وسط استمرار العجز الدولي في كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، يواصل الفلسطينيون الغرق في أتون مجاعة تفتك بهم ساعة تلو أخرى، نتيجة النقص الحاد في الغذاء والماء، ليس لعدم توفرهما، بل بسبب منع إسرائيل إدخالهما، ضمن سياسة إبادة جماعية متواصلة منذ نحو 22 شهرًا.
وجعلت إسرائيل الجوع جزءًا أساسيًا من حياة الفلسطينيين في غزة، حيث تفرض عليهم حصارًا خانقًا على قطاع غزة منذ عام 2006، وذلك عقب فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية، ثم شددت هذا الحصار مع سيطرة الحركة على القطاع في عام 2007، على نحو يمس الحقوق الأساسية للأفراد.
غير أن هذا الحصار بات على نحو غير مسبوق منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر 2023، لا سيما في الفترة التي أعقبت تاريخ الثاني من مارس الماضي، حيث منعت إسرائيل بشكل كامل دخول الإمدادات الإنسانية والغذائية إلى القطاع.
وبعد مرور 142 يومًا من هذا القرار، بات أكثر من مليوني فلسطيني في غزة يواجهون خطر الموت الوشيك بسبب الجوع، حيث سجلت الـ48 ساعة الماضية 23 حالة وفاة، حسب مصادر طبية فلسطينية.
وتعمدت إسرائيل توظيف التجويع كجزء من حرب الإبادة التي تشنها ضد سكان غزة، منذ أكتوبر 2023، وذلك من خلال منع إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية، وحليب الأطفال، والوقود، وتشديد الحصار بشكل كامل، في ظل نفاد الغذاء والدواء، وفقًا لـ"حكومة غزة".
وقد أكدت حكومة غزة أن القطاع على مشارف مرحلة الموت الجماعي، جراء إغلاق الاحتلال الإسرائيلي لجميع المعابر منذ مطلع مارس الماضي.
حالات وفاة
وصباح اليوم الثلاثاء، أُعلن عن استشهاد الطفلين يوسف الصفدي من شمال قطاع غزة، وعبد الحميد الغلبان من مدينة خان يونس جنوبًا، نتيجة سوء التغذية والمجاعة، حسب ما أفادت به وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).
عقب ذلك بقليل، أفاد مستشفى شهداء الأقصى في قطاع غزة بوفاة الفلسطيني أحمد الحسنات نتيجة سوء التغذية.
وأشارت الوكالة إلى أن مستشفيات القطاع تتعامل مع مئات من مختلف الأعمار ممن أصابهم الجوع الحاد وسوء التغذية، إذ أنهم في حالات إجهاد حادة.
وهذا الأسبوع، أفادت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة بوصول أعداد غير مسبوقة من الفلسطينيين المجوعين إلى مستشفيات القطاع، في حالة إجهاد وإعياء شديدين.
ونقلت "وفا" عن مصادر قولها إن هناك 17 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، كما أنه يتم التعامل مع مرضى لديهم حالات من الإجهاد وفقدان الذاكرة الناتجة عن الجوع الحاد، والمستشفيات ليس لديها أسِرّة طبية وأدوية تكفي العدد الهائل من المصابين بسوء التغذية الحاد.
وحذرت صحة غزة من أن مئات من الذين نحلت أجسادهم سيكونون عرضة للموت المحتم نتيجة الجوع وتخطي قدرة أجسادهم على الصمود.
بدوره، أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أن الأوضاع في قطاع غزة بلغت مستويات غير مسبوقة من التدهور، مشيرًا إلى أن ما يدخل القطاع من مساعدات لا يكفي لسد أدنى احتياجات السكان.
وأوضح المكتب أن من نجا من القنابل، يواجه اليوم خطر الموت جوعًا، في ظل تفشي سوء التغذية وندرة الطعام والمياه النظيفة. ولفت إلى أن نحو 2.1 مليون فلسطيني محاصرون في 12% فقط من مساحة القطاع، في أوضاع إنسانية كارثية.
وأشار إلى أن المستشفيات تنهار تحت وطأة الأعداد المتزايدة من المصابين، وجراء النقص الحاد في الإمدادات الطبية الأساسية، ما ينذر بكارثة صحية وشيكة في القطاع المنكوب.
إدانة دولية
وأمس الاثنين، أصدر وزراء خارجية 25 دولة، من بينها بريطانيا وفرنسا وكندا، إضافة إلى مفوضة الاتحاد الأوروبي للمساواة وإدارة الأزمات، حاجة لحبيب، بيانًا أدانوا فيه "تقطير المساعدات إلى غزة، وقتل المدنيين بطريقة لا إنسانية"، ودعوا إلى إنهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع.
وأكد الوزراء أن "نموذج تقديم المساعدات الذي تنتهجه الحكومة الإسرائيلية خطير، ويؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار، ويحرم سكان غزة من كرامتهم الإنسانية".
واعتبروا مقتل أكثر من 800 فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات أمرًا "مروعًا"، مشددين على أنه "من غير المقبول أن تمنع الحكومة الإسرائيلية المدنيين من الحصول على المساعدات الإنسانية الأساسية".
وطالبوا الحكومة الإسرائيلية برفع القيود المفروضة على تدفق المساعدات فورًا، والسماح بشكل عاجل للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بالقيام بعملها المنقذ للحياة بأمان وفعالية.