والدعم الدوليين لمصر بعد ثورة يناير. إن التركيز على الحصول على اعتراف دولي وتكوين تحالفات تعزز مكانة مصر على المسرح العالمي يشير إلى أن استتباب الأمن والنظام في مصر، وقبوله من قبل المجتمع الدولي، هو من الدوافع المهمة لخيارات مصر في السياسة الخارجية.
وختامًا، نرى أن ثورة 30 يونيو كانت إرادة شعبية عارمة، وتعبيرًا ديمقراطيًا عن هذه الإرادة، ضد التطرف ونظام حكم فاشل، وخطوة ضرورية لإنقاذ البلاد. وأن زعامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بخلفيته العسكرية والأمنية، كانت ضرورة باعتباره المنقذ والبطل القومي لحماية الهوية المصرية وقيمها الأصيلة من محاولات طمسها. كما أن الثورة ساهمت في استعادة مصر لمكانتها الإقليمية والدولية بعد فترة من التراجع. والفترة التي تلت الثورة تمثل عصر بناء دولة حديثة ومستقرة، رغم المعاناة التي تحملها المواطن من جراء الإصلاحات الاقتصادية، وتعزيز البنية التحتية، وجذب الاستثمارات. ولو أمكن للحكومة المصرية تخفيف الأعباء الاقتصادية على الفقراء، أو على الأقل الإبطاء من وتيرة تصاعدها، لأمكن لها أن تفتخر بأنها حافظت على وحدتها الوطنية، وعززت أمنها القومي، وحشدت الدعم المحلي لها في مسيرتها نحو الأمن والأمان والنهضة دون أعباء ولا خسائر.
تعاظم دور مصر الدولي والإقليمي بعدما شهدت السياسة الخارجية المصرية تحولًا ملحوظًا بعد ثورة 30 يونيو، فاتجهت مصر نحو سياسة خارجية أكثر نشاطًا ذات توجه عربي وأفريقي
أكدت مصر يونيو، استمرارا لنهج مصر يناير، على شعار "مصر أولاً"، وهو الشعار الذي بدا أن نظام الإخوان لا يعترف به، في مقابل سعيه نحو إحياء الخلافة!
ثورة 30 يونيو كانت إرادة شعبية عارمة، وتعبيرا ديمقراطيا عن هذه الإرادة، ضد التطرف ونظام حكم فاشل، وخطوة ضرورية لإنقاذ البلاد